حــــــــــوار مع الأستاذ: “مبروك جمالي”: اللغة العربية أحد عناصر هويتنا

أجرى الحوار: أبو إياد كمال بن عطاء الله/
من هو الأستاذ مبروك جمالي؟.
– بداية إنّي شاكر لكم هذه الدعوة والحوار، أنا من مواليد (14جوان 1972م) بـمدينة الصحابي الجليل بلدية عقبة بن نافع -رضي الله عنه – أما الـمسار الدراسي فمن الابتدائي إلى الثانوي كان ببلدتي ومسقط رأسي، وبعد نيلي لشهادة البكالوريا التحقت بجامعة الأمير القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة ونلت منها شهادة الليسانس سنة 1995م، وتوجهت بعد ذلك للتدريس بالمتوسط والثانوي كأستاذ مستخلف، ثمّ انتسبت لمديرية الشؤون الدينية برتبة إمام أستاذ، و تحوّلت إلى معهد تكوين الإطارات الدينية بالمدينة أستاذا مدرسا منتدبا به، تدرجت بين ممارسة الخطابة والدروس بالمساجد شاغلا رتبة إمام معتمد، ولم أبرح الدراسة ففي هذه الفترة بالموازاة سجلت للدراسة بفرنسا لاستكمال شهادة الدكتوراه ضمن تخصّص الدراسات الاستشراقية سنة 1999م، وبعد تعثـّر الدراسة هناك انتسبت للدراسة بالمعهد العالي (الزمالك بدولة مصر) لاستكمال الماجيستير، وقمت بالتسجيل وإكمال نيل ليسانس حقوق بجامعة محمد خيضر ببسكرة، ثم شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة بجامعة قاصدي مرباح بورقلة، وختاما استكملت ماستر القانون الدولي بجامعة بسكرة 2018م، وانهيت ماستر شريعة بجامعة باتنة 2021م، وقد انتسبت للأزهر الشريف طالبا بـمدينة البعوث الإسلامية من خلال بعثة دراسية لوزارة الشؤون الدينية سنة 2008م،كما تحصلت على شهادة في مناهج الدعوة الإسلامية ودراسات في اللغة العربية من أعضاء اللجنة المناقشة شيخي وشيخ الأزهر الشريف الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي -رحمه الله – ودبلوم في الاقتصاد الإسلامي من كلية التجارة جامعة الأزهر، عملت فترة أستاذا مستخلفا بمعهد العلوم الإنسانية لسنوات بـجامعة بسكرة، والحمد لله كانت هذه المسيرة العلمية والعملية فرصة للاطلاع على كم هائل من الأفكار والمناهج والتواصل مع جهات علمية استفدنا منها، وكانت هذه الخبرات المتراكمة التي استثمرناها في العمل مع جمعيات فكرية ودعوية مثل جمعية الخلدونية الولائية ببسكرة، كما كنت من المؤسسين الأوائل للشعبة الولائية (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) بولاية بسكرة سنة 1998م، ومنتسبا للكشافة الإسلامية منذ 1992م، كما كانت لي مشاركات بإذاعة الزيبان، أما الآن فأشغل مفتشا للشؤون الدينية بمديرية الشؤون الدينية لولاية بسكرة.
ما هي نشاطتك العلمية والدعوية؟.
