{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}/ أ. محمد العلمي السائحي
يتعرض الإسلام هذه الأيام إلى هجوم شرس، من قبل فئات ممن كانوا من المنتسبين إليه ثم انقلبوا عليه، أقروا بذلك أم أنكروه؟! بتشجيع من دوائر أجنبية اتخذت من الإسلام عدوها الأول بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وذلك في إطار نظرة استراتيجية شاملة ترمي إلى استبعاد كل القوى الموجودة والمحتملة التي يمكن أن تتصدى للقوى الأوروبية والأمريكية منها على وجه التحديد، ومحاربة كل العقائد والإيديولوجيات والثقافات التي يمكن أن تسهم بصورة ما في تشكيل مثل هذه القوى المناهضة للهيمنة الأمريكية على العالم. ولهذا اعتبر الإسلام العدو رقم واحد بالنسبة لهذه الدوائر، لأنه من حيث معتقداته وثقافاته منتج لإيديولوجيات مناهضة للطغيان والتسلط والجبروت، يشهد على ذلك تاريخه القديم والحديث والمعاصر، حيث أخذ على عاتقه في كل تلك المراحل التصدي للقوى الاستعمارية، ولم يركن لاحتلال أرضه وتقويض دوله، بل فجر في وجه عدوه مقاومة شرسة مكنت معظم دوله من التحرر والانعتاق، واسترجاع أراضيه المسلوبة، وسيادته المغصوبة.
وفي القديم كانت الدوائر البريطانية والفرنسية هي التي أخذت على عاتقها التصدي للإسلام ومحاربته، واستعانت في ذلك بالغزو العسكري المباشر، والغزو الفكري، أما اليوم فالولايات المتحدة الأمريكية هي التي تحمل راية الحرب على الإسلام، وقد غير في استراتيجية المواجهة، حيث اعتمدت على توظيف ما لديها من أسلحة فكرية واقتصادية أكثر من اعتمادها على الصراع العسكري المباشر الذي تبينت لها قلة جدواه وعدم فاعليته، ولذلك نزعت إلى محاربته بأيدي بنيه وفكرهم، واكتفت هي بدور توفير الوسائل والأدوات الموظفة في ذلك الصراع من منابر إعلامية، ووسائل تكنولوجية، وأسلحة تدميرية، مع التكفل بتوفير أسباب تفجير الصراع وتغذيته حتى يبقى متأججا لا تخبو ناره، ولا يضعف أواره، وفي إطار هذه الحرب المعلنة على الإسلام اليوم، تطلع علينا وجوه في مشرق العالم العربية ومغربه تهاجم الإسلام فكرا وعقيدة وثقافة تحت شعار: “تنقيح التراث الإسلامي”، وراحوا يهاجمون القرآن كما فعل أحد الإخوة العراقيين مدعيا أن القرآن تعرض للتحريف..!، وأنه ليس هناك قرآن واحد، بل هناك ـ على حد تعبيره ـ بل كان لكل قبيلة عربية قرآن خاص بها، وأن مصحف سيدنا عثمان بن عفان هو المصحف الرسمي الذي ارتضته الدولة..! بل تمادى في هجومه على القرآن أن ادعى خلوه من الإعجاز تماما، حتى اللغوي منه، حيث رأى أن كتاب “الأمالي” لأبي علي القالي، أبلغ منه وأفصح. وأما في المغرب العربي فتمظهرت الحرب على الإسلام في الهجوم على السنة النبوية والتشكيك فيها، ووجهت سهام النقد إلى كتاب صحيح البخاري الذي ينظر إليه المسلمون على أنه أصح كتاب بعد القرآن الكريم، متعللين في ذلك بأسباب واهية، وحجج لاغية، كالاحتجاج بأن المدة التي عاشها لا تكفي لجمع الكم الهائل من الأحاديث التي نسبت إليه، أو أن صحيحه لا يخلو من أحاديث ضعيفة، وقد تكفل بالرد عليهم أهل الاختصاص، وفندوا أقوالهم، أظهروا عوار دعاواهم، والملفت للنظر في هذا الأمر أن المنابر الإعلامية التي تطلع علينا منه – هذه الوجوه الناقمة على الإسلامي والمحاربة له- تتبع فضائيات يمولها الكونغرس الأمريكي ذاته، وليس هذا فقط، بل نرى أن هناك هجوما من نوع جديد على الإسلام وقد تمظهر في صورة الإشادة بالإلحاد، ونسبته إلى التحرر العقلي، واعتماد المنهج النقدي في تبني الآراء والمعتقدات، واتهام المؤمنين والمسلمين على وجه الخصوص منهم بالتحجر والانغلاق والإمّعية وأن إيمانهم موروث، وهو نتاج الإتباع والاقتياد، وليس كآراء الملحدين التي هي وليدة البحث والتمحيص والانتقاد.
ونرى كذلك هجوما منسقا ومتساوقا، على رموز الإسلام ومؤسساته في الداخل والخارج على حد السواء، حيث ينتقد الحجاب والصوم، وتلفق القضايا لمفكري الإسلام ودعاته، هذا على الصعيد الخارجي، فأما على المستوى الداخلي فنجد أصواتا رسمية تنادي بضرورة إعادة النظر في النصوص الشرعية المتفق على قطعيتها، كما حدث في تونس فيما يتعلق بتسوية الأنثى بالذكر في الميراث، أو كما يحدث في مصر حيث ينادي بتجديد الفكر الديني بغرض حمل الشعب على ابتلاع عملية التطبيع، والإذلال والتركيع..!
والهدف من ذلك أن المارد الأمريكي بات يرى في الإسلام عدوه الأول والأوحد الذي ينبغي القضاء عليه والتخلص منه، مستبيحا في ذلك كل الوسائل المتاحة، المحرمة منها والمباحة، وهذا لا يستغرب من عدو فرقت بيننا وبينه المِلّة، والمصالح الجلة، وإنما يستغرب من أبنائنا الذين انخدعوا بهم، وانحازوا إليهم، ورضوا بأن يعملوا لصالحهم، وأن يقفوا في وجه شعوبهم، ويتحدون الله ذاته متناسين أن الله متم نوره ولوكره الكافرون.