وراء الأحداث

همجية المحتل الصهيوني لن تقهر إرادة المقاومة الفلسطينية

أ. عبد الحميد عبدوس/

تتواصل حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين، ومع نهاية العام المنصرم (2024)، قال تقرير رسمي فلسطيني، إن عدد سكان قطاع غزة انخفض 6 بالمائة بسبب استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية. حرب الإبادة الإسرائيلية ليست حالة ظرفية، ولا سياسة جديدة، ولكنها دعامة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني العنصري، فهي تستند على عقيدة دينية يهودية تعتبر فلسطين هي «أرض الميعاد، والوطن التاريخي» لليهود، وعلى إيديولوجية سياسية صهيونية نظر لها قادة الحركة الصهيونية الأوائل، تعتبر أن فلسطين هي «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». لذلك اتخذ الاحتلال الإسرائيلي من الإبادة الجماعية عقيدة عسكرية.

قام المحتل الإسرائيلي بتهديم مئات القرى الفلسطينية وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، وارتكب مئات المجازر، منها مجزرة دير ياسين الشهيرة، في سنة 1948 التي استمرت نحو 13 ساعة وراح ضحيتها 254 فلسطينيا. في عام 1937 قال بن غوريون: «إنني أدعم الترحيل بالإكراه ولا أرى فيه أي شيء غير أخلاقي». ووصف مناحم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الفلسطينيين بأنهم. «وحوش تمشي على قدمين». بعد عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، قال وزير الحرب السابق، يوآف غالانت: «نفرض حصارا كاملا على مدينة غزة، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقا لذلك».
في 1948 عند قيام دولة إسرائيل، شارك ضمن الفريق الفرنسي لبعثة الأمم المتحدة إلى فلسطين، الرائد فانسان (منصور) مونتاي، وهو ضابط مخابرات، وعالم انثروبولوجي، ومستشرق اعتنق الإسلام في آخر حياته. سجل تصريحات زعماء العصابات الصهيونية دافيد بن غورين، ومناحيم بيغن التي جاء فيها : « سنجعل العرب يدفعون ثمن ما فعله النازيون بنا… اليهود يجب أن يستوطنوا أجود الأراضي دون الاهتمام بملاكها»؛ وعلق الرائد مونتاي على هذه التصريحات بأنها ذكرته بما قاله الجنرال بوجو عن الجزائر، وأقنعته بالطابع الاستيطاني للصهيونية. في عام 1972 أنكرت رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير، وجود الأمة الفلسطينية، فقالت في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»: «قلت إنه لم تكن هناك قط أمة فلسطينية. وبعد ثلاثين سنة على توقيع اتفاقيات أوسلو( 1993) التي تم فيها تبادل الاعتراف بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، عاد سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، ورئيس حزب الصهيونية الدينية، لينكر أمام الفرنسيين في العاصمة الفرنسية، باريس في 2023، وجود الشعب الفلسطيني بقوله: «لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، فهو اختراع وهمي لم يتجاوز عمره 100 سنة». ومثلما أنكر زعماء الاحتلال الصهيوني وجود الأمة الفلسطينية، فقد أنكر مسؤولو دولة الاحتلال الفرنسي وجود الأمة الجزائرية، وقال رئيس فرنسا الاستعمارية الجنرال شارل دوغول: «منذ خلقت الدنيا لم يعرف التاريخ وحدة للشعب الجزائري أو بالأحرى سيادة له». وبعد 59 سنة على افتكاك الجزائر لاستقلالها من بين أنياب فرنسا، عاد إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي اليميني العنصري، ليتساءل أمام مجموعة شباب من ذوي الجنسية المزدوجة عن وجود الأمة الجزائرية (2021) بقوله: «هل كان هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟» وإذا كانت فلسطين قد تعرضت منذ بدايات الاحتلال الإسرائيلي إلى مجازر بشعة ومتواصلة لمحاولة إفراغ فلسطين التاريخية من سكانها الأصليين، فقد تعرضت الجزائر قبلها منذ بدايات الاحتلال الفرنسي (1830) إلى مجازر وحشية ومتواصلة.
