حوار

«البصائر» تحاور الدكتور عبد الرزاق بوهوس

أجرت الحوار : فاطمة طاهي

في البداية دكتور لو تقدم لنا نبذة عن شخصكم الكريم؟
– السيد عبد الرزاق بوهوس رئيس مصلحة التوجيه الديني والاوقاف والشعائر الدينية).
دكتوراه تخصص نظام الوقف الإسلامي، جامعة الجزائر-01-
رئيس مصلحة التوجيه الديني والاوقاف والشعائر.) سطيف
إمام ممتاز) بمسجد عمر بن الخطاب – العلمة – سطيف.

باعتباركم دكتور من المتخصصين في نظام الوقف الإسلامي، ماهو تاريخ الوقف في المغرب العربي عموما وفي الجزائر على وجه الخصوص؟
– أولا دعونا نعطي لمحة عن ماهية الوقف ليتسنى للقارئ الكريم معرفة معنى الوقف، فالوقف من النّاحية اللّغوية يطلق على معان متعدّدة منها، الإمساك والمكث والحبس والتّسبيل، فهو إمساك عن الاستهلاك أو البيع أو سائر التّصرّفات، والشائع بالمغرب العربي الكبير لفظ الحبس أو الحبوس، أما اصطلاحا فقد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الوقف شرعا، وذلك تبعا لاختلافهم في لزوم الوقف من عدم لزومه، ومصير العين الموقوفة بعد الوقف، وغيرها، وأقتصر على تعريف الحنابلة: عرفه الإمام ابن قدامة وبين معالمه بأنه: «تحبيس العين و تسبيل المنفعة، أما من الناحية القانونية فقد عرفه القانون الجزائري: في نص المادة 213 قانون الأسرة بأنه: « حبس المال عن التّملك لأيّ شخص على وجه التّأبيد والتّصدق، وأمّا نصّ المادّة 03 من القانون رقم 91/10 المؤرّخ في: 27/04/1991م المتضمّن قانون الأوقاف فقد عرّفت الوقف كالآتي: « الوقف هو حبس العين عن التّملّك على وجه التّأبيد والتّصدّق بالمنفعة على الفقراء أو على وجه من وجوه البرّ والخير، أما سؤالك عن تاريخ الأوقاف في الجزائر، أو ما يسمى بالمغرب الأوسط، فنستطيع القول أن منشأ الأوقاف كان بعد الفتح الإسلامي لشمال أفريقيا على يد الفاتح عقبة بن نافع الفهري، فمنذ الفتح الإسلامي للشمال الأفريقي نشأت المؤسسة الوقفية الجزائرية، و من أبرز الأوقاف الأولى في الجزائر مسجد سيدي غانم الأثري في مدينة ميلة العتيقة ويعد ثاني مسجد في أفريقيا بعد جامع القيروان بتونس وقد بني هذا المسجد في عهد القائد أبي المهاجر دينار سنة: (59-60هـ) فكان الجزائريون يتسابقون في الأعمال الخيرية ودعم قيم التضامن والتكافل الاجتماعي، بدءا ببناء المساجد وتحبيس العقارات لتأمين الخدمات العلمية والدراسية، وتحبيس الأراضي والبساتين والمحلات وشتى الأملاك مما كان يدر عائدات معتبرة، توجه لتمويل مساحة هامة من النشاط الاجتماعي والثقافي والعلمي، وبلغت الأوقاف أوجها وازدهرت عند امتداد الحكم العثماني إلى شمال إفريقيا وفي الجزائر بالأخص، تميزت الفترة العثمانية بالجزائر بتكاثر الأوقاف وانتشارها في مختلف أنحاء البلاد منذ أواخر القرن 15م وحتى مستهل القرن 19م، وتزايدت حتى أصبحت الأوقاف تشكل نسبة كبيرة من الممتلكات الزراعية الحضرية منذ أواخر القرن 18م. تقوم على تنظيمه وإدارته هيئات خاصة، حيث اشتهرت كثير من المدن بكثرة أوقافه، وسأذكر المؤسسات الوقفية في العهد العثماني منها: مؤسسة أوقاف الجامع الأعظم مؤسسة الحرمين الشريفين، مؤسسة أوقاف سبل الخيرات الحنفية أوقاف مؤسسة بيت المال، مؤسسة أوقاف الأندلسيين، أوقاف الزوايا والأولياء والأشراف، مؤسسة الأوجاق أوقاف الجند والثكنات، أوقاف المرافق العامة، الطرق والعيون والسواقي، هذه المؤسسات دليل على بلوغ الأوقاف أوجها وانتشارها بشكل يشرف الأمة الإسلامة أنذاك، وبعد دخول المستدمر الفرنسي أول ما بدأ به سن قوانين خرب فيها الأوقاف وأممها وعاث فيها فسادا، بعد الاستقلال مباشرة بدأت الجزائر بسن قوانين خاصة بالأوقاف، بموجب استحداث قانون خاص بالأوقاف وهو القانون رقم 91-10 الذي جاء بهيكل تنظيمي وإداري يسهر على حماية الأوقاف وإدارتها ممثلة بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، والإدارات الولائية التابعة لها، إلى أن أنشأ الديوان الوطني للأوقاف والزكاة بموجب المرسوم التنفيذي 21-179 المؤرخ في 03 مايو 2021م.

