ملف

على عتبات غزة تكشّفت كل الحقائق

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/

برغم حجم الألم الذي عشناه ونحن نتابع أحداث غزة، وما تعرض له أهلها من دمار كانت هذه المدينة الصغيرة، الكاشفة الفاضحة للنفاق على المستوى العالمي وعلى المستوى الإسلامي، لم يكن من السهل على العقل الإنساني أن يصدق الدناءة التي تعاملت بها الدول الكبرى مع أحداث غزة، ولم يكن يعي حجم الكذب الذي كانت تتبناه أكبر المنظمات العالمية التي كانت تدعو إلى التمكين لحقوق الإنسان وحريته، فتكشفت له الحقائق جلية مؤلمة ليدرك أنها كانت مجرد شعارات كاذبة لا تخدم إلا الطغاة والمفسدين في الأرض.
على عتبات غزة تعرت كل الأكاذيب: في المستشفيات التي كانت ترمى بقنابل الدول المتطورة والمرضى والأطباء الذين أخرجوا حفاة عراة بدعوى أن بعضهم من حماس، وأن هذه المستشفيات تابعة لها.
في المخيمات التي كانت تسبح في المياه والريح تهزها، ومع ذلك كانت من أهداف المدفعية والطائرات الحربية والقناصين. في منظر الموتى المتكرر بدون أكفان.
في الطرقات التي كانت الكلاب فيها تتلذذ بأكل لحوم البشر ولا أحد يستطيع الاقتراب منها. وفي استهداف الصحفيين الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم ينقلون الحقائق إلى العالم بكل أمانة.
على عتبات غزة تعرت نتانة الصهاينة وعقيدتهم المنحرفة في قتلهم للأطفال والنساء والشيوخ انطلاقا من عقيدتهم المنحرفة ((الأرض الموعودة والأخيار والشعب المختار والأغيار)) وحقدهم الذي لا يهدأ على المسلمين.
على عتبات غزة تعرت كل الحقائق، فلم نستطع أن ننصر أهلها كما تمنى الذين هندسوا للسابع من أكتوبر، فأدركنا أننا جبناء أمام الحضارة الغربية التي هيمنت على الدنيا، وأننا فشلنا في الاستجابة لقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ)..ووجدنا أن لنا آخرين من الأعداء هم من إخوتنا تخلّوا عن القضية في الأوقات الصعبة، ونصروا العدو بدل الصديق…
على عتبات غزة أدركنا أن قلوبنا شتى، وأن مفاهيم: الأمة والأخوة والجسد الواحد أصبحت هشة في حاضرنا، وعلينا أن نعمل من أجل إحيائها علنا نعود.
وبرغم الآلام التي ستتبع وقف الحرب لما ستخلفه من مفقودين ويتامى وأرامل ودمار للبيوت، سيسجل التاريخ لأهل غزة أنهم كانوا أحسن من نقل الإسلام إلى العالم في هذا الزمن الذي سيطر عليه الانحراف الفكري والنفاق الديني والمصلحة الملطخة بدماء الأبرياء.
لا يمكنك أن تنسى ذكرهم لله في كل حالاتهم، ورباطهم في الخيم لحفظ القرآن والحرص على طلب العلم، ومناقشة أطروحاتهم للماجستير والدكتوراه تحت القصف، وغرسهم للنباتات برغم النزوح الدائم من منطقة إلى أخرى.
لم يكن من السهل على شعب تحمل الحصار لسنوات طويلة، أن يصمد في وجه أعتى قوى العالم، لولا العقيدة الراسخة، والطموح إلى نيل الحرية أو الشهادة. فلا يمكن الاستسلام للظلم مهما كانت تكلفة المقاومة، لقد خسرت بمفهومنا المقاومة باستشهاد إسماعيل هنية والسنوار وكثير من العلماء، أشخاصا لم يكونوا عاديين، لكن في لغة المجاهدين الثائرين المتوكلين لاتعتبر هذه خسارة، بل جسارة وعدم هروب من الزحف: إما نصر أو استشهاد، فنالوا الشهادة أما من بقي فلا استسلام في ملتهم إلى أن يعود الحق إلى أهله أو اللحاق بمن سبقهم .
ستبقى غزة مدرسة للصمود والاعتبار، وما دامت كثير من بلاد المسلمين مستهدفة فعلينا أن نستوعب الدرس الذي كنا نشاهده مباشرة؛ فالظلم والظلمة هم المتحكمون في العالم، والمواجهة لاتكون بالدعاء فقط، وإنما بأخذ الأسباب فعلينا أن نفر من قدر الغثائية إلى قدر الفاعلية، لكي لا نكون لقمة لأهداف المستدمرين الذين لايشبعون من امتصاص الدماء، ويعيدون كرة الاعتداء ولا يملّون .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com