شباب ميديا

شبابنا وقضاياهم/ واو الثمانية.. المعجزة البلاغية

عبد الغني بلاش/

في اليوم العالمي للغة العربية، نستحضر عظمة هذه اللغة وسحرها الذي لا ينفد، ومن بين أوجه الجمال في لغتنا الفريدة ما يُعرف بـ«واو الثمانية»، هذه الواو ليست مجرد حرف عطف، بل هي ظاهرة لغوية وبلاغية دقيقة تكشف عن عمق التعبير العربي وإعجازه.
سُمّيت «واو الثمانية» بهذا الاسم لأنها تأتي في سياقات تذكر فيها سبعة عناصر متتالية دون عطف، ليأتي الثامن مقرونًا بالواو، ومن أمثلتها في القرآن الكريم قوله تعالى: «التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر». هنا، نجد سبعة أوصاف متتالية قبل أن يأتي الوصف الثامن «الناهون عن المنكر» مقترنًا بالواو.
وهذه الظاهرة تمتد إلى مواضع ذكر العدد ثمانية في القرآن، ففي سورة الكهف، يقول تعالى: «سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم». هنا، لم تُستخدم الواو في «رابعهم» ولا في «سادسهم»، لكنها ظهرت مع «ثامنهم»، مما يعكس دقة التعبير القرآني، ونجد هذا أيضًا في قوله تعالى: «سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسوما».
أما في مشاهد يوم القيامة، فإن حضور «واو الثمانية» يكشف عن سرّ بلاغي آخر، ففي الحديث عن الكفار ودخولهم النار، يقول الله تعالى: «حتى إذا جاءوها فُتحت أبوابها». لم تُقترن الأبواب هنا بالواو، ومعلوم أن أبواب النار سبعة. بينما في الحديث عن المؤمنين ودخولهم الجنة، يقول تعالى: «حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها». هنا أضيفت الواو، لأن أبواب الجنة ثمانية، في إشارة دقيقة إلى الكمال والجمال.
هذا الإعجاز البلاغي الذي تبرزه «واو الثمانية» ليس إلا مثالًا صغيرًا من بحر اللغة العربية الذي لا ساحل له، فاللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي نظام متكامل من الجمال والدقة، يتجلى في أبهى صوره في القرآن الكريم، ولعل هذه الظاهرة تذكير لكل عربي بأن لغته تحمل كنوزًا لا تقدر بثمن، وأن الاعتزاز بها واجب، ليس فقط في يومها العالمي، بل في كل يوم.
«ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا».

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com