حدثنا دكتور عن دور الوقف في خدمة العلم وأهله والنفقة على طلبة العلم، وأثره في تحقيق النهضة العلمية؟
– قال أحد الباحثين ذاكراً تلك المعاني التي سبقت: (إذا نظرنا في مجالات الوقف وأمثاله في تراثنا القديم نجد فيه بناء المساجد وإنشاء المدارس والمكتبات وإقامة المستشفيات ووقف المرافق العامة والمقابر والفنادق والمقابر والأسلحة والذخائر وغيرها من العقارات والمنقولات فيثور في ذهننا مباشرة سؤال وهو ماذا ترك الوقف للدولة الإسلامية من عمل إذا تكفل بكل ما ذكر، وصدق في مقولته، فأنا دائما أسمي الأوقاف بالثروة النائمة، فمتى استيقظت هذه الثروة الوقفية خاصة في الجزائر التي تزخر بأوقاف عظيمة، واستغلت الاستغلال الحقيقي، ومع مجتمع محب للخير، لرفع عبء كبير على الخزينة العمومية، ولما بقي فقير واحد على هذه الأرض المباركة-الجزائر-
فأرجع إلى سؤالك أستاذة: حين نذكر الوقف فمباشرة يتبادر إلى أذهاننا الثقافة الإسلامية، فحين نرجع إلى الوراء ونستقرئ التاريخ الإسلامي، نجد أروع الصور لدور الوقف في التنمية الثقافية، ما يتعلق بميدان التعليم، وإنشاء المدارس، فقد أجاز الفقهاء الوقف على التعليم، والعلماء وطلَبة العلم، واعتبَروه من وجوه البر، فساهم هذا في إنشاء المدارس، والمراكز العلمية، والمكتبات في سائر البلاد الإسلامية، واستمرارها على مرِّ العصور، وهذا المجال استعملته حتى دول الغرب، بما يسمى بالوقف الشبيه بالوقف الإسلامي، أو ما يسمى ب (ترست trust) فتجدهم يوقفون أموالهم خدمة للعلم والجامعات والبحوث العلمية، وهذا شائع كثيرا بأمريكا وكندا وبريطانيا، والفرق بين الوقف الإسلامي وبين الوقف الشبيه بالوقف الإسلامي الذي اعتمدته دول الغرب، أن الوقف الإسلامي يبتغى به وجه الله ونيل الأجر والثواب باعتباره صدقة جارية، أما الوقف الشبيه بالوقف الإسلامي، فلا أجر ولا ثواب وإنما خدمة للعلم والبشري، لقوله تعالى: لئن اشركت ليحبطن عملك.

