المنهجية النبوية الحضارية في وقاية الشباب من الآفات الاجتماعية

أ. محمد مكركب/
ما هو مفهوم المنهجية؟ نسبة إلى المنهج، وهي الخطة والطريقة المدروسة، لبلوغ أهداف واضحة، بوسائل وآليات موفورة الإمكان، كاملة التناسب والاتقان، يكفي أن المنهج النبوي منهج الوحي الإلهي وهو دليل القرآن، الذي أنزله الله هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان. والمنهجيات تقوم على أصول وقواعد ونظريات ومبادئ. وغاية المنهجية أن تقوم الأعمال والمشاريع والبرامج والمخططات على أسس مدروسة، وإحصاءات مضبوطة، لاجتناب أي خلل أو زلل، وتفادي كل تعثر أو فشل. فالفرق بين المتحضر والمتخلف، أن المتحضر يحسب ويُعِدُّ لكل مرحلة ولكل حالة وسائلها وآلياتها، يحسب لكل التوقعات، ويعد لها كل الإمكانات. أما المتخلف فيعمل بالتقليد والصدف والارتجال، ثم عند الفشل يبدأ بالترقيع المرهق. المبادئ المنهجيّة النبوية في بناء المجتمع والدولة على الأصول الحضارية، تبدأ هذه المنهجية، بمبدأ الرعاية الإيمانية، ثم مبدأ الأخلاق والآداب النفسية، ثم التواصل مع الواقع بكل واقعيته وظروفه، عملا بنظرية التخلية ثم التحلية. فما هي الآفات التي يتعرض لها الشباب، وتعرقل المسيرة الحضارية، وتؤثر على حاضر ومستقبل الأمة؟ فالناس في عصرنا هذا بمجرد سماع كلمة الآفات، يتبادر إلى أذهانهم آفة المخدرات، والسرقات، ومصائب الفاسبوك، والعري الأنعامي، والخمور، وآفة التطرف الديني، والتطرف السياسي. غير أن هناك آفات أكبر وأخطر تكون هي السبب في حدوث الآفات التي ذكرناها. مبادئ المنهجية النبوية الحضارية. المبدأ الأول: التلازم بين العلم والإيمان والأخلاق والعمل: ووفق هذا المبدأ أن أولي الأمر يجب أن يجمعوا كل الشباب، بالترتيب، حسب مراحل العمر، والقدرات، والتخصصات، والمهام، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يستدعي الناس عامة والشباب خاصة لتربيتهم وتعليمهم، كما أمر الله سبحانه في القرآن. ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ وفي الحديث. [أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ] (مسلم:2865) وكان عليه الصلاة والسلام يحث الشباب على تحصين النفس، بالزواج، أو بالصوم. فيقول: [يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ](مسلم:1400) فهل عَمِلَ أُولُو الأمر بهذا المبدأ، وهو استدعاء كل الشباب، ويعلموهم الإيمان، والحلال والحرام، ويؤدبوهم بالآداب الدينية الإنسانية؟ والمنهجية النبوية تقتضي التعليم الإلزامي للجميع. وقد بلغتكم النظرية الباديسية في التربية والتعليم، ونصها: {لن يصلح المسلمون حتى يصلح علماؤهم فإنّما العلماء من الأمّة بمثابة القلب إذا صلح صلح الجسد كلّه وإذا فسد فسد الجسد كلّه، وصلاح المسلمين إنّما هو بفقههم الإسلام وعملهم به وإنّما يصل إليهم هذا على يد علمائهم، فإذا كان علماؤهم أهل جمود في العلم وابتداع في العمل فكذلك المسلمون يكونون. فإذا أردنا إصلاح المسلمين فلنصلح علماءهم.
ولن يصلح العلماء إلاّ إذا صلح تعليمهم. فالتعليم هو الذي يطبع المتعلم بالطابع الذي يكون عليه في مستقبل حياته وما يستقبل من علمه لنفسه وغيره فإذا أردنا أن نصلح العلماء فلنصلح التعليم ونعني بالتعليم التعليم الذي يكون به المسلم عالماً من علماء الإسلام يأخذ عنه الناس دينهم ويقتدون به فيه. ولن يصلح هذا التعليم إلاّ إذا رجعنا به للتعليم النبوي في شكله وموضوعه في مادته وصورته فيما كان يعلم – صلى الله عليه وآله وسلم- وفي صورة تعليمه، فقد صح عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما رواه مسلم أنّه قال: «إنّما بعثت معلما»، فماذا كان يعلم وكيف كان يعلم.