– منذ البواكير الأولى بمرحلة الـمتوسط سنة 1985 و1986م أنشط بفرق الأناشيد الهادفة، وحتى مرحلة الثانوي وأنا طالب كنّا في الحلقات العلمية و الوعظية الدينية بالـمساجد، وبعد حصولي على مستوى أعلى بتخرجي من الجامعة انخرطنا في الـمجال الدعوي بالـمساجد والثانويات والمحاضرات في الـمناسبات الدينية والوطنية وبالأحياء الجامعية وفي الـمناسبات الاجتماعية كالجنائز والأفراح وعند لقاءات فض الخلافات بين الأعراش والعائلات، وكانت لنا اهتـمـامات منظمة من خلال حصص إذاعية لبثّ الوعي الديني والوطني بين أفراد المجتمع، وكنت دائـمـا مع العاملين على إحياء القضية الفلسطينية في نفوس الأجيال فهي القلب النابض للأمّة وديدن كل فرد مسلم من طنجة إلى جاكرتا، ونعمل على دعمها بكل ما نـملك من الـمـال والدعوة والتذكير حتى استرجاع بيت الـمقدس، وبالخصوص منذ معارك طوفان الأقصى(07 أكتوبر2023م) وإخواننا الأئـمة في مساجدهم يدعوننا لإلقاء خطب الجمعة ودروس مختلفة للتذكير ببطولات أهل غزة الشمّاء الصامدة والسّعي لـمعرفة تاريـخ أهل فلسطين واكناف بيت الـمقدس، كـمـا لنا مساهمـات من النشاطات العلمية بالجامعة إلى تنشيط وتشجيع مسابقات حفظ القرآن الكريم من خلال عملنا الرسـمـي وكذا تطوعا، كـمـا لنا يد البدء والسّبق في تأسيس مشروع تسقيف مبلغ الديّات ومهور الزواج بالتعاون مع الشيخ عبدالقادر عثـمـاني رحمه الله شيخ زاوية علي بن عمر بطولقة العامرة، وبدأت العملية بـمدينة سيدي عقبة سنة 2006م، وكنت مقررا لهذا الـميثاق بباحة الزاوية في هذه السنة، وانتقلنا بهذا المشروع ليكون جهويا ثم وطنيا وكانت المحطة ولاية خنشلة وحضره خمس ولايات، وكان أملنا أنْ يكون مرجعا للأعراش ولـمن يؤمن به كحل لكثير من الـمعضلات، ونحن نعمل على مقترح عملي أوسع يجمع اثنا عشرة ولاية – ببسكرة- لتحيين هذا الـمشروع الذي ينبع من توجيهات ديننا الحنيف وعاداتنا الحسنة التي يجب إحياؤها، فالأعمال الدعوية والفكرية كثيرة نسأل الله الإخلاص والتوفيق في القول والعمل وأن يـمدنا بالبركة والصحة والعافية.
من خلال ما سمعناه في محاضرتك القيّمة، من هي لغة الضاد؟.
– لغة الضاد هي الهوى، هي الدين، هي ميراث محمد صلى الله عليه وسلم، هي لغة أهل الجنة واللغة الخاتمة، قال الله تعالى: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ” [البقرة الآية 143]، هي اللغة الشاهدة والشهيدة، هي التي تشهد على الأمّة، فسارت بها الركبان من جزيرة العرب وصعدت بها شمالا ونزلت بها جنوبا لتعمّم، لأنّها لغة القرآن الكريم ولغة الإسلام ويحضرني بيت شعري سمعته في ملتقى الفكر الإسلامي يـخاطب الأمّة الإسلامية بلغة الضاد “خاطبتها بلغات الحبّ قاطبة شعرا ونثرا تنبيها وتنويها” فيعجبني هذا البيت ولذلك استعرته، لغتنا هي الحُبّ والدين والغيرة والثوابت وهي وحدة الأمّة من المحيط إلى المحيط هي صمّام الأمان لأمّة محمد صلى الله عليه وسلم لأنّها تتعرض لكثير من المؤامرات من خلال كل الاتجاهات الحداثية و الفرانكوفيلية (المثقفون بالهوى الغربي الباريسي لا الباديسي)، فاللغة العربية هي الوجه الثاني لديننا الحنيف فمن شروط الاجتهاد في شرعنا أن يكون الفقيه المجتهد مجتهدا في اللغة العربية لأنّه لا يمكن فهم النصوص والمقاصد الشرعية إلاّ بفهم اللغة العربية، فإذا رجعت إلى كل التفاسير من ابن كثير إلى الطبري وتفسير الزمخشري تجدها عامرة مهتمة بكل الألفاظ والمعاني، و الحمدلله أنها محفوظ بحفظ هذا الدين إلى يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ما دورها في جمع الكلمة الأمة؟.