ماهو أثر الوقف في النهوض بالجامعة والمجتمع، هل يمكن أن نقول اليوم يوجد في عصرنا هذا دوافع عديدة لإقامة الوقف على الجامعات والعمل على تشجيعه للنهوض بمستواها وتحقيقا أيضا لغاياتها وأهدافها وأفكارها ليكون للوقف أثر في النهوض بالجامعة والمجتمع؟
– مما لا شك فيه أن هناك تكاليف باهضة وأرقام ضخمة تصرف على الجامعات والطلبة والبحث العلمي، مما أثقل كاهل الدولة وكلفت خزينتها الكثير والكثير، فنظام الوقف الإسلامي يفتح الباب أمام المجتمع بجميع أطيافه، خاصة ما تعلق بوقف النقود، والصناديق الوقفية، لدعم الجامعات والنهوض بها، أما عن السؤال في شقه الثاني بكل أسف إلى حد الآن في عصرنا وأتحدث عن الجزائر لا أعرف جامعة من الجامعات الجزائرية تمول بأموال الوقف، عكس الجامعات الكبرى في العالم في أمريكا وغيرها التمويل من الوقف الشبيه بالوقف الإسلامي الذي تحدثت عنه قبل هذا السؤال، وأرجو من الوزارة الوصية على الأوقاف خاصة الديوان الوطني للأوقاف والزكاة التفكير وبجدية لتوجيه الجهد إلى مثل هذه الأوقاف وهذه الأفكار لتتجسد على أرض الواقع ولم لا أخذ التجربة من الدول التي سبقتنا لهذا، تشجيعا للنهوض بالمستوى العلمي وتحقيقا للغاية التي من أجلها أوقف الناس والمجتمع أوقافهم.

وماذا عن دور الوقف في حل قضايا مجتمعية متعددة وبيئية واقتصادية وتنموية، والتي تشغل المهتمين بالمجال الاقتصادي؟
– شكرا أستاذة نعم يمكن للوقف حل العديد من القضايا المجتمعية والاقتصادية والبيئية والتنموية منها: نشر الدعوة الإسلامية، ومن أهم مظاهر هذا الغرض وقف المساجد التي كانت منارات لنشر الدعوة وتعليم الناس وتربيتهم وتهذيبهم، توفير الأمن الغذائي للمجتمع المسلم، ويتضح ذلك في تصدق أبي طلحة بنخيله وجعل ثمارها للفقراء من أهل قرابته، وفي البئر التي وقفها عثمان رضي الله عنه على عامة المسلمين، الرعاية الصحية، حيث يعد هذا الغرض من أوسع المجالات التي وقف المحبسون أملاكهم عليها، وشملت أنواعا كثيرة مثل بناء المستشفيات والعيادات، والبحث العلمي المرتبط بالمجالات الطبية كالصيدلة، إعداد القوة، اللازمة لجعل الأمة قادرة على حماية نفسها والدفاع عن دينها وعقيدتها، ويتضح ذلك من خلال وقف خالد بن الوليد سلاحه في سبيل الله، الوقف على البنية الأساسية، كالوقف على إنشاء الطرق، والجسور، وآبار الشرب وقد سبقت الإشارة إلى بئر رومة في المدينة المنورة التي وقفها عثمان رضي الله عنه، إيجاد مصادر مستقرة وثابتة، والسعي في إيجاد أصول ثابتة لصالح المجتمع، لتمويل وامداد المصالح العامة والمؤسسات الاجتماعية بما يلزمها من الوسائل لتلبية احتياجات المجتمع المسلم، والتقليل من صرف الميزانية العامة، وحماية الأموال من الإسراف والتقتير، ومعالجة مشكلة الفقر، وسد خلة المحتاجين والتقريب بين طبقات المجتمع وإيجاد فرص العمالة وتقليل البطالة والتقليل من الفساد بأنواعه.

وما هو أثر الوقف في حل إشكالات البحث القائمة فضلا عما فيه من مراعاة لمصلحة الأجيال القادمة حيث إن إنشاء وقف هو بمثابة إنشاء مؤسسة اقتصادية دائمة لمصلحة الأجيال القادمة؟
– شكرا، الناظر إلى دين الإسلام يجده دينا جاء لمعالجة مشاكل الإنسان لأنه دين كرّم الإنسان، فما من مشكلة للإنسانية قاطبة إلا في ديننا حلها، ويمكن للمجتمع المسلم أن ينهض بالوقف والجامعة كما كان أسلافنا والحضارة الإسلامية شاهدة على هذا عبر التاريخ والأزمنة، ومن حِكَمِ الأوقاف أنها تزدهر وتندثر، ثم يبعث الله لها رجالا يعيدون إحياءها وتمكينها من جديد، فقد شهدت الأوقاف تذبذبا عبر العصور من نهوض واندثار، أما الأثر المادي كما سبق وأن ذكرنا فستحمل الأوقاف العبء الثقيل عن الدولة، وتخلصها من الميزانية الضخمة التي تصرف على الجامعات، وتحل جميع مشاكل البحث العلمي إذا ما رجعنا إلى تطبيق نظام الوقف الإسلامي، الذي يعتبر القطاع الثالث اللاربحي، بمؤسساته الوقفية الدائمة والأبدية، التي تضمن مستقبلا للأجيال القادمة إن شاء الله.

