الديون.. عبء يهدد استقرار الحياة الأسرية

إعداد: فاطمة طاهي/
جاء الإسلام بنظام شامل ومنهج متكامل وبمجموعة من القواعد والضوابط التي تنظم حياة الأفراد والمجتمعات في كافة المجالات حتى المجال المالي والاقتصادي، حيث دعا الإسلام إلى الإنفاق بشكل عقلاني وواقعي تحقيقا للصحة المالية وتفاديا لمختلف الأعباء والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية، اليوم وأمام زيادة متطلبات الحياة وطلبات الأبناء وغلاء المعيشة وعدم كفاية الراتب الشهري، الكثير من الأشخاص أفرادا أو أسرا يلجؤون إلى الاستدانة كحل لمشكلاتهم المالية، وذلك توفيرا للاحتياجات أو حصولا على الكماليات أو بسبب بعض العادات المالية السلبية، في هذا الصدد يقدم أهل الاختصاص خريطة الطريق نحو تحقيق الاستقرار المالي للأسرة.
الدكتور عبد الرزاق بوهوس: إن أمر الدّين خطير جدا والاستدانة تكون للضرورة القصوى
يقول الدكتور عبد الرزاق بوهوس، رئيس مصلحة التوجيه الديني والأوقاف والشعائر الدينية بمديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية سطيف، إن أمر الدّين خطير جدا، ولا ينبغي أن يستدين الشخص من أجل توفير الكماليات، إنما يستدين للضرورة القصوى ولتوفير الاحتياجات لأن أمر الدّين خطير إلى درجة أن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الدّين في صلواته: «اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم»، وقال قائل له: «ما أكثر أن تستعيذ من المغرم»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل إذا غرم حدث فكذب واذا وعد أخلف»، وروح المستدين معلقة بدينه حتى يقضى، حيث جاء في الأثر أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم امتنع عن الصلاة على ميت عليه ديناران فقال: من يقضي عنه دينه فقال أبو قتادة أنا أقضي عليه دينه فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وسأله في الغد هل قضيت عليه دينه فقال نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم الآن بردت جلده. ويذكر الدكتور عبد الرزاق بوهوس الشروط الشرعية للاستدانة حيث يقول: أن يكون المدين عازما على الوفاء ومتأكدا من إعادة تلك الأموال لصاحبها وفي آجالها، ضرورة أن يمتلك الشخص موردا ماليا لسداد ديونه، وأن يغلب على ظنه أنه قادر على سداد الديون، وأن تكون هذه الديون لأمر مشروع.
أما فيما يخص المتهاونين عن قضاء الديون وهم قادرون على سدادها، يقول نفس المتحدث: هذا يعد أكلا لأموال الناس بالباطل، وقد حذرنا الله عزوجل من هذا: «يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما»، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به»، فهذا يعد من الظلم حيث يقول نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم»، فإذا كان المدين يتماطل وهو قادر على سداد الدين فهذا من الظلم، والإنسان إذا توفرت فيه النية الحسنة والطيبة في سداد الديون فالله سبحانه وتعالى سيعينه على ذلك، يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يدان دينا يعلم الله أنه يريد قضاءه إلا أداه الله عنه في الدنيا».
الاستشارية الأسرية مريم غوفي: التربية المالية أساس التسيير الرشيد لميزانية الأسرة
ومن جهتها أكدت الاستشارية الأسرية مريم غوفي، على أهمية تربية الأبناء على قيم الرضا والقناعة حيث بفقدانهما تلجأ العائلات إلى ثقافة الاستهلاك اللاعقلاني التي تولد لهفة على متطلبات الحياة والكماليات، فلابد أن تكون المداخيل متوافقة مع متطلبات العائلات، فالخلل يكمن في أن الأسر الجزائرية تنفق أكثر من مستوى مداخيلها. وتحدثت الاستشارية الأسرية عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في عملية الاستهلاك من خلال الإعلانات والاشهارات وحياة الرفاهية التي يروج لها.