– نحن والحمد لله اثنان وعشرون دولة عربية وسبع وخمسون دولة مسلمة وهي من إندونيسيا شرقا إلى المغرب في أقصى الغرب الإسلامي نملك كل المقومات لاجتماع الكلمة، وهناك هيئات دورها العناية بهذا ومنها جامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي لكن الواقع لا يشهد بهذا الأمل الذي نود أن يتحقق، فلكل الحكام والمحكومين والنخب الناضجة أن تعي أنّ لنا عنصرا هامّا لوحدة الأمّة وهي اللغة العربية لأنّها لغة القرآن والدين والتاريخ والتخاطب فهي عامل جامع موحّد وخاصة أنّ ما يربو على ملياري مسلم في القارات الخمس يتكلم اللغة العربية و يكفيه أنّه يحفظ سورة الفاتحة بالعربية وهي ركن وفرض في الصلاة وعدد المسلمين ليس كما تقوله بعض الدوائر المعادية، وكل من قرأ الفاتحة فهو عربي ولو كان أعجميا من حيث النّسب وهذه الإحصائيات مستخلصة من عدد المسلمين في العالم.
ماهي مكانتها في خطاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من خلال كتابات علمائها وطلابها؟.
– فالفضل بعد الله سبحانه وتعالى للشيوخ العلماء ابن باديس والإبراهيمي والتبسي والميلي والعقبي رحمهم الله، وطلاب الجمعية ومحبيها الذين كان لهم اليد الطولى في الحفاظ على لغة الضاد وترسيخها في هذه البلاد العزيزة، بل تجد ابن باديس الرئيس والإبراهيمي ومدرسي القرآن الكريم والعربية متهمون ومتابعون من طرف طغمة الاستدمار الفرنسي ونالهم التضييق والإبعاد، فكان الإبراهيمي أحد المؤسسين الأوائل لمجمع اللغة العربية وهو المعروف بالذاكرة القوية لأشعار العرب وقواميسها، وتراث الجمعية يُظهر جهودها في تعليم وحماية لغة القرآن من خلال الجرائد والطلبة الذين عرفناهم، فالعلماء اهتموا بلغة الضاد دِينا لا طِينا ولا عِرقا أو قومية، فهم تيقنوا أن نقل وتعلّم وتطبيق الإسلام لا يكون إلاّ بتعلم اللغة التي أُنزل بها.
ماهي مكانتها بعد الاستقلال إلى يومنا هذا؟.
– ما كانت «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» وكلّ الغيورين على هذه الأمّة من مخلصيها ووطنيها أن يروا ويعايشوا تلك الوضعية الـمزرية التي وصلتها ولعلّ ذلك بسبب قوة التيار الذي يعمل بطرق خبيثة لعرقلة وصول اللغة العربية لمكانتها اللائقة، ففيهم ممن لم ينجح في ضربها في عهد الاحتلال، ليعود ويستمر في دسّه من خلال المناصب الإدارية، ووصل الأمر ببعض الخطابات الرسمية تكتب وتلقى بغير العربية بل الأدهى والأمرّ أن يموت رحمه الله الشيخ العلامة الإبراهيمي تحت الإقامة الجبرية وفي مسكن مؤجّر، فالمطلوب من جميع الجزائريين المحبين لدينهم ووطنهم أن يحرسوا قلعة اللغة العربية ويعملوا على نشرها وأن يعود الخطاب الرسمي دون أن ننسى ما فعله الرئيس هواري بومدين -رحمه الله – حينما تكلّم باللغة العربية على منبر هيئة الجمعية العامة بالأمم المتحدة، وكذا الرئيس الشاذلي بن جديد -رحمه الله – حينما سنّ قانون اللغة العربية والذي جمّد فيما بعد؟،وكذا محاولة تطبيق قانون تعميم استعمال اللغة العربية في عهد الرئيس محمد زروال؟، لكن هذه القرارات والمراسيم تحتاج إلى تفعيل ومتابعة من جديد، وإلاّ ستنجح الدوائر المناوئة في تعطيلها، والجهود من طرف المخلصين مستمرة ولا ننسى الأستاذ عثمان سعدي -رحمه الله – الذي بذل جهودا من خلال تأسيس جمعية الدفاع عن اللغة العربية وما ألّفه حولها، وللجزائر مخلصين كُثر، وكما قال ابن باديس رحمه الله في الثلاثية الخالدة «الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا»، وهو القائل: «شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب… من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب»، إلى أن قال: «فإذا هلكت فصيحتي… تحيا الجزائر والعرب».
