وراء الأحداث

هل ستبتلع هوة التطبيع مجد المغرب؟

أ. عبد الحميد عبدوس/

حلت، يوم الأحد الماضي (22 ديسمبر 2024)، الذكرى الرابعة لسقوط نظام المخزن المغربي في مستنقع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. هذا التطبيع الذي صوره النظام المغربي على أنه حدث تاريخي سيجلب المن والسلوى للشعب المغربي، تحول مع مر الأيام إلى فاجعة لغالبية الشعب المغربي المسلم الأصيل الذي مافتئ يعبر بواسطة المسيرات والمظاهرات والاعتصامات والكتابات عن رفضه لهذه الورطة السياسية والعار الوطني والكبوة الاقتصادية. بالإضافة إلى تراجع الإنتاج الفلاحي، وتوالي إفلاس المؤسسات الاقتصادية بشكل غير مسبوق، ارتفعت نسبة البطالة في المغرب من 12.8 بالمائة سنة 2020 (قبل اتفاقية التطبيع) إلى 21,3 بالمائة سنة 2024. أي، أن قرابة ربع الشعب المغربي أصبح يعاني من البطالة. وارتفع الدين العام المغربي من 65,7 مليار دولار سنة 2020 إلى أكثر من 101مليار دولار سنة 2024، ما يجعل المغرب من أكثر البلدان مديونية في إفريقيا.. بمناسبة الذكرى الرابعة للتطبيع المغربي الإسرائيلي، أكد الحقوقي المغربي، محمد قنديل: «أن من تدعي نفسها “دولة” فتحت الأبواب على مصراعيها للصهاينة، حيث استولوا أولا على كل مفاصل الدولة، بما فيها الجيش ومختلف المؤسسات الأمنية لخدمة أجنداتهم الخبيثة، إضافة إلى الاستيلاء على ممتلكات المغاربة بعد مصادرتها منهم بالقوة.» كما أصبح بعض الناشطين السياسيين والاجتماعيين والإعلاميين المغاربة يحذرون من خطورة سيطرة الصهاينة على المجالات الحيوية للمغرب كالصحة والزراعة.
عبد الإله بنكيران – رئيس الحكومة المغربية الأسبق- قال إن: «الاتفاقات التي تجمع دولتنا بما تسمى إسرائيل لم يعد لها مبرر معقول أو منطقي أو أخلاقي». إذا كان النظام المغربي يسمح لسياسي متمرس ومشهور مثل بنكيران أن ينتقد، بين الفينة والأخرى، سياسة التطبيع لإحداث قدر من التنفيس في أوساط الرأي العام،فإنه في المقابل يواجه معارضي التطبيع ومنتقديه بأقسى أساليب القمع والردع. في هذا السياق، حكمت المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء، على الناشط إسماعيل العزاوي، في أواسط شهر ديسمبر الجاري (2024)، بالسجن النافذ لمدة عام، وغرامة مالية قدرها 5 آلاف درهم (ما يناهز 500 دولار) بسبب دعوته إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، الداعمة لحرب الإبادة على الشعب الفلسطيني.وقبل ذلك، قضت محكمة مغربية في مارس 2024، بسجن عبد الرحمن زنكاض، ناشط في جماعة العدل والإحسان، خمسة أعوام لإدانته بسبب تدوينات على «فيسبوك» تدين التطبيع مع إسرائيل. وفي شهر جويليه 2023 أوقفت شرطة الحدود المغربية، المواطن سعيد بوكيوض، في مطار الدار البيضاء، بعد رجوعه من قطر، بسبب تدوينات مناهضة للتطبيع. إحدى تلك التدوينات تضمنت تنديداً بتطبيع المغرب للعلاقات مع إسرائيل، مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بتبعية الصحراء الغربية للمغرب، معتبرا أن في ذلك خيانة للقضية الفلسطينية. التدوينة اعتبرت «إساءة للملك». وهي تهمة تصنف في المغرب على أنها «فعل إجرامي» يعاقب عليها القانون الجنائي. رغم أن الناشط سعيد بوكيوض ، قام بسحب تلك التدوينات وإغلاق حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل رجوعه إلى المغرب لزيارة عائلته. إلا أنه تم توقيفه في المطار وتقديمه للمحكمة التي قضت عليه بخمس سنوات سجنا نافذة، وغرامة مالية تناهز 4000 دولار. ثم خففت محكمة الاستئناف، في شهر نوفمبر 2023، الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.
في أواسط شهر ديسمبر الجاري أثار تعرض الحقوقي عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إلى موجة من الشتم والتخوين من طرف برلمانيين ومحامين وإعلاميين مغاربة، بسبب موقفه المؤيد للشرعية الدولية في قضية الصحراء الغربية و تصريحه على قناة إخبارية الكترونية الذي قال فيه إن: «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في مؤتمرها الخامس كانت مع تقرير المصير في الصحراء وبعدها مع جلوس المغرب إلى طاولة المفاوضات مع جبهة البوليساريو تحت قبة الأمم المتحدة، أصبح موقفها هو دعم حل تفاوضي يرضي جميع الأطراف ويجنب المنطقة الحرب» هذا الموقف اعتبر في المغرب انحيازا لأعداء الوحدة الوطنية المغربية. وقالت وسائل إعلام مغربية إن: «تصريحات عزيز غالي استفزت مشاعر المغاربة ككل، ما جعل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي يشنون عليه هجوما شرسا، ووصفوه بالخائن لوطنه الذي يأكل الغلة ويسب الملة».
