فرنسا تأبى الإقرار بخطاياها .. فماذا عنا ؟

أ. عيسى جرادي/
لا أدري كم من الوقت سيمضي .. أم إننا سننتظر إلى ما لا نهاية .. حتى تعترف فرنسا بجريرتها التاريخية في حق الجزائر والجزائريين.. ولتصرح علنا وبملء فيها وبوضوح تام وبصفة رسمية .. أنها قد ارتكبت خطايا بشعة .. وآثاما فادحة في حق شعب آخر .. بريء تماما وغير مذنب بأي وجه من الوجوه في حق فرنسا والشعب الفرنسي .. يوم قررت غزوه واحتلاله والتنكيل به .. وسعت في إبادته أدبيا إذ تعذر عليها إبادته جسديا.
فهل ننتظر إلى ما لا نهاية.. وبما يوحي أننا نستجدي موقفا فرنسيا يحفظ لنا بعض ماء الوجه.. إذ لم نستطع حمل فرنسا الرسمية على أكثر من بعض التصريحات الخجولة.. والتي لا ترقى أبدا لتكون عنوان اعتراف بالجريمة.. بل مجرد ترضية شكلية لا قيمة لها؟
في ديسمبر 1830 كتب الناشر الفرنسي مقدمة لكتاب (غزو الجزائر) الذي جمع فيه ” أ . م . بيرو ” مجموعة من الوثائق الرسمية الخاصة بحملة الغزو الخبيث.. كتب يقول (لقد جاءت الكتب التي ألفت بشأن الأعمال الحربية لجيش إفريقيا أثناء حملته المجيدة .. – إشارة إلى غزو الجزائر ).. مضيفا أن نشر الأحداث الكاملة لهذه الحملة تعبير (عن إعجابنا وعرفاننا بجنودنا الشباب الذين أثبتوا بهذه المناسبة أن حالة اليأس والإحباط والظلم والتعسف التي أشعروا بها منذ زمن من قبل حكومة حمقاء لم تقلل من حبهم وشغفهم بالوطن، ولا بإيمانهم بالنصر، ولا أن تقضي على هذه القيمة العظيمة التي تعتبر الإرث الثمين الذي خلفه أجدادهم…).
كان يجب أن ننتظر إلى غاية فيفري 2005.. أي بعد انقضاء حوالي 175 سنة.. لتأكيد تلك النظرة الاستعمارية – الاستعلائية .. والتي لا تحمل في طيها أي إحساس بالذنب أو مراجعة أخلاقية لغزو همجي كانت غايته تدمير دولة و أمة وتسليم إرثهما لغزاة برابرة.. حين أقر البرلمان الفرنسي قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي بتاريخ 2فيفري 2005م.. والذي (ينص صراحة على وجوب أن تمتدح المقررات الدراسية الدور الايجابي للاستعمار الفرنسي)!
وانتظرنا أكثر من ذلك .. أعني إلى غاية 2020.. وبعد انكشاف الفضيحة التي صنعها احتفاظ الفرنسيين بجماجم لرموز المقاومة الشعبية الجزائرية في متحف التاريخ الطبيعي ليتفرجوا عليها.. تذكارا لأمجاد أسلافهم.. ليعيدوا إلينا 24 جمجمة.. ممن أعدموا و جزت رؤوسهم و أرسلت إلى هناك.
ولا نزال ننتظر.. ولا أدري إلى متى؟ لنشهد نزول فرنسا الرسمية من شجرة التاريخ التي علقت فيها.. لتقر بجرائمها التي لا تغتفر.. ولتقول لنا نحن الجزائريين .. ضحايا الاحتلال والإبادة.. نعتذر إليكم عما فعل أجدادنا .. ونقر أن ما ارتكبوه كان من أسوإ مقابح التاريخ.. ونلتمس الصفح من الضحايا وأحفادهم.
أعلم أنهم لن يفعلوا هذا.. فما رأينا سفاحا يفخر بجرائمه يذرف دمعة ندم بسبب ما جنت يداه.. بل على العكس.. لم نجد من فرنسا اليوم –كما الأمس– سوى مزيد من الإنكار والاستعلاء والتفاخر.. فماذا نملك نحن أن نفعل؟ أو ماذا يجب أن نفعل؟
تقديري أننا وإلى حد الساعة لم نفعل شيئا ينم عن الحزم تجاه هذا المجرم التاريخي.. وبما يقهره على أن يطأطئ رأسه كرها.. بعد أن رفضه طوعا.. ويسلم بأن ما اجترحه كان من البشاعات التي لطخت وجه التاريخ الإنساني برمته.. لا ننتظر منهم أن يعترفوا كما فعل رئيس الوزراء الإيطالي برلسكوني الذي اعتذر لليبيين عن حقبة الاستعمار.. أو كما فعلت الحكومة البيضاء في جنوب إفريقيا.. كل ما يُنتظر من هؤلاء البغاة أن تدفعهم إلى أضيق زاوية وتحشرهم هناك.. ثم تدعهم يصرخون ويتألمون .. حينها سيشعرون بضرورة الاعتراف بأن ما فعلوه عدوان ظالم وليس بطولة .. وفعل سيئ إلى أقصى حد وليس دورا إيجابيا.. ومهزلة تاريخية وليس إرثا ثمينا.
عندما يتعلق الأمر بالموقف الرسمي الفرنسي.. لا أظن أية دعوة ودية ستجدي نفعا في تصحيح الأخطاء التاريخية.. فمن منظورهم يكون تاريخهم كله طاهرا ومقدسا وثمينا .. ولا يحق لأي فرنسي أن يرى عكس ذلك.. كما لا يحق لأي طرف أجنبي أن يجبرهم على تغيير هذا الموقف أو حتى تهذيبه.. فما يرونه صحيحا.. يظل بالنسبة إليهم صحيحا و لا مجال للقول إنه خاطئ أو زائف أو يؤذي العلاقة بينهم وبين غيرهم – من ضحاياهم – أو ما شابه ذلك.
في المقابل.. أعتقد أن جانبا من المشكلة – إذا صح هذا التوصيف – يقع وزره علينا نحن الجزائريين.. فحيث كان بإمكاننا أن نفعل شيئا مضادا وصادما لهم لم نفعله.. كأن نصدر قانونا لتجريم الاستعمار.. ولا أظن الفرنسيين أنفسهم يملكون منعنا من إصداره.. فالمسألة تخص قرارنا الوطني الحر.. وسيادتنا في إصدار أي تشريع يخدم مصلحة بلدنا وتاريخنا.. ولا أظن منصفا سيعاتبنا على خطوة من هذا القبيل.. بل ثمة من الأجانب أنفسهم.. من يستهجن تقاعسنا عن المبادرة بمثل هذا الموقف الرسمي.. وإذ نعلم ما قد يترتب عنه من تبعات قانونية و سياسية وحتى ثقافية.. فإن شرفنا الوطني يقتضينا أن نثبت بوعينا ووطنيتنا وإصرارنا أننا قادرون على فعل الأشياء الصحيحة وفي الوقت المناسب.. ومنها هذا الذي أشرت إليه .. فماذا ننتظر؟ وإلى متى ؟