كان -صلى الله عليه وآله وسلم- يعلم الناس دينهم من الإيمان والإسلام والإحسان كما قال -صلى الله عليه وآله وسلم- في جبريل في الحديث المشهور: «هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم} (آثار ابن باديس:3/217) ولا يعني الرجوع إلى التعليم النبوي، بالوسائل التعليمية في ذلك العصر، وبما كان في ذلك الزمان من الحضارة المادية. إنما المقصود بالرجوع إلى التعليم النبوي، في شكله وموضوعه في مادته وصورته فيما كان يعلم به الناس، من حيث المبادئ، والأخلاق، والقِيَمُ، والمقتضيات. المبدأ الثاني: إخراج الشباب من العطالة المُمِيتة، والبطالة المَقِيتَة، والإهمال الذي يسرطن الفكر: فمن مقتضيات هذا المبدأ الذي هو من مبادئ المنهجية النبوية في رعاية الشباب، أنه لا يُتركُ فتى ولا فتاة دون رعاية متصلة ومتواصلة. إن المجتمع الإسلامي مجتمع المتعلمين العاملين، المجدين المجتهدين، والمنتجين المجاهدين. لا وجود في المجتمع الإسلامي للعاطل والبطال، ولا للجاهل القادر على التعلم. فالشاب إما أن يكون في الثانوية أو الجامعة، أو المعمل والمزرعة والوظيفة، وإما أن يكون في البحوث العلمية والاختراع. وأما أن يكون في الفراغ والعطالة واللاعنوان، فذلك ليس من مبادئ المنهجية التربوية النبوية. بهذين المبدأين:{التعليم الإلزامي الشامل، والتوظيف المنتج الكامل} نكون قد عصمنا الشباب من الوقوع في الآفات الأخرى، التي ذكرناها، كالمخدرات، والصعلكة، وسائر الانحرافات. المبدأ الثالث: تطهير المجتمع من بيع الخمر، والمخدرات: الخمور والمخدرات تدمر المجتمعات، فكل من يقدر على منع هاتين الآفتين من وجودهما في الوطن، فليعمل على منعهما، فإنهما منبع الشرور. ففي شعب الإيمان، أُتِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بِإِيلِيَاءَ بقدحين خمر ولبن فنظر إليهما، ثم أخذ اللبن، فقال له جبريل عليه السلام: [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ لَغَوَتْ أُمَّتُكَ.] (شعب الإيمان: 5179. وفي صحيح البخاري:4709) فالمجتمع الإسلامي يباع فيه اللبن، والعسل، ولا تباع فيه الخمر. المبدأ الرابع: إقامة العدل بنظرية ذي القرنين المذكورة في القرآن: وعندما نقول: نظرية أو مبدأ ذي القرنين، إنما نريد ما عمل به مما علمه الله وهداه إليه. قال الله تعالى: ﴿قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا.﴾ (الكهف:87،88) عندما تُقام الزَّوَاجرُ والحدُود، يلتزم الناس القانون، والحدود، وعندما يغيب العدل والإنصاف تكثر الأحقاد ويسود الخلاف والانحراف. من الآفات التي تضعف المجتمعات، وتشجع الأعداء، وتجرئهم على التطاول على الشعوب المصابة بتلك الآفات. نذكر منها: الجهل الفكري، والخمور، والمخدرات، والخلافات، والبطالة، والرشوة، والتسيب، والاختلاسات، وعدم احترام الوقت. ومعنى الجهل الفكري عندما يعمل القوم بعير مناهج ولا برامج مضبوطة ولا أهداف واضحة، أي أن الجهل الفكري هو الذي تتولد عنه الفوضى والفعل التقليدي اللاموزون، والفعل التقليدي اللاموزون، نقيض الفعل الحضاري المؤصل الموزون بالعلم والحكمة والقانون. ونختم البحث بهذا السؤال: متى نقول لايوجد في مجتمعنا فردٌ غيرُ متعلم أو غيرُ عامل؟ ومتى يكون مجتمعنا خاليا من كل الموبقات والفواحش الظاهرة التي يُجَاهَرُ بها، ومنها الخمر والمخدرات؟ بالطبع فإنني أتكلم عن مجتمع مسلم، يريد الآخرة ويسعى لها سعيها، وهو مؤمن. قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