شباب ميديا

عبد الرحمن شيبان.. حامل راية اللغة العربية والهوية الجزائرية

إعداد: عبد الغني بلاش/

في قلب جبال جرجرة، وتحديدًا في قرية الشرفة بولاية البويرة، وُلد الشيخ عبد الرحمن شيبان عام 1918، ليكون واحدًا من أبرز الشخصيات الجزائرية التي كرست حياتها لخدمة اللغة العربية والحفاظ على الهوية الوطنية، من بين صفحات حياته الحافلة بالأحداث، تبرز مواقفه وأعماله التي شكلت درعًا واقيًا للغة العربية في الجزائر، خصوصًا في زمن الاحتلال الفرنسي وما تلاه من تحديات.

النشأة والتكوين..
نشأ الشيخ عبد الرحمن شيبان في بيئة ريفية محافظة، كانت فيها اللغة العربية والدين الإسلامي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية. منذ صغره، أظهر ولعًا كبيرًا بالعلم والمعرفة، مما دفع أسرته إلى إرساله للدراسة في المدارس القرآنية المحلية، لم تكن رحلته التعليمية سهلة، لكنها كانت محفوفة بالإصرار والرغبة في التعلم.
في عام 1936، التحق بجامع الزيتونة في تونس، حيث تلقى تكوينًا علميًا ودينيًا مكثفًا. هناك، تعمقت معرفته باللغة العربية وآدابها، وتعرف على شخصيات بارزة من النهضة العربية والإسلامية، مما شكل وعيه الثقافي والفكري. وعند عودته إلى الجزائر، انضم إلى صفوف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ليبدأ مسيرته في الدفاع عن اللغة العربية.

اللغة العربية في مواجهة الاحتلال
خلال فترة الاحتلال الفرنسي، تعرضت اللغة العربية لمحاولات ممنهجة للإقصاء، حيث عملت السلطات الاستعمارية على فرض اللغة الفرنسية وتقليص وجود العربية في التعليم والحياة العامة. في هذا السياق، برز دور الشيخ شيبان كأحد المدافعين الشرسين عن اللغة العربية. انخرط في العمل ضمن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي تبنت مشروعًا متكاملاً لإحياء اللغة العربية والتعليم الحر.
ساهم الشيخ شيبان في تأسيس مدارس حرة تُدرس باللغة العربية، حيث كانت هذه المدارس بمثابة حصون للحفاظ على الهوية الجزائرية في وجه محاولات الطمس الثقافي، كما شارك في إعداد المناهج التعليمية التي تجمع بين العلوم الحديثة واللغة العربية، مؤكدًا أن العربية ليست مجرد لغة دينية، بل لغة علم وحضارة.

بعد الاستقلال.. من المقاومة إلى البناء
مع استعادة الجزائر لاستقلالها عام 1962، وجد الشيخ عبد الرحمن شيبان نفسه أمام تحديات جديدة، حيث انتقلت المعركة من الدفاع عن وجود اللغة العربية إلى ترسيخها كلغة رسمية في مؤسسات الدولة ومناهج التعليم.
عمل الشيخ شيبان بجد لتعريب النظام التعليمي، مؤمنًا أن النهضة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا بلغتها الأصلية، شغل عدة مناصب في قطاع التربية والتعليم، حيث ساهم في صياغة سياسات تعليمية تهدف إلى تعزيز مكانة اللغة العربية في جميع المستويات الدراسية، كانت رؤيته واضحة: اللغة العربية ليست خيارًا، بل ضرورة حضارية للحفاظ على الهوية الوطنية.

رئاسته لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
في عام 1999، تولى الشيخ عبد الرحمن شيبان رئاسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ليعيد إحياء دورها التاريخي في خدمة اللغة العربية والإسلام. تحت قيادته، ركزت الجمعية على قضايا التعليم والثقافة، وشجعت على تعليم اللغة العربية بطرق حديثة تتماشى مع متطلبات العصر.
أطلق عدة مبادرات لتعريب التعليم العالي وتشجيع البحث العلمي باللغة العربية، مؤمنًا بقدرتها على استيعاب العلوم الحديثة، كما كان حريصًا على ربط اللغة العربية بالهوية الإسلامية، مؤكدًا أن الحفاظ على العربية هو جزء من الحفاظ على العقيدة.

مواقفه الدولية..
لم تقتصر جهود الشيخ شيبان على الساحة الوطنية، بل امتدت إلى المحافل الدولية، حيث شارك في العديد من المؤتمرات العربية والإسلامية، فدافع عن اللّغة العربية كلغة حضارة وتواصل عالمي، كان صوته عاليًا في التأكيد على ضرورة الوحدة الثقافية للعالم العربي، محذرًا من خطر التبعية الثقافية.

إرثه وأثره..
ترك الشيخ عبد الرحمن شيبان إرثًا غنيًا من الأفكار والمبادرات التي ساهمت في الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز مكانتها في الجزائر. من بين إنجازاته:
1. تأسيس مدارس قرآنية وتعليمية في المناطق الريفية، مما أتاح الفرصة للأطفال لتعلم اللغة العربية في بيئاتهم المحلية.
2. إصدار العديد من المقالات والكتب التي تناقش قضايا اللغة والثقافة، مما جعله مرجعًا للمثقفين والباحثين.
3. تكوين جيل من الشباب الجزائري المثقف الذي حمل رسالة الدفاع عن العربية.

رحل الشيخ عبد الرحمن شيبان عن عالمنا في عام 2011، لكنه ترك خلفه إرثًا غنيًا من النضال الفكري والثقافي، سيظل اسمه مرتبطًا بالجهود الحثيثة للحفاظ على اللغة العربية في الجزائر، وسيبقى نموذجًا يُحتذى به لكل من يؤمن بأن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي هوية أمة وروح حضارة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com