تعامل الإعلام المغربي مع تصريح رئيس لجنة حقوق الانسان المغربية ومع أشكال الصرامة القضائية ضد الرافضين للتطبيع بكل ذلك القدر من الرضا والاستكانة والتآلف، وربما بالتأييد والتحريض، جعل من المستنكر والمعيب أن يسارع هذا الإعلام نفسه إلى التباكى على حرية التعبير في الجزائر، وإلى أن يرفع عقيرته بالدفاع عن الموقوفين، ويخرج كل ذخيرته النقدية لاستهداف الجزائر عندما تعلق الأمر بتوقيف الكاتب الجزائري الفرنسي العميل، بوعلام صنصال ومحاكمته طبقا للمادة 87 مكرر من قانون العقوبات المعدل التي تجرم المساس بوحدة الجزائر والإساءة إلى تاريخها والتشكيك في استقلالها. الإعلام المغربي راح يعتبر توقيف بوعلام صنصال في مطار الجزائر بمثابة «اختطاف» للكاتب، مرددا بطريقة ببغائية الاتهامات الفرنسية للسلطات الجزائرية، وطالبت السلطات الفرنسية ببذل جهود أكبر لإطلاق سراح الكاتب بوعلام صنصال. جريدة «هسبريس» المغربية، كتبت: «أن اعتقال الكاتب الجزائري بوعلام صنصال يعتبر دليلاً واضحاً على مدى قمع السلطات الجزائرية لأي صوت يعارض الرواية الرسمية للنظام». من جهته، أدلى اتحاد الكتاب في المغرب بدلوه في القضية وأصدر بيانا طالب فيه، بالإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال، وتمتيعه بحقه المشروع في الحرية والتنقل ومعانقة أسرته التي تجهل مصيره إلى اليوم، ما يجعل من خطر اختطافه فرضية تقلق كل القوى المدافعة عن حقوق الإنسان والحريات في العالم».
لعل المجالات البارزة التي حقق فيها نظام المخزن تطورا ملحوظا، بعد توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، هو مجال الجوسسة واقتناء أجهزة التجسس المتطورة، ومجال إنتاج وتسويق المخدرات. ففي مجال الجوسسة اشتهر النظام المخزني باستعمال برنامج «بيغاسوس» الإسرائيلي للتضييق على وسائل الإعلام وتيارات المعارضة ومراقبة وابتزاز نشطاء ومعارضي التطبيع على المستوى الداخلي وللتجسس على الشخصيات السياسية والإعلامية والحقوقية في دول جوار المغرب، وبالأخص في الجزائر، وحتى على رؤساء ومسؤولي الدول الأجنبية، مثل فرنسا واسبانيا وإيطاليا….
في مجال إنتاج وتصدير آفة المخدرات، التي تدمر الإنسان وتخرب البلدان، صادقت الحكومة المغربية، في مارس 2021، على القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، وخلق وكالة متخصصة في تنمية زراعة القنب الهندي ومنح التراخيص للمزارعين، وأصدرت آلاف الرخص في مجال زراعة واستغلال القنب الهندي، كما تم توسيع الأراضي المغربية المخصصة لزراعة الحشيش بآلاف الهكتارات، وتم العفو عن الأشخاص المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا زراعة الحشيش. لأن إنتاج المخدرات والمتاجرة بها أصبحت في المغرب نشاطا مرخصا منذ سنة 2021، بعد توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل. أكد التقرير العالمي حول المخدرات لعام 2022 الذي نشره مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن المغرب يحتل صدارة الدول الرئيسية لمنشأ ومغادرة القنب الهندي، ما يجعل هذا البلد أكبر منتج و مصدر لهذا النوع من المخدرات. وقدرت دراسة أجرتها المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة أن الإنتاج السنوي للمغرب من الحشيش قدر بأكثر من 700 طن، أي بقيمة 23 مليار دولار. بعد أن قام نظام المخزن بتصدير المخدرات لم يتورع عن استيراد النفايات، وتحويل المغرب إلى مكب لنفايات الدول الأوروبية، معرضا بذلك السلامة الصحية والبيئية للمغاربة إلى أكبر الأخطار. في 17 أوت 2024 أعلنت وزيرة الطاقة والتنمية المستدامة في المغرب، ليلى بنعلي أنه سيتم استيراد ملايين الأطنان من النفايات من الدول الأوربية منها 970.896 طن من فرنسا، و20 ألف طن من ايطاليا، و30.054 طن من إسبانيا، و1.5 مليون طن من بريطانيا، و60 ألف طن من السويد، و100 ألف طن من النرويج. هكذا يبدو أن نظام المخزن وكأنه تخصص في التعامل مع القذورات، فمقابل تصدير المخدرات (القذورات المعنوية) يقوم باستيراد النفايات (القذورات المادية).

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com