شهر رجب بين الإفراط والتفريط

أ.د: عبد الحليم قابة
نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
شهر رجب من الأشهر الحرم الأربعة، ثابتة الفضل في القرآن والسنة وإجماع كلمة علماء الأمة.
لكن أغلب النّاس -من غير أهل العلم الأَثبات – في ما يتعلق به، بين إفراط و تفريط! فكانوا -لذلك – صنفين:
الصنف الأول: وقعوا في التقصير والتفريط في الاهتمام بالمزيد من الطاعات والقربات في هذا الشهر، وترك الإكثار فيه من الصيام والقيام والإحسان والخير بصفة عامة، إمّا كسلا أوغفلة أو جهلا، وإما تأثرًا بكلام بعض أهل العلم الذين أنكروا بعض المُحدَثات من العبادات التي لم ترد في الشرع، فلم يقف هؤلاء النّاس عند ذلك، وإنما عمّموا هذا الإنكار على كل القربات؛ فتركوا الصيام والقيام والتلاوة والأذكار الثابتة وسائر النوافل؛ خوفا من القول بدعية التحديد والتخصيص؛ فحرموا أنفسهم -بذلك- من خير عظيم، ومن بركات مواسم الخير الثابتة.
– الصنف الثاني: وقعوا في الغلو والإفراط، فبالغوا في ما يظنونه قربات؛ فابتدعوا صلوات وأذكارا، ما أنزل الله بها من سلطان، وألزموا الناس بها، وحوّلوا بعض المستحبات إلى واجبات، فجعلوا على الناس في الدين حرجا وعنتا. سامحهم الله.
وبعضهم وضع أحاديث مكذوبة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – في فضائل ليس لها أصل، لا يختلف العلماء في بدعيتها.
فعليكم بالحنيفية السمحة، ولا تبتدعوا في الدين، والتزموا القصد تفلحوا، واجتهدوا في القربات الثابتة؛ فإن فيها غُنية وكفاية وبركة.
وفي الوقت نفسه، لا تحرموا النّاس من حسن استغلال هذه الأشهر الفاضلة، بالقربات الثابتة، بالمبالغة في إنكار ما ليس بمنكر، فتقعوا في دفع النّاس إلى الوقوع في المنكر. وفي إنكار بعض الفضائل التي لها أصل، كما ثبت عن كثير من السلف وبعض أفاضل الخلف.
فلا تُعالج الأخطاء بالأخطاء، ولا يُنكر المنكر بما يشجع على المنكر. ولا تُعامل البدعة بما يزيد من انتشارها، ولا ينبغي أن نقع في التعميمات الفاسدة، التي أفسدت موازيننا وأحكامنا، فحرَّمنا ما ليس بحرام، وحرَمنا الناس من كثير من الخير الذي أذن لنا فيه الإسلام. والله الحافظ.