ما المطلوب منّا جميعا نحن أحفاد ابن باديس رحمه الله؟.
– يجب علينا أن نكون خير خلف لخير سلف، فنحن أحفاد ابن باديس -رحمه الله – وعلينا أن نفخر بلغتنا، فهي لغة القرآن الكريم وليست لغة عِرق أو جنس، فالمطلوب منّا جميعا الاجتهاد في تعلّمها، وقد قرأت للشيخ محمد الغزالي -رحمه الله – يقول: (كان شيخنا حسن البنّا رحمه الله يردد العبارة» اجتهد أن تتكلم العربية الفصحى لأنّ ذلك من شعائر الإسلام»)، فوجب علينا أن نفخر باللغة العربية ونجتهد بالتكلم بها في أنفسنا وبيوتنا ومدارسنا وشوارعنا وجامعتنا ورسميا، فكان لي زميل -رحمه الله – في الجامعة لا يتكلّم ولا يرد إلاّ باللغة الفصحى، اللهم ارفع مقامه في الجنّة كما رفع شأن لغة أهل القرآن، فيجب أن نغار على لغتنا وأن نتكلم الدّارجة الأقرب أفضل من غيرها كالفرنسية التي محت هويتنا.
ما هو نداؤك لكل غيور على هذه اللغة؟.
– اللغة العربية هي الوطن والأمّ والدين، بل تمثّل مقاصد الشريعة الخمس، فلنتكلم بها قدر المستطاع، والجميل أنْ تعمّم في جميع المؤسسات والجامعات وفي اللافتات في الدكاكين والاعلانات…، وأنْ يرفع قانون تجميد استعمال اللغة العربية، وأن تجتمع جهود الجميع من النواب المنتخبين بغرفتيهما والمجلس الأعلى للغة العربية لاستعادة مكانة لغة الأمّة، بل حتى لغة العالم لأنّ الدراسات الاستشراقية تقول: إنّها اللغة الأقدم والباقية، وفيهم من يؤكد على أنّها الأصلح لتحمل أرشيف البشرية لما تحمله من عوامل البقاء والتجدّد، وهي إحدى اللغات الست المعتمدة في هيئة الأمم المتحدة، فعيب علينا إن كان هذا شأنها ومقامها ونفرّط فيها ونهينها في عقر دارها.
هل من كلمة ختامية؟.
– أدعو الله العلي القدير أن يستخدمنا في خدمة ديننا ولغتنا التي اختارها لنا، فهي لغة القرآن ولغة النبي العدنان -صلى الله عليه وسلم – وأنْ نغار عليها، ويقوم المثقفون والوطنيون والأحرار من أبناء الشهداء والمجاهدين بالدفاع عنها وأن يستميتوا في الدفاع على ما مات عليه الآباء والأجداد الأبرار للحفاظ على لغتنا لتكون سيدة في أرضها، ونرجو أنْ تعود الملتقيات والندوات العلمية الجامعية التي تهتم باللغة، وأنْ نربي أبناءنا على حُبّها وتعلّمها والقراءة والكتابة والتخاطب بها والمطالعة بها، نشكركم على دعوتكم الكريمة لهذا الحوار، والسّلام لكل قرّاء البصائر الرائدة، ونتمنى للمكتب الولائي الجديد المتجدد للشعبة الولائية لولاية بسكرة التوفيق، وندعو الله سبحانه وتعالى بالإخلاص في القول والعمل والتوفيق وأن تجد هذه الجهود القَبول منه ثم من مجتمعنا.