ملف

جاءَ الحـقُّ .. وزَهَقَ الباطلُ

د.خديجة عنيشل/

خضعَ الكيانُ الصهيونيُّ بعد 15 شهراً لشروطِ المقاومة التي كان يرفُضُها في بدايات حربهِ المدمّرة الهمجية؛ فقد وافقَت دولةُ الاحتلال على اتفاقِ وقفِ إطلاقِ النار الذي هو في الحقيقةِ يتضمّنُ مطالبَ المقاومة الفلسطينية العملية التي سبق أن أعلنتها حركةُ حماس منذ نوفمبر 2023: انسحبَ المحتلُّ من القطاع وهو الذي كان يُمنّي نفسَهُ بتمكينِ وُجودهِ في غزة حتى يقضي على حماس، ووافقَ على إنهاءِ القتال وهو الذي كان مستمراً بلا هوادة في القتلِ والقصفِ وحمّامِ الدماء حتى يكسرَ لُحمَةَ الحاضنة الشعبية ويقودها إلى اليأس والتخلّي عن فكرة المقاومة، ووافقَ أيضاً على عودةِ النازحين وتأمينِ حملاتِ الإغاثة الإنسانية وكان من قبلُ يؤسّسُ لفكرةِ التهجير ويحلمُ بإفراغ القطاع من أهله حيث قال النتن ياهو في اجتماعٍ لكتلة حزب الليكود في الكنيست نهاية ديسمبر فقط !! بصيغةِ الواثقِ من أمره الحاسمِ لموضوعه إن مسألةَ التهجير لا جدالَ فيها وإنّ «مشكلتنا هي (إيجاد) الدول المستعدة لاستقبالهم، ونحن نعمل على هذا الأمر» !! بل إن تقريراً صُحفياً نشرهُ الموقعُ الإخباريُّ العبري (زْمان يسرائيل) يكشفُ أن «نتنياهو بدأ يعملُ على تهجيرِ سكان غزة، ووزير الخارجية في حينه إيلي كوهين الذي كان في نهاية ولايته في المنصب شكل طاقماً مهمّتهُ محاولةُ إجراء اتصالاتٍ مع دولٍ إفريقيةٍ يمكن أن توافق على استقبال مهجرين من غزة، وبين هذه الدول الكونغو ورواندا» !! .. وكان في مقابل مشروع التهجير هو مشروعُ الاستيطان في غزة . لقد أفشلتِ المقاومةُ مشروع التغيير الديمغرافي في قطاع غزة رغم كل الأهوال التي صنعتها هذه الحرب، وثبتَ للجميع أن صاحبَ الأرض ينتصر وهو يدفعُ مهراً غالياً من الدماء والأرواح في سبيلِ قضيّته.
إن الذين يرونَ في وقفِ إطلاقِ النار هزيمةً للمقاومة لا يُحسنون قراءةَ الواقع الذي فرضتهُ كتائبُ القسام فرضاً على دولةِ الكيان: نحنُ أمام فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كبيرةً بإذن الله وأجبرتها على التخلّي عن أحلامها ومخطّطاتِها التي اشتغلت عليها طويلاً. نحن أمام قوةٍ إيمانيةٍ صامدة تشبثت بحقّها التاريخي دون خوف ودون استكانة، وتصدّت لأبشعِ محرَقة على وجه التاريخ أمام مرأى ومسمع العالَمِ كلّه دون أن يحرّكَ هذا العالَمُ ساكناً وهو الذي ظلّ طويلاً يُرافعُ عن حقوق الإنسان والعدالة والمرأة وقيمِ الحريةِ … ولعلَّ من أبرزِ إنجازاتِ المقاومة أنها كشفت الوجهَ القبيح للمحتل الصهيوني ومسحت كلَّ ألوانِ النفاقِ والكذبِ التي كانت تُغطّي حقيقتَهُ الإجرامية الدموية، فلم يكن بإمكان أيّ وسيلةٍ إعلاميةٍ أن تُظهرَ للعالَمِ مظلوميةَ الشعب الفلسطيني وحقّهِ في الحياةِ الكريمة داخلَ أرضهِ ووطنه لولا هذا الصمودُ الأسطوريُّ الذي واجهَ به سكانُ غزة جيشَ الاحتلالِ المجرم؛ فقد كشفت هذه الحربُ طينةَ أهلِ غزة التي سينبثقُ منها جيلُ التحريرِ والنصر، أهلُ غزة الذين ألهموا العالَمَ وصنعوا له نماذجَ مشرقة للإنسانِ الحرِّ في قيمه، النقيّ في طموحه، الشجاعِ في وجهِ الظلمِ والطغيان، الصابرِ أمام البلاء والشدائدِ والمِحَن، المؤمنِ بعقيدته السمحة ..هذا النموذج البشري الذي سيكونُ لهُ أثرٌ بالغٌ في إعلاءِ قِيَمِ النُّبلِ والطهارةِ والرُّجولة التي يعملُ النظامُ العالميُّ المتصهين على طمسها واجتثاثها لتحلَّ مكانَها قذارةُ الشذوذِ والعُريِ والتفسُّخ والبوهيمية . لقد تغيّرَ وجهُ العالَمِ بعد طوفان الأقصى وإن الذي لا يرى ملامحَ هذا التغيير صنفٌ من ثلاثة: إما مُبغضٌ للمقاومة مُوالٍ للعدو وهذا ستحرقهُ نارُ الكراهية، أو إمّعةٌ لحاكمٍ يراهُ ولياً لا يخطئ وهذا لا عقلَ له، أو بائسٌ تمكّنَ منه اليأس حتى ظنَّ أن العدوَّ آلهةٌ في الأرض لا يقدرُ عليه أحد. وهؤلاء الثلاثة جميعاً أسرى أهوائِهم لا يعرفون معنى الانعتاق وسيسحقهم –بلا شك- قطارُ التغيير والتحرير.
وليتذكّر الجميع: إن أعظمَ جيوش العالم في أصغرِ رقعةٍ جغرافية لم يستطع استرداد أسراه من يد المقاومة لحدّ الساعة. والله أكبرُ ولله الحمد.
….. يُتبع

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com