مقالات

إلى المطار.. أول مرة..

أ.عبد العزيز بن السايب/

وجاء اليوم الموعود..الرحلة إلى الشام..فكل الأوراق جاهزة..والاستعدادات مؤكدة..فعلى بركة الله تعالى..من قسنطينة إلى الجزائر العاصمة.فانطلاق الطائرة من مطارها إلى سوريا الحبيبة..
أَعَدَّت لي والدتي العزيزة حقيبةَ السفر المملوءة بما لَذَّ وطَابَ..ومن الألبسة الجديدة من داخلية وخارجية..فهذه أول مرة يسافر أحدُ أولادها خارج عُشّ الأسرة..
من الطريف أن والدتي اشترت لي الثياب الداخلية غامقة اللون من أسود أو بني أو رمادي..والعادةُ تكون بيضاء..والسر هو علمها بتكاسلنا معشر الرجال عن غسل الثياب..خصوصا في الغربة.لا سيما أن ابنها لا عهد له بالغسيل..فالثياب الداخلية البيضاء ستكون كارثة عليَّ..فرحمة الله تعالى عليك يا أمي..
عَرَضَ عليَّ والدي مرافقتي في السفر إلى العاصمة بكل سرور وحماسة..فثَنَيْتُهُ عن ذلك، بحجة بُعْدِ المسافةِ.فضلا عن اشتغاله بعمله فلا أرغب في التسبب في تعطيله عنه..
وهذه عادتي لا أحب أن أكلِّف أحدا توديعي أو استقبالي.فالله أعلم بظروف الناس.خصوصا مع اهتياج العواطف حينها..وهذه ليست حالي وحدي بل أشارك فيها غالب الطلبة القاطنين بعيدا عن المطار.
والسفر من قسنطينة إلى العاصمة بوسيلة القطار..هو الْمُحبَّبُ إليَّ منذ صغري، فوالدي يعمل في شركة السكك الحديدية..والعامل وعائلته لهم بطاقات يركبون بها مجانا..
والسفر في القطار له فوائد كثيرة..من أداء الصلاة على هيئتها وبأركانها..وتوفر أماكن الطهارة، والقراءة بكل مندوحة مع المعافاة من الغثيان..فضلا عن المناظر الجميلة..طبعا مع سلبيات أخرى من تأخر..وغيرها..
حجزت في سفر العاصمة الأربعاء مساءً في قسم المنامة..والانطلاق في حدود 9 ليلا..
وصلتُ فجر الخميس إلى العاصمة الخميس 15/09/1988..جَرَرْتُ الحقيبة معي وذهبتُ إلى مسجد “ابن باديس”، فهو الأقرب من محطة القطار “آغا” بالعاصمة..
وبعد أداء صلاة الصبح جلستُ في المسجد حتى طلوع النهار، انتظارا لوقت فتح قسم الأمانات، التي كانت وقتها في ساحة وسط العاصمة في القَبْوِ..
وضعتُ الحقيبة في قسم الأمانات..ثم ذهبت لأحد المقاهي لتناول الفطور..
وكنت على موعد مع الشيخ عبد المجيد بيرم الذي سيُعرفني اليوم على بعض الطلاب الجزائريين الذين سيسافرون هذا اليوم فأرافقهم في السفر إلى دمشق، سِيما وأن لهم سفرات سابقات لدمشق..
ذهبتُ إليه حسب الموعد.. وأصرَّ على استضافتي فاستجبتُ لطلبه وذهبنا إلى بيت والده الواقع في حي “بلكور”، فالشيخ بيرم وقتها عَزْبٌ يقطن عند والده..
وجزاه الله تعالى أكرمني بوجبة غذاء عاصمية..التي التقيتُ عنده برِفاق هذه السفرة وتعرَّفتُ عليهم..
افترقنا بعدها..فاستأذنتُهم لأذهب وأسترجع حقيبتي من قسم الأمانات..ثم نلتقي في المطار..وكذلك كان الأمر، دفعتُ أجرةَ حفظ الحقيبة..وحملتُها على كتفي..ثم توجهتُ إلى حافلات المطار..التي تضع الركاب في فَم المطار..
وهناك وجدتُ الرفاق في قاعة الانتظار..فاجتمع الشملُ مرة أخرى وتوجهنا سويةً نحو مكاتب الجمارك..
وبدأتْ دقاتُ القلب تتسارع حين الانتظار في الطابور أمام موظف الجمارك لتقديم أوراق السفر من الجواز وتذكرة السفر إلى سوريا..إنه هَلَعُ السفر..الذي ظلَّ يُصاحبني..

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com