غزة تنتصر!

أ. عبد الحميد عبدوس/
اعتلى خبر التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي يدخل حيز التنفيذ يوم الأحد 19 جانفي الجاري قمة الاهتمام العالمي. وإذا كان الفلسطينيون قد استقبلوا الإعلان عن وقف إطلاق النار بالبهجة والاستبشار، فإن الإسرائيليين عبروا في غالبيتهم في استطلاعات الرأي عن تأييدهم لاتفاق وقف إطلاق النار. هذا الإعلان أثار ردود فعل دولية عديدة مرحبة منها موقف الجزائر التي عبرت عن ارتياحها لهذا الاتفاق الذي اعتبرته: «خطوة ضرورية لرفع الظلم عن الفلسطينيين».
بعد 15 شهرا من عاصفة النار والدمار، ومسلسل المجازر والتجويع والتهجير، خرجت غزة من نار الحرب كطائر العنقاء الأسطوري عزيزة منتصرة… فالحمد لله القوي العزيز الحكيم، من قبل ومن بعد، وكل التقدير والتبريك للشعب الفلسطيني العظيم ومقاومته الباسلة. كان يوم الأربعاء الماضي 15 جانفي 2025، موعدا لإعلان رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن التوصل في الدوحة عاصمة قطر، إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس). لقد تم، بعد وساطة ناجحة من دولة قطر وجمهورية مصر والولايات المتحدة الأمريكية، التوصل إلى هذه النتيجة التي أفرحت كل أحرار العالم، وأصابت أنصار اليمين الصهيوني المتطرف، وقادته المجرمين الدمويين بالنكسة والخيبة والحسرة والشعور بالهزيمة. تحقيق هذا التطور الإيجابي لم يكن ممكنا، لولا صبر الشعب الفلسطيني وصموده، وتماسك وتضامن حركات المقاومة وانجازاتها البطولية في ساحة القتال بمساندة فعالة من جبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق وإيران. حركة «حماس» قالت في بيان أصدرته بعد الإعلان عن الاتفاق، إنه: « ثمرة الصمود الأسطوري لشعبنا الفلسطيني العظيم ومقاومتنا الباسلة في قطاع غزة، على مدار أكثر من 15 شهرا». إسرائيل خرجت من حرب غزة كالوحش الجريح، وظل جيشها إلى آخر لحظة قبل تنفيذ وقف إطلاق النار مصرا على إيقاع أكبر قدر من القتل وإلحاق الضرر بمواطني غزة المقاومة،حيث وصل عدد الشهداء الذين ذهبوا ضحية الحقد الصهيوني قبيل ساعات قليلة من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، إلى ما يقرب من 100 شهيد.
تنافس الرئيسان الأمريكيان، الرئيس المنصرف جو بايدن، والرئيس القادم دونالد ترامب، على أحقية من يعود له الفضل في إنجاز وقف إطلاق النار. قبل الإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار سارع دونالد ترامب للكتابة على صفحته في موقع «تروث سوشال»: «لم يكن من الممكن أن يتم اتفاق وقف إطلاق النار إلا نتيجة لانتصارنا التاريخي في نوفمبر، الذي بعث إشارات للعالم أجمع أن إدارتي ستسعى إلى السلام والتفاوض على صفقات لضمان سلامة جميع الأمريكيين وحلفائنا». أما الرئيس جو بايدن فقد أكد أنه: «تم التوصل إلى الاتفاق وفق الحدود الدقيقة لخطة كان قد وضعها منذ أواخر شهر ماي». وأضاف: «لم تتوقف جهودي الدبلوماسية أبدًا لإنجاز هذا الأمر». الخارجية الأمريكية فضلت قسم التفاحة نصفين بين بايدن وترامب وقالت: «إن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة جاء نتيجة التعاون بين الإدارة القديمة والإدارة الجديدة».