هل يمكن أن نقول كذلك لا بد من إدماج نظام الوقف وتعليمه في مراحل مختلفة والتعريف به أكثر إعلاميا؟
– هذا رجائي فمن خلال جريدتكم المباركة ادعو إلى إدماج تدريس نظام الوقف الإسلامي بالمنظومة التربوية، بمختلف الأطوار، وليس في الجامعة فقط، فهناك جامعات فتحت هذا التخصص ودرسته للطلبة وتخرج دكاترة مختصين في نظام الوقف الإسلامي، على غرار جامعة الخروبة بالجزائر العاصمة، فنتمنى أن يعمم هذا التخصص في جميع مراحل التعليم، خاصة وهو من أعمال البر والتكافل الاجتماعي، وغرس هذه القيم في أذهان أبنائنا وطلابنا، أما قولك التعريف بالأوقاف إعلاميا فدعني أكن صريحا، الوقف الإسلامي والتعريف به إعلاميا لا زال مظلوما فالكثير من الجزائريين ثقافتهم الوقفية مغيبة، أو سطحية، لا يعرفون من الأوقاف إلا الأوقاف الكلاسيكية، ممثلة في المساجد والمقابر والزوايا والمدارس القرآنية، نعم نثمن هذه الأوقاف التي تساهم بشكل رئيس على المحافظة على الهوية الوطنية الإسلامية المتجذرة منذ القدم ولله الحمد، لكن الذي يجب معرفته هو اعلان الناس أن الوقف أعم من هذا بكثير، منه وقف الخدمات وقف النقود وقف التأقيت وقف المنافع والحقوق….الخ.

-أستاذي الكريم عندما نتحدث عن الوقف علينا أن نوضح أن أعمال البر لا تقتصر على بناء المساجد فقط فحبذا لو يساهم الواقفون اليوم في بناء الجامعات والمستشفيات، أو تموين المشاريع البحثية لمختلف القطاعات أليس كذلك؟
– بلى هذا ما أجبت عنه قبل هذا السؤال، فالوقف لا يقتصر عن ما تفضلت به، فباب الوقف باب واسع، فيمكن الوقف على المدارس التعليمية وتسليمها لوزارة التربية، بل وترميم المدرس ومؤسسات التربية ما دامت تساهم في تعليم وتربية أبنائنا، وبناء مستشفيات والوقف عليها لتمويلها، وبناء دور الأيتام، ودور خاصة بالمشردين ودور الطفولة المسعفة ودور العجزة ومن لا مأوى له، والوقف على خدمتها وصيانتها وتمويلها، فإذا رجعنا إلى الوراء الأمة الإسلامية وصلت إلى لطائف الأوقاف، فهناك من أوقف مساحات خضراء للخيل المسنة أو التي جرحت في الحرب والتي شاركت في الجهاد في سبيل الله، إكراما لها، وهناك وقف للأواني، وهناك وقف التكايا لعابري السبيل، وقف العسل للنساء الحوامل والمرضعات…الخ من الأمثلة اللطيفة في هذا الفن وهذا الباب.

في الأخير كلمة ختامية لقراء جريدة البصائر؟
– كلمتي أولا الشكر لله ثم لك على هذا الحوار وحسن اختيار الموضوع الراقي، حول نظام الوقف الإسلامي (الأوقاف)، أما لقراء جريدة البصائر التي تبصرنا بالعلم والمعرفة والثقافة في شتى المجالات، فأشكرهم على قراءة هذا المقال، وأوجههم للبحث عن خبايا الأوقاف، للاستزادة والإحاطة بهذا الموضوع الرائع.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com