وفاة الشيخ الداعية المربي ..سارية الرفاعي

أ. سارية عجلوني */
انتقل إلى رحمة الله تعالى ورضوانه فضيلة العالم الداعية المربي النفَّاعة المُهاجر الشيخ سارية الرفاعي، عليه شآبيب الرحمة والرضوان، وتقبله الله في الصالحين.
وهذه ترجمة مختصرة عن حياة الشيخ رحمه الله تعالى:
– وُلِد الشيخ في حي القنوات بدمشق عام 1948م، ونشأ في كَنَف والده العلامة الشيخ عبد الكريم الرفاعي، فتربَّى على يديه، وأخذ عنه العلوم الشرعية والعربية، وعن كبار تلاميذه في مسجد زيد بن ثابت.
– انتسب إلى معهد الجمعية الغَرَّاء في مراحله الدراسية كلِّها، ودخل الثانوية الشرعية التابعة له، فتتلمذ على كبار العلماء إلى أن نال الشهادة الثانوية منها عام 1966م.
وكان مِن شيوخه في المعهد:
* الشيخ عبد الرحمن الزُّعْبي الطِّيبي، والشيخ حسين خَطَّاب، والشيخ محمد كُريِّم راجح في مادة التفسير.
* الشيخ أحمد المقداد البُصْرَوي، والشيخ عبد الرزاق الحمصي في مادة الفقه الشافعي.
* الشيخ نايف العَبَّاس في مادتي التاريخ والسيرة النبوية.
* الشيخ خالد الجَباوي في مادة اللغة العربية.
* الشيخ محمد صالح الفُرْفُور في مادتي البلاغة والخطابة.
* الشيخ عبد الرحمن حَبَنَّكة في مادة العقيدة، وكان يُلقي عليهم محاضراتٍ شكَّلتْ فيما بعدُ كتابه المشهور «العقيدة الإسلامية وأُسُسها».
* الشيخ سعيد الطَّنْطاوي في مواد الكيمياء، والفيزياء، والأعلام، وترجمة رجالات العِلم والفكر مِن السلف الصالح.
* كما قرأ على الشيخ خالد الجَبَاوي كتاب «أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك» لابن هشام صُحْبةَ أخيه الشيخ أسامة في درسٍ خاصٍّ في جامع باب المصلَّى.
* وقرأ على مفتي سورية الشيخ أبي اليُسْر عابدين الفقهَ الحنفيَّ و«مغني اللَّبِيب عن كُتُب الأعاريب» لابن هشام، حيث كان له مع الشيخ درسان خاصَّان في الأسبوع استمرَّا لسنواتٍ عدَّةٍ حتى هجرة الشيخ سارية إلى السعودية عام 1981م.
* كما أدرك طبقةً عاليةً مِن علماء الشام وجالسهم؛ كالشيخ أبي الخير الميداني، والشيخ إبراهيم الغَلايِيني شيخ والده، والسيد مكِّي الكتَّاني، والشيخ محمد الهاشمي، والشيخ حسن حَبَنَّكة، والشيخ عبد الوهاب دبس وزيت، والدكتور مصطفى السِّباعي وغيرِهم، وكان على صِلَةٍ كبيرةٍ بكثير مِن علماء حمص وحماة وحلبَ، وأجازه في الحديث عامَّةً الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، والشيخ محمد صالح الفُرْفُور، وسمِع المسلسل بالأولية مِن الشيخ أبي اليُسْر عابدين.
– سافر الشيخ عام 1966م إلى مصر، والتحق بالأزهر الشريف، وتخرَّج في كلية أصول الدين عام 1971م، ثم حصل على الماجستير في التفسير عام 1977م.
وكان مِن شيوخه في مصر:
* الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف في مادة الحديث النبوي وعلومه.
* الشيخ محمد محمود حجازي في مادة التفسير.
* الشيخ محمد بن فتح الله بدران في المصطلح (تدريب الراوي).
* الشيخ محمد أنيس عبادة.
* الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الذي كان عَمِيدًا لكُلِّيَّة أصول الدين.
* الشيخ مصطفى عبد الخالق.
* الشيخ عبد الغني عبد الخالق.
* الشيخ صالح الجعفري.