ومن ذلك أنه في ليلة 17 أفريل 1932 قام العقيد ماكسيميليان جوزيف شوينبرغ من ضباط اللفيف الأجنبي، تحت قيادة الجنرال الفرنسي صافري دو روفيغو (أول حاكم عسكري فرنسي للجزائر) بإبادة قبيلة العوفية الساكنة بمنطقة الحراش بالجزائر العاصمة، واستمرت المذبحة حتى يوم 10 أفريل 1932، وقد فاق عدد ضحايا المجزرة 1200 شهيد من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال الذين ذبحوا وهم نيام. وبين 18 و20 جوان 1845، قام العقيدان إيمابل بليسيي وأشيل سان أرنو بإبادة قبيلة أولاد رياح حرقا في جبال الظهرة بولاية مستغانم، تطبيقا لتعليمات قائدهم الجنرال توماس بوجو الذي قال: «إننا بحاجة إلى جحافل دهماء من المعمرين الفرنسيين والأوروبيين، ولكي تجلبوهم فمن اللازم عليكم إعطاؤهم أراضي خصبة، أينما وجدتم مياها متدفقة، وأراضي خصبة ومراعي أنزلوا فيها المعمرين ولا يهمكم أمر أربابها، يجب توزيع هذه الأراضي للأوروبيين حتى يصبحوا أربابها، ويصير أربابها الأولون نسيا منسيا». وفي نوفمبر 1849 قام الجنرال إميل هيربيلون بمجزرة في واحة الزعاطشة، ببسكرة وفي جانفي 1850 أشعل العقيد فرانسوا دي كانروبير النار في منطقة الأوراس. وفي 4 ديسمبر 1852 قام إمابل بيليسي الذي كان قد ترقى إلى رتبة جنرال بإبادة ثلثي سكان مدينة الأغواط. وهذه مجرد نماذج عن المجازر والمحارق التي اقترفها المحتلون الفرنسيون خلال حربهم الإبادية ضد الشعب الجزائري الصامد المقاوم. أما ثورة المقراني، والشيخ الحداد التي استمرت من 16 مارس إلى 8 أكتوبر1871 فقد خلفت ما يقدر بمائة ألف شهيد.
فى سنة 1830 (قبل الاحتلال) كان عدد سكان الجزائر يقدر ما بين 3 إلى 5 مليون نسمة. وفي1836 أعرب السياسي والمؤرخ الفرنسي أليكسي دو طوكفيل عن رغبته في أن تعامل فرنسا الجزائريين، مثل عامل الأوروبيون سكان أمريكا الأصليين، أي أن تستأصل الجزائريين كما استؤصل الهنود الحمر في قارة أمريكا. في عام 1872 تراجع عدد السكان إلى أقل من2,5 مليون نسمة. المؤرخ والأكاديمي الفرنسي أوليفيي لوكور غراند ميزون كشف أنه: «ما بين 1830 و1872 فقد السكان الأصليون حوالي 875.000 شخصا جراء هذه الحروب المتواصلة». خلفت مجازر 8 ماي 1945 التي استمرت لأسابيع أكثر من 45.000 شهيدا.
استمرت مقاومة الشعب الجزائري للاحتلال الفرنسي طوال87 سنة، من مقاومة المتيجة جوان 1830، مرورا بمقاومة الأمير عبد القادر الجزائري في الغرب، ومقاومة أحمد باي في الشرق، ومقاومة الزواوة ومنطقة القبائل في الوسط، ومقاومة الطوارق في الجنوب. ويقدر عدد شهداء هذه المقاومات الشعبية بما يزيد عن 5 ملايين شهيد، قبل اندلاع ثورة المليون ونصف المليون شهيد من نوفمبر 1954 إلى مارس 1962.
قال المؤرخ الفرنسي شارل أندريه جوليان عن قادة حرب الإبادة الفرنسية ضد الجزائريين: « كانوا كلهم يفتخرون بضراوتهم من الملكيين إلى الجمهوريين إلى أتباع نابليون (نابليون الثالث)، فمبجرد نزولهم بأرض الجزائر كانت تعتريهم حمى القتل والنهب والتخريب». وقال فرحات عباس ـ رئيس أول حكومة جزائرية مؤقتة ـ في كتابه (ليل الاستعمار): « كانوا كلهم في الضراوة سواء من روفيغو إلى تيريزيل ثم كلوزيل ثم يوسف وبوجو وسانت أرنو وشان قارني ولاموريسيير وهيربيون ودو مونتاني وبيليسي وكافينياك وبراندون وكانروبير وبوسكي وهلم جرا… يكفي الإنسان أن يطلع على الأحاديث التي يرويها أولئك الضباط عن غزواتهم ليحصل على صورة ضئيلة عما قاساه شعبنا من ويلات بشجاعة منقطعة النظير.»
رغم كل الوحشية والضراوة الاستعمارية الفرنسية في حروب الإبادة والتهجير والتجويع والتدمير، فقد صمد الشعب الجزائري، وانتصر وأخرج الغزاة المجرمين الفرنسيين، مذلولين مهزومين. وفي فلسطين أدخلت ملحمة طوفان الأقصى خوفا وجوديا في قلوب المحتلين الصهاينة، وهزت كيان الاحتلال الإسرائيلي السائر، رغم مظاهر الوحشية والقوة المؤقتة، نحو الزوال والخسران، كما كان ذلك مصير الاحتلال الفرنسي في الجزائر، الذي دام أكثر من قرن وثلث القرن ( 132 سنة).

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com