دور المرأة في المحافظة على الأقصى والقدس والمقدسات/يوسف جمعة سلامة
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}(1).
جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في سبب نزول الآية:[عن أم سلمة قالت قلتُ: يا رسول الله، لا أسمع الله ذَكَرَ النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}، كما جاء في تفسير الآية السابقة:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} أي أجاب الله دعاءهم بقوله إني لا أُبْطِلُ عَمَلَ مَنْ عَمِلَ خيراً، ذكراً كان العامل أو أُنثى، قال الحسن: ما زالوا يقولون ربنا، ربنا، حتى استجاب لهم {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} أي الذكر من الأنثى، والأنثى من الذكر، فإذا كنتم مشتركين في الأصل فكذلك أنتم مشتركون في الأجر](2).
ومن المعلوم أن المرأة قد شاركت بدورٍ مهم في الهجرة النبوية الشريفة، مما يُعطي انطباعاً أكيداً بأنه لا غنى للمرأة والرجل عن التكامل في الحياة، فقد لعبت المرأة المسلمة دوراً عظيماً أثناء الهجرة النبوية، وكان لهذا أثره في نجاح الهجرة، حيث قامت السيدة أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – الملقبة بذات النّطاقين بدور مهم جداً، فكانت تتحمل مشاق إعداد الطعام وتوصيله للرسول – صلى الله عليه وسلم – وصاحبه الصديق أبي بكر – رضي الله عنه -.
النساء شقائق الرجال
أخرج الإمام الترمذي في سننه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:( إِنََّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)(3)، فالمرأة شقيقة الرجل، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن المرأة والرجل في الجزاء والثواب سواء، ومن المعلوم أن النساء قدْ شاركن في نصرة الدعوة الإسلامية والدفاع عن ديننا الإسلامي، وفي بناء الحضارة الإسلامية، وفي الغزوات، كما شاركت النساء في الهجرة إلى الحبشة، وَكُنَّ مِمَّن بايع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيعة العقبة قبل الهجرة، كما سَاهَمْنَ في نشر العلم والنور في المجتمع، والتاريخ الإسلامي مليء بالمواقف المشرفة للمرأة المسلمة، فأول شهيد في الإسلام كانت امرأة إنها سمية أم عمار – ولفظ شهيد يطلق على المذكر والمؤنث -، وأول من آمن بالنبي- صلى الله عليه وسلم -كانت امرأة، إنها زوجه خديجة – رضي الله عنها – ، وعند دراستنا للسيرة النبوية الشريفة وكتب الصحابة وسِيَرِ الأعلام، فإننا نجد أن المرأة المسلمة قد سَطّرت صفحات مشرقة كُتبت بماء الذهب في سجل التاريخ.
دور المرأة في المحافظة على القدس والمقدسات
مدينة القدس أرض الإسراء والمعراج وأرض المحشر والمنشر، وقد أخذت مكانتها من وجود المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، الذي جعله الله توأماً لشقيقه المسجد الحرام بمكة المكرمة، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(4)، وتاريخها مرتبط بِسِيَرِ الرسل الكرام -عليهم الصلاة والسلام- .
ومن الجدير بالذكر أن المرأة اهتمت بمدينة القدس عبر التاريخ، حيث شاركت الرجل في تحمل المسؤوليات، فالحديث يشهد للنساء الاهتمام الكبير ببيت المقدس والتفكير فيه كالرجال.
* من ذلك ما جاء في الحديث الشريف أن بيت المقدس هو أرض المحشر والمنشر،
والذي روته ميمونة مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: قلتُ:” يَا رَسُوَلَ اللهِ، أَفْتِناَ فِي بَيْتِ الْمَقِدْسِ، قَالَ:” أَرْضُ الْمَحْشَر ِوالْمَنْشَر… الحديث”(5).
* وكذلك ما جاء في الحديث الشريف عن فضل الإهلال بالحج والعمرة من المسجد الأقصى المبارك بالقدس، والذي روته أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- زوج النبي– صلى الله عليه وسلم- أنها سمعتْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:” مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ “وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ“(6).