– وبعد نَيْلِه شهادة الماجستير في التفسير مِن الأزهر عاد إلى دمشق، وكان قد تسلَّم الإمامة والخطابة في مسجد زيد بن ثابت بعد وفاة والده عام 1973م.
– كما عُيِّن منذ عام 1973م مُدرِّسًا في دائرة الإفتاء العام التي كان يرأسها الأستاذ عزيز عابدين ابن شيخه الشيخ أبي اليُسْر عابدين، وقد عُرِض عليه في فتراتٍ مُتلاحقةٍ أن يكون مُفتِيًا لدمشق ووزيرًا للأوقاف فاعتذر.
وكان الشيخ قبل ذلك قد خطَبَ نِيابةً عن والده كثيرًا في مسجد زيد، وخطَب في عددٍ مِن مساجد دمشق.
– وفي عام 1965م أرسله والده -بطلبٍ مِن الشيخ بشير الشَّلَّاح- إلى جامع القصور في منطقة التجارة ليكون إمامًا، فأسَّس فيه عملًا دعويًّا مُباركًا مع ثُلَّةٍ مِن إخوانه ولم يتجاوز السابعة عشرة مِن عمره!
– وفي عام 1981م هاجر الشيخ من دمشق إلى المدينة المنورة إثر تعرضه مع مجموعة من العلماء إلى ضغوطات أمنية من النظام السوري، وجالس هناك ثُلَّةً مِن العلماء والصالحين؛ كالشيخ محمد زكريا البخاري، والشيخ محمد مهدي التبر، والشيخ عبد القدوس الأفغاني، والشيخ محمد التونسي، والشيخ أحمد عبد العزيز الشَّنْقيطي، والشيخ محمد نمر الخطيب وغيرِهم.
– بقي الشيخ في مهجره 13سنة، حيث رجع إلى دمشق عام 1993م، وتسلم مرَّةً أُخرى إمامةَ وخطابة مسجد زيد بن ثابت، فنشطَتِ الأعمال العلمية والدعوية فيه صحبة ثلة من إخوانه وطلابه.
وفي عام 1994م وُسِّع المسجد بجهود الشيخ، وأُسِّس فيه معهد الفرقان لفرع الإناث.
– كما أسَّس الشيخ في دمشق جمعية حفظ النِّعْمة التي عمَّ خيرُها مناطق كثيرةٍ في سورية، وشمِلَتْ مختلف شرائح المجتمع، وكانت انطلاقةُ المشروع الرسميَّة عام 2003م عَبْرَ إعلان مشروع الغذاء، وهو مشروعٌ يهدف إلى جَمْع ما يفضُل مِن الطعام في المطاعم والمناسبات لِيَتِمَّ استصلاحُه وتقديمُه مِن جديد للفقراء والمحتاجين.
وفي عام 2004م أُعلِن عن مشروع الكِساء، حيث تُجمَع الألبسة المُستعمَلة وتُوزَّع على أُولي الحاجة.
ثم توسَّع المشروعان، فقُدِّمتْ فيهما الوجبات الغذائية غير المُجمَّعة، والملابس الجديدة مِن المصانع.
وفي عام 2005م أُعلِن عن مشروع الدواء؛ لجَمْعِ الأدوية الصالحة وفَرْزِها والاستفادة منها.
وفي عام 2006م أُعلِن عن مشروع الأثاث؛ لخدمة الشباب الفقراء المُقبِلين على الزواج، وتجهيز ما يحتاجون إليه مِن أثاثٍ للمنزل ونحوه.
وفي عام 2007م أُعلِن عن مشروع التميُّز في كفالة اليتيم، بهدف كفالة الأيتام ماليًّا، وتوجيههم تربويًّا وأخلاقيًّا، ومُتابعتهم دِراسيًّا، والعناية كذلك بالأمَّهات الأرامل، وقد رعى فيه ما يزيد عن 30 ألف يتيم في دمشق وريفها.
– كما أسَّس الشيخ مركز زيد بن ثابت للقيام بأنشطةٍ عِلميَّةٍ ودعويَّةٍ وإعلاميَّةٍ، وكان مِن أنشطة المركز:
* تأسيسُ مكتب التحقيق والتأليف، وقيامُ المكتب بإعداد منهجٍ للدورات الصيفية في المساجد تحت عنوان «الثقافة الإسلامية للمبتدئين» لعدَّة مُستويات.