للتذكير، كانت حركة حماس قد أعلنت في شهر ماي الماضي (2024) موافقتها على مقترح لوقف إطلاق النار تقدم به الرئيس الأمريكي جو بادن ووصفه بأنه مقترح إسرائيلي، ولكن بعد موافقة «حماس» على المقترح، رفضته إسرائيل، واستعرض وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن كل مهاراته في الكذب والبهتان لتحميل «حماس» مسؤولية رفض المقترح. بعد حوالي 8 شهور عادت حكومة نتنياهو للموافقة على الاتفاق الذي رفضته سابقا مضيفة بذلك إلى جرائمها السابقة، آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من المصابين من الأطفال والنساء والمدنيين والمجاهدين الفلسطينيين إلى قائمة ضحايا الحربّ، حيث ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين، من 36 ألف شهيد وحوالي 80 ألف مصاب (31 ماي 2024) إلى أكثر من46 ألف شهيد وأكثر من 110 ألف مصاب (15 جانفي 2025). وفي الجانب الإسرائيلي أرتفع عدد قتلى الجيش الإسرائيلي في نفس الفترة ـ حسب الإحصائيات الإسرائيلية ـ من 634 جنديا وضابطا إلى أكثر من 890 جنديا وضابطا، إضافة إلى مقتل عشرات الأسرى التي اقتحم الجيش الإسرائيلي قطاع غزة لتحريرهم، والذين مات أغلبهم بنيران الجيش الإسرائيلي في عمليات تحرير فاشلة. لقد تجاوزت الخسائر البشرية في إسرائيل 10 آلاف جندي بين قتيل وجريح منذ بداية المعارك في أكتوبر 2023. حسب تقارير إسرائيلية. رغم ذلك ظل المجرم بنيامين نتنياهو في منصبه على رأس الحكومة الإسرائيلية مراهنا على الوقت وعلى غياب الحزم لدى الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبقي متمسكا بخيار مواصلة الحرب لتحقيق أهدافه المعلنة عند بداية الحرب بالقضاء النهائي على حماس والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين بالقوة العسكرية دون اللجوء إلى التفاوض. وفي المقابل ظل شريكه في الجريمة والإبادة الرئيس الأمريكي يوفر له الدعم العسكري من خلال تزويده بآلاف الأطنان من العتاد العسكري المتطور، والدعم المالي بمنح إسرائيل ملايير الدولارات في شكل قروض وإعانات مالية، والدعم السياسي والدبلوماسي باستخدام حق النقض (الفيتو) لمرات متعددة لعرقلة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار في غزة، وفوق كل ذلك تعمد نتنياهو إهانة الرئيس بايدن، ورفض جميع مقترحاته في تحد سافرومستفز لهيبة الولايات المتحدة ومصداقية وعودها الدولية.
يبدو أن مجيء ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب، قد قلب الأمور ـ حسب مصادر إعلاميةـ إذ تمكن في وقت قصير من إقناع رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضرورة القبول باتفاق وقف إطلاق النار قبل تنصيب دونالد ترامب على رأس البيت الأبيض.. ربما كان نتنياهو متيقنا من أن اللعب مع دونالب ترامب يختلف عن اللعب مع الرئيس العجوز جو بايدن الذي قدم نفسه للناس على أنه: «صهيوني، حتى وإن لم يكن يهوديا»، وربما يكون الرئيس القادم للولايات المتحدة، كما وصفه الجنرال في جيش الاحتياط الإسرائيلي، عاموس جلعاد، أشبه «بسمكة قرش التي ترعب كل السمك من حولها.» وربما يكون نتنياهو بمكره الواسع وخبثه الشديد قد اتخذ من ضغط دونالد ترامب حجة مقبولة لإنقاذ نفسه من مستنقع الاستنزاف في قطاع غزة الذي ورط فيه جيشه دون تقدير دقيق للعواقب. لقد تمخضت حرب غزة عن خسائر في الجانب الإسرائيلي قدرت بملايير الدولارات، وتدهور غير مسبوق لصورة إسرائيل لدى الرأي العام العالمي، وتحول قادتها من حكام «الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» حسب الزعم الغربي، إلى مجرمي حرب مطاردين من العدالة الدولية،كما كان الشأن مع مجرمي الحرب من النازيين في الحرب العالمية الثانية،وتصاعدت أرقام الهجرة العكسية للإسرائيليين إلى خارج إسرائيل، بدل القدوم إليها كأرض الميعاد، ورغم الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات في الجانب الفلسطيني، خصوصا في قطاع غزة، والخسائر المؤلمة التي تكبدتها المقاومة الفلسطينية في مقدمتها حركة «حماس» في مجاهديها وقادتها العظام الشهداء مثل إسماعيل هنية قائد الحركة وخليفته المغوار يحيى السنوار ورفاقهم ـ عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه ـ ، فإن الحركة استطاعت الصمود وتجديد صفوفها وتعويض خسائرها بسرعة أذهلت حتى قادة الاحتلال الإسرائيلي، وقادة الاستكبار الأمريكي. الأمر الذي حرك الوزير الصهيوني السابق، حاييم رامون، لنشر مقال في صحيفة «معاريف»” جاء فيه: «إنّ الحقيقة مرّة ويجب رؤيتها كما هي؛ فهناك فشلٌ استراتيجي مدو لتل أبيب في الحرب على غزة، حماس لا تزال تسيطر على معظم الأراضي، وعلى السّكان، وعلى المساعدات الإنسانية، وتحتفظ بمائة أسير، وتستمرّ في إطلاق الصواريخ، وقتل الجنود!.»
{وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ}