«الحداد على امرأة الحداد»

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/
في سنة 1931م من القرن العشرين ظهر كتاب الطاهر الحداد (من خريجي الزيتونة) بعنوان: «إمرأتنا في الشريعة والمجتمع». يعالج قضايا حساسة خاصة المرأة في الإسلام. ومن يطالع هذا الكتاب يشعر أنه يقرأ كتابا قيما؛ عالج فيه صاحبه قضايا المرأة وأزماتها في الواقع الإسلامي، ويجد له جاذبية خاصة إذا كان المتلقي امرأة، لأنه انتصر لها انتصارا مطلقا. وحين تتصفح الكتاب تشعر أنك تقرأ لرجل كبير في السن خبر كل المشاكل التي يمكن أن تعيشها المرأة في حياتها اليومية، داخل أسرتها الأولى وفي حياتها الزوجية: زوجة وأما وكنة…يهتم بكل صغيرة وكبيرة تتعلق بحياة الأنثى.
بعد صدوره، أحدث الكتاب ضجة كبيرة في أوساط العلماء المسلمين؛ لأن فيه استفزازا معلنا وصريحا للرأي العام الإسلامي، وطعنا واضحا في الشريعة الإسلامية وشخص الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذه الضجة تشبه ما أحدثه كتاب «الإسلام وأصول الحكم.» لعلي عبد الرازق الذي صدر قبله بست سنوات، