موقــــف و خـــاطـــــرة

الوطني الذي لا يساوم

الشيخ نــور الدين رزيق
الأمين العام – جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

 

المعروف عن رجال الإصلاح في هذا الوطن منذ انتشار الفكرة الإصلاحية أنهم لا يقبلون المساومة وهذا الخط الذي كان ينبغي أن لا يحيد عنه رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، و نشهد ان ما وصلت إليه وضعية جمعية العلماء اليوم يتطلب جهدا كبيرا لرفع هذا الحيف والخوف.
لقد خصّص السيد عمّار أوزقان (زعيم الحزب الشيوعي قديما) وقفة تأملية عميقة للشيخ محمد البشير الإبراهيمي في مجلة «الثورة الإفريقية» الناطقة بالفرنسية في عددها الصادر بتاريخ 29 ماي 1965م – أي بعد أسبوع من وفاة الشيخ – مقالاً موضوعياً، يحمل عنوان «الوطني الذي لا يساوم» جاء فيه على الخصوص:
«شيّعت الجزائر الاشتراكية جثمان الشيخ محمد البشير الإبراهيمي آخر رئيس لجمعية العلماء، شيعّته بجماهير غفيرة إلى مثواه الأخير، ولقد كان هذا الرجل – بحق – الوطني الذي لا يقبل المساومة على مبادئ وطنه، والذي كانت الإدارة الاستعمارية تعتبره الشخصية السياسية غير القابلة للرشوة أو فساد الذمة، فقد قام بدور طلائعي، سواء داخل الوطن أو خارجه، بوصفه الإيديولوجي التقدمي للاتجاه البرجوازي الديمقراطي».
وقال أيضا : «لا أحد يجادل اليوم في حقيقة هامة وهي أنّ التعلّق بالإسلام قد كان روح الحركة المعادية للاستعمار، والمحرك السياسي الديني للثورة، سواء في مرحلتها النضالية الوطنية، أو في مرحلتها الاجتماعية الجديدة.
ووصف سعد الله ابن باديس ـ وهو رئيس الجمعية منذ تأسيسها حتى وفاته سنة 1940م ـ بقوله: «بيسمارك الجزائر خلال الثلاثينات، فكان يدير لعبة الدين كما كان بيسمارك يدير لعبة السياسة، وكلاهما نجح في خطته، وبقي لرجال الأخلاق أن يحكموا على قيمة عمل كلّ منهما».
كما وصف المناضل عمّار أوزجّان ـ رحمه الله ـ الإمام عبد الحميد بن باديس بأنه: «كان ثوريا خالصا وحكيما، لا يتطلب من كلّ مرحلة أكثر ممّا تقدر أن تعطي»
تواجه الحركة الإصلاحية المعاصرة عوائق داخلية وأخرى خارجية، و هذا ليس جديدا بل منذ انطلاق الدعوة إلى هذا الدين ولعل مما هو من داخلها ما جاء في الاثر عن الشَّعْبِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: «هَلْ تَعْرِفُ مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: «يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمِ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ « جامع بيان العلم وفضله (1867-1869)
قال ابن عبد البر بعده : وَشَبَّهَ الْعُلَمَاءُ زَلَّةَ الْعَالِمِ بِانْكِسَارِ السَّفِينَةِ؛ لِأَنَّهَا إِذَا غَرِقَتْ غَرِقَ مَعَهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ ، وَإِذَا ثَبَتَ وَصَحَّ أَنَّ الْعَالِمَ يُخْطِئُ وَيَزِلُّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ وَيَدِينَ بِقَوْلٍ لَا يَعْرِفُ وَجْهَهُ. جامع بيان العلم وفضله (2/982).
وحتى لا نحيد عما رسمه سادتنا العلماء رواد الإصلاح ومنهم الشيخ محمد خيرالدين رحمه الله وهو يعرف جمعية العلماء قال: لم تكن «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» حزباً سياسياً ، ولم تعمل في ميدان «السياسة الحزبية» التي تكوَّنت في بلادنا خلال فترة تأسيس «الجمعية»، وإنما عملت في ميدان «السياسة العامة» التي تهدف توْعِيَة الأمة، وتكوين المواطن الصالح، وتبصيره بحقوقه في الحرية و الاستقلال». انتهى

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com