كلمة حق

رحلة بوحنيفية

أ د. عمار طالبي

شددنا الرحال من بلدية عين النعجة بعاصمة الجزائر المحروسة فجرا، ممتطين سيارة يقودها محمد الماهر في سياقته، يوم 7 جانفي 2025، الموافق لـ 07 رجب 1446هـ، الساعة السادسة صباحاـ ترافقني زوجتي، متجهين غربا لحمام بوحنيفية المشهور بمائه المعدني، الذي يقصده الناس للاستشفاء، سلكنا الطريق إلى البليدة، ومنها إلى خميس مليانة، وطريق عين الدفلة الذي تجاوزناه إلى اتجاه الشلف، ثم غليزان، فالمحمدية، ومن سيق عرجنا إلى طريق ذي منعرجات كبيرة، بين جبال ترابية إلى أن وصلنا إلى الحمام المشار إليه التابع لمدينة معسكر التاريخية، ومن القرى التي مررنا بها القيطنة التي ولد بها الأمير عبد القادر الجزائري، وعلى قرب منها قرية سيدي محيي الدين سميت باسم والد الأمير عبد القادر رحمهما الله تعالى.
وما لبثنا أن وصلنا إلى الحمام تحديدا مركز الراحة للمجاهدين، الواقع في ضواحي مدينة بوحنيفية، ولم نر علامة ترشد إلى موقع المركز، فسألنا شرطيا فاعتذر بأنه جديد في هذه المدينة، وليست له معرفة به، فأرشدنا أحد السكان إلى موقعه.
فلما وصلنا إلى بابه طلب إلينا القائم على حراسة المدخل أن نسلمه بطاقة التعريف، فدخلنا، واتجهنا إلى المكتب الإداري، فطلب إلينا الملف الخاص بنا، فعين لنا مكان الإقامة.
ثم جاءنا السيد مدير المركز ليطمئن على راحتنا شكر الله له سعيه.
ثم أحالنا اليوم التالي 8 ديسمبر إلى الطبيب يكتب لنا برنامج الاستحمام، والعلاج لمدة إقامتنا في المركز.
وللمركز برنامج يشبه المدارس الداخلية، الإفطار الساعة السابعة صباحا، ويرن الجرس تنبيها للمقيمين، والغذاء على الساعة 12 نهارا، ويرن الجرس أيضا، وكذلك في العشاء، الساعة السادسة والنصف بعد الظهر.
أما المقيمون فهم المجاهدون من مختلف الولايات، من البويرة، والبيض، وعين الدفلة، ومن وهران، مع زوجاتهم، وأغلبهم قد طعنوا في السن، واستبد بهم العجز، وأتت عليهم الشيخوخة فوهن العظم منهم، واشتعلت الرؤوس شيبا، كما ورد في القرآن الكريم في وصف الشيخوخة، ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾.
يشتمل المركز على أجهزة علاجية مختلفة، ويجدر الذكر بأن المركز به مكتبة تشتمل على مؤلفات في تاريخ الجزائر، والثورة، وتاريخ بعض المدن الجزائرية مثل مدينة وهران، وقسنطينة والمدية، ومليانة، ومذكرات متعددة كتبها المجاهدون، والمؤرخون، وهذا شيء مفيد، وأغلب هؤلاء المقيمين ينصب اهتمامهم على العلاج والراحة أساسا.
وتاريخ هذه المنطقة حافل بالمعارك التي قاومت الأسبان الذين استولوا على وهران ومستغانم، ومرسى هيمين، وساحل بني صاف، وكان بها للأتراك أيضا تاريخ في مساعدة الجزائريين في هزيمة الحملات المتعددة الأسبانية والبرتغالية، وكان للطلبة والعلماء والفقهاء جهاد كبير حاسم في طرد الأسبان من وهران، لما اتسموا به من شجاعة وإيمان.
قرأت في هذه المكتبة كتاب المدن الثلاثة للشيخ عبد الرحمن الجيلالي رحمه الله، كما قرأت كتاب مدينة وهران عبر التاريخ للدكتور يحيى بوعزيز، وهو مهم من الناحية التاريخية، ومن الناحية الثقافية، لأنه ترجم للشيخ الهواري (ت843هـ) وتلميذه إبراهيم التاجي، واختار بعض قصائدهما في التصوف، وقد اشتهر الشيخ إبراهيم التازي (ت866هـ)، ووصلت طريقته إلى الهند كما أخبرني بعض الهنود، كما ترجم لعدة علماء، وكتب قائمة طويلة بأسمائهم وآثار وهران وقصورها.
قرأت هذا في مكتبة المركز، براحة المجاهدين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com