كما تؤكد الأستاذة مريم غوفي على أهمية التواصل والحوار والشفافية بين الأزواج وبين أفراد الأسرة فيما يتعلق بالأمور المالية، حيث إن الكثير من الرجال في مجتمعاتنا يرون التصريح بمداخيلهم منقصة لهم لكن في عصرنا يستوجب ويستلزم الوضوح والصراحة من أجل التفاهم حول تقسيم الميزانية وعدم إثقال كاهل الأسرة بالمصاريف، الشفافية والوضوح في مداخيل الأسرة يجعل أفراد الأسرة في وعي لمدخول وإمكانيات الأب المالية.
وتؤكد الأستاذة مريم غوفي على أهمية تعزيز التربية المالية لدى الناشئة، فالطفل عندما يملك مبلغا ماليا بسيطا يمكن للوالدين توجيهه نحو الإنفاق الرشيد والحكيم وفق الاحتياجات والادخار وتخصيص قسم منه للصدقة، فينشأ الطفل على القيم التربوية المالية منذ صفره. وتقول الاستشارية الأسرية: للاستدانة العديد من الآثار النفسية كالقلق والاكتئاب والتوتر فضلا عن زعزعة العلاقات الاجتماعية حينما لا يستطيع المدين سداد دينه.
الدكتور عبد رشيد بوبكري: نظام الأسرة قائم على الاستدانة وصار الفرد مدانا للأشخاص والبنوك والشركات التي تبيع بالتقسيط
قال المرشد الأسري الدكتور عبد الرشيد بوبكري: إن الكثير من المواطنين لا يحسنون إدارة الأموال بشكل جيد، وهذا بسبب غياب التربية المالية في قيم التربية الأسرية والمدرسية والاجتماعية عموما، ويضيف قائلا: التصرف في الأموال من أهم الأساسيات التي ينبغي أن ينتبه إليها المواطنون، حيث ينبغي للمواطن أن يحسن إدارة ما بيده من أموال، فإدارة الأموال واختيار الأولويات التي ينبغي أن تنفق فيها الأموال من الأساسيات التي ينبغي أن تدرس للأطفال حتى يكبر هؤلاء الأطفال بوعي مالي. كما أكد الدكتور عبد الرشيد بوبكري على ضرورة الإنفاق العقلاني والواقعي والتمييز بين الاحتياجات والضروريات والكماليات والتحسينات، وحسبه «أول ما ينبغي أن يحرص عليه الإنسان: ماهي احتياجاتي الأساسية والضرورية التي ينبغي أن أوفرها وبعد ذلك أنتقل إلى الكماليات أو التحسينات التي بإمكاننا الاستغناء عنها»، ويضيف قائلا: نظام الأسرة اليوم يعتمد على الاستدانة وصار الفرد مدانا للبنوك والأشخاص وللشركات التي تبيع بالتقسيط وبالتالي يعيش حياته في قلق وتوتر واكتئاب فضلا عن المشاكل الأسرية والاجتماعية. ويضيف المرشد الأسري الدكتور عبد الرشيد بوبكري: «الدين هم في الليل وذل في النهار» وهذا ما يؤثر على حالة الشخص حيث يشعر بنقص الثقة بنفسه ونقص التقدير بذاته والشك في قدراته وإمكانياته ونقص التفاعل الاجتماعي مع الناس وأكثر من ذلك قد يفقد الإنسان دينه فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض أن يصلي على ميت حتى يقضى دينه. وقال المرشد الأسري الدكتور عبدالرشيد بوبكري: إن كثرة الاستدانة لا خير فيها، وإن احتاج الإنسان إليها عليه أن يستدين بالقدر الذي يستطيع أن يرد به هذا الدّين، مؤكدا على أهمية أن تتوفر في المدين نية إعادة الدّين، ويقول الله سبحانه وتعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه»، فالكتابة في الديون تحفظ للجميع حقوقهم. وقال نفس المتحدث: «على الشخص أن يوازي بين المداخيل والمصاريف، وأن يتعلم ثقافة الادخار وثقافة الاستثمار للبحث عن مدخول إضافي، وأن يحدد الإنسان أولوياته في الشهر وفي السنة حتى يدير أمواله بالطريقة الصحيحة وذلك من خلال تحقيق الوعي الذاتي مع التحكم في المشاعر والعواطف.