في ذكرى تأسيسها الـ89: البصائر منبر الإصلاح وحافظة الذاكرة الوطنية

إعداد: عبد الغني بلاش/
بحلول الـ 27 ديسمبر 2024 تمرّ اليوم الذكرى التاسعة والثمانون على تأسيس جريدة البصائر، تلك الجريدة التي أطلقتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في 27 ديسمبر 1935، لتكون منبرًا للإصلاح والدفاع عن الهوية الوطنية والدينية للشعب الجزائري. لقد كانت البصائر خلال مسيرتها الطويلة وما تزال، صوتًا نابضًا بالحق، وأداة فاعلة في الحفاظ على ذاكرة الجزائر وإحياء روحها الوطنية، رغم كل التحديات والعراقيل.
دور البصائر في الثورة التحريرية…
لعبت البصائر دورًا محوريًا خلال الثورة التحريرية الجزائرية، حيث كانت الجريدة سلاحًا فكريًا يواجه الاستعمار الفرنسي. قامت بتنوير الرأي العام الجزائري ورفع الوعي بضرورة التحرر والاستقلال. ومن خلال مقالاتها وتحليلاتها، دعمت البصائر القضية الجزائرية على الصعيدين الوطني والدولي، ونجحت في كشف جرائم الاستعمار وفضح سياساته أمام العالم.
كانت البصائر تسهم في تعبئة الجزائريين معنويًا وثقافيًا، إذ شكّلت مرجعًا فكريًا للثوار والمثقفين، وعززت الروابط بين مختلف شرائح المجتمع الجزائري. ورغم تضييق الاحتلال الفرنسي، استطاعت البصائر الاستمرار أداء رسالتها، ما جعلها إحدى ركائز المقاومة الفكرية والثقافية.
البصائر اليوم .. استمرار رغم العراقيل
رغم مرور تسعة عقود على تأسيسها، ما تزال البصائر صامدة، تصدر أسبوعيًا بجهود ذاتية وإمكانات متواضعة. إنها الأسبوعية الورقية الوحيدة في الجزائر التي تواصل الصدور المنتظم رغم غياب الدعم الرسمي والإشهار. هذه الاستمرارية تعكس إيمان هيئة تحرير الجريدة برسالتها ومسؤوليتها التاريخية.
التهميش في زمن الذاكرة…
تواجه البصائر اليوم تهميشًا واضحًا رغم دورها التاريخي والحيوي. ففي الوقت الذي تولي فيه الجزائر اهتمامًا كبيرًا ملف الذاكرة الوطنية، تبدو البصائر، التي تُعدّ جزءًا لا يتجزأ من هذه الذاكرة، بعيدة عن الدعم الكافي.
على مدى سنوات، لم تحظ الجريدة بالإشهار العمومي الذي تستحقه، رغم ما تقدمه من محتوى يعزز الهوية الوطنية ويخدم القضايا الكبرى للأمة. هذا التهميش يثير تساؤلات حول مدى تقدير المؤسسات الرسمية لدور الإعلام الوطني في الحفاظ على ذاكرة الجزائر وتاريخها.
البصائر ورهان التحول الرقمي..
لم تمنع العراقيل البصائر من التفكير في المستقبل واستشراف التحولات الإعلامية. تسعى هيئة تحرير الجريدة حاليًا إلى تعزيز وجودها الرقمي، حيث تعتزم إطلاق نسخة بالصوت والصورة عبر موقعها الإلكتروني، في خطوة تهدف إلى مواكبة التطورات التكنولوجية وتوسيع دائرة جمهورها.
ومن المقرر أن ترى هذه الخطوة النور مع بداية شهر رمضان المقبل، بحول الله، لتصبح البصائر أكثر قدرة على إيصال رسالتها الإصلاحية إلى أوسع شريحة من المجتمع.
جزء من ذاكرة الجزائر…
تمثل البصائر جزءًا أساسيًا من ذاكرة الجزائر التاريخية، فهي ليست مجرد صحيفة، بل هي شاهد حي على تطورات الوطن منذ حقبة الاستعمار إلى يومنا هذا. تحمل البصائر بين طياتها أرشيفًا غنيًا يوثّق مسيرة الجزائر الفكرية والنضالية، ويبرز مواقفها من القضايا المصيرية.
إن الحفاظ على استمرارية البصائر ودعمها ليس فقط مسؤولية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بل هو مسؤولية وطنية تقع على عاتق كل من يقدّر دور الإعلام في بناء الأمة وحماية هويتها.
دعوة للتضامن..
في هذه الذكرى العزيزة، تدعو هيئة البصائر جميع المؤسسات الوطنية، الرسمية والخاصة، إلى الوقوف بجانبها ودعمها بما يليق بدورها التاريخي والحالي. كما تدعو القرّاء والمثقفين الجزائريين إلى مواصلة الالتفاف حولها، كي تظل منبرًا للإصلاح، وصوتًا يصدح بالحق.
تسعة وثمانون عامًا مرّت منذ تأسيس البصائر، وما زالت الجريدة ثابتة على مبادئها ورسالتها، وبينما نستشرف المستقبل، يبقى الأمل معقودًا على أن تستعيد البصائر مكانتها كمنبر وطني يحظى بالدعم الذي يستحقه. فهي ليست مجرد صحيفة، بل هي ذاكرة أمة، وإرث تاريخي يجب أن نحميه ونحافظ عليه للأجيال القادمة.