* تكريمُ شيوخ القرَّاء في دمشق عام 2006م.
* إطلاقُ قناة الدعوة الفضائية الدَّعوية عام 2008م التي قام النظام السوري بإغلاقها ومصادرة كل ما فيها بعد مضي أشهر معدودة من افتتاحها.
– بدأ الشيخ بالعمل مُبكِّرًا في تجارة الكُتُب في مصر، فكان يشتري الكُتُب مِنها، ويَبِيعها في الشام، ثم أسَّس مكتبة الغزالي للطباعة والنشر قُرْبَ مسجد زيد عام 1969م التي أصدرتْ آلافا مِن الكتب والدراسات العلمية والأدبية والثقافية.
– وفي عام 2012م هاجر إلى مصر بعد أن نصَحَ وأدَّى الأمانة وجاهدَ بقول كلمة الحق في وجه سلطان جائر، فأقام في القاهرة أكثرَ مِن عامٍ، وكانتْ له فيها مُساهماتٌ تعليميَّةٌ مُجتمعيَّةٌ بإنشاء المدارس، وإرسال المعونات إلى مخيَّمات اللاجئين.
– وفي عام 2013م انتقل إلى تركيا، واستقر في إسطنبول مُشارِكًا في تأسيس عددٍ مِن المجالس والرَّوابط الإسلامية، وإقامة الدروس العِلميَّة والدعوية.
– حجَّ الشيخ مرَّاتٍ كثيرةً، كان أولها عام 1969م بمعيَّة والده، وزار كثيرًا مِن البلاد في جميع القارات، منها زيارةٌ إلى القُدس في رحلةٍ مدرسيَّةٍ للثانوية الشرعية عام 1964م، كما شارك في عددٍ مِن المؤتمرات الإسلامية حول العالم، وسُجِّلتْ له دروسٌ نُشِرتْ في قناة الرسالة والدَّعوة وغيرِهما، وقدَّم برامج تلفزيونية متنوعة.
– عُرِف الشيخ بنشاطه الدعوي البارز، وحركته الاجتماعية المُميَّزة، وحرصه الدؤوب على نَفْع الأمَّة، وإغاثة المحتاجين، والإصلاح بين المُتخاصِمين، فحيثما حلَّ نفعَ وأثمرَ، إلى جانب ما اتَّسمَ به مِن الصَّلاح، والعبادة، والثقة بالله تعالى، وكثرة الذكر وتلاوة القرآن الكريم، عَلاوةً على رقَّة قلبه، وابتسامته الدائمة، وحُسْن عِشْرَتِه ومُسايَسَتِه للناس، وصَبْرِه على مرضه والمِحَن التي تعرَّض لها، وحِكمتِه في مُعالجة المواقف الصعبة، وهو فوق ذلك خطيبٌ مُتكلِّمٌ، وداعيةٌ مُوفَّقٌ، انتفع بعلمه وتربيته أجيالٌ مِن الشباب في دروسه العامة والخاصة.
– وفي حزيران مِن عام 2014م أُصِيبَ بجَلْطةٍ دِماغيَّةٍ أدَّتْ إلى شلل الطَّرَف الأيسر منه، وإقعاده عن الحركة عشر سنوات، وقد نشط قلمه بعد هذه المحنة، فدوّن مذكراته العلمية والدعوية والسياسية في جزئين، طُبِع أحدُهما بعنوان «مذكرات في زمن الثورة»، وفُرِغ مِن الآخَر عسى أن يُطبَعَ قريبًا، كما جمع رسالة لطيفة سماها: «الأربعون السنية في ثلاثيات الأحاديث النبوية» وغيرها من الرسائل النافعة.
– وفي السادس من رجب سنة 1446هـ، الموافق 6/1/2025 توجهتِ الروح إلى باريها، ملبيًا النداء الرباني المحتَّم.
نشهد يا شيخنا أنك قد أدَّيتَ الأمانة، ونصحتَ الأمَّة، وجاهدتَ في الله غايةَ استطاعتك.
رحمك الله يا شيخ سارية
ورحم جهدك ودعوتك وجهادك
ورحم قلبا لطيفا هنيا ودَّعناه.