ومن المعلوم أن المرأة الفلسطينية لم تكن بمنأى عن التضحية والفداء والصبر والمرابطة، فهي أم الشهيد، وزوجة الأسير، وشقيقة الجريح، وابنة المبعد عن وطنه، كما قامت المرأة الفلسطينية بالمحافظة على مدينة القدس والأقصى والمقدسات والدفاع عنها، ولم تسلم من الاعتقال والاستشهاد والإصابة، وهدم البيوت، ومـن أمثلــة ذلك:
* أمينة بدر الخالدي: ابنة المرحوم بدر مصطفى الخالدي من مواليد القدس سنة 1855م، والدها من أعيان مدينة القدس وصاحب عقارات وأملاك كثيرة، وقفت جميع ما يخصها وقفا خيريًّا إسلاميًّا لإنشاء مستشفى خيري في القدس يُعرف باسم مستشفى أمينة الخالدي، وكان ذلك سنة 1942م.
* وأم كامل الكرد رفضت كل الإغراءات المالية التي تقدر بملايين الدولارات، كما رفضت كل التهديدات والاعتداءات وبقيت متمسكة ببيتها وبحقها، مرابطة في مدينتها المقدسة، لذلك فقد قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء عائلة الكرد وطردها من منزلها في حي الشيخ جراح بالقدس؛ بهدف السيطرة على هذا البيت والبيوت المجاورة من أجل تهويد المدينة المقدسة.
* المرأة المقدسية في خط الدفاع الأول عن الأقصى والمقدسات: للمرأة دور كبير في حماية المسجد الأقصى والقدس والمقدسات، حيث إنها تقف مع شقيقها الرجل في الدفاع عن أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفيين، ولها دورٌ مهم في التصدي لاقتحامات قطعان المستوطنين للمسجد الأقصى، ولا نَنْسى دورها الرائد في الاعتصام على أبواب المسجد الأقصى رفضاً للإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتركيب البوابات الإلكترونية والكاميرات الخفية، حيث اعتصمت مع شقيقها للدفاع عن المسجد الأقصى، كما قامت بتقديم الطعام والشراب لآلاف المعتصمين عند أبواب المسجد الأقصى، ولم تُثْنِها مضايقات سلطات الاحتلال لها عن القيام بواجبها والتوجه لبوابات الأقصى للدفاع عن مسرى الحبيب– صلى الله عليه وسلم-.
* دور طالبات مصاطب العلم في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك :
لقد شكلت مصاطب العلم خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى في وجه الاقتحامات اليومية للمستوطنين، فهذه المصاطب تسعى لإحياء الدور العلمي للأقصى والمرابطة فيه والتصدي لأية اقتحامات للمسجد من قبل المستوطنين، فهذه الجموع – والحمد لله – تُفشل أية محاولة للمساس بالمسجد الأقصى.
ونحن نشيد بدور مصاطب العلم داخل المسجد الأقصى المبارك، كما نشيد بجموع الطلاب والطالبات لحرصهم على المواظبة رغم كل المضايقات والمُعِيقات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فهذا الحضور العلمي -والحمد لله- أغاظ المحتلين، كما وقف حائلاً دون تحقيق أطماعهم العدوانية ضد المسجد الأقصى المبارك، حيث إِنَّ وجود طلاب العلم وطالباته في ساحاته يُعيق المخططات الإسرائيلية العدوانية عليه، ويحفظ للمسجد مكانته الإسلامية والدينية والعلمية.
فألف تحية للمرأة الفلسطينية، وكل النساء المخلصات العاملات لخدمة العقيدة والوطن، ألف تحية إلى كل أم، وزوجة، وبنت، وأخت، ألف تحية إلى كل الرجال والنساء العاملين المخلصين لدينهم ووطنهم{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}(7).
إننا نناشد أبناء الأمتين العربية والإسلامية بضرورة العمل على دعم المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس بكل الطرق وفي شتى المجالات، الإسكانية والصحية والتعليمية والثقافية والتجارية والشبابية وغير ذلك، من أجل المحافظة على المسجد الأقصى المبارك والمدينة المقدسة.
وبهذه المناسبة فإننا نؤكد على تمسكنا بأرضنا المباركة فلسطين الحبيبة بصفة عامة ومدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك بصفة خاصة، كما نؤكد على حقنا في إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
نسأل الله أن يحفظ رجالنا ونساءنا وأبناءنا وبناتنا وشعبنا وأمتنا ومقدساتنا من كل سوء، وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الهوامش:
1- سورة آل عمران الآية (195).
2- صفوة التفاسير للصابوني 1/252-253.
3- أخرجه الترمذي.
4- سورة الإسراء الآية (1).
5- أخرجه ابن ماجه.
6- أخرجه أبو داود.
7- سورة التوبة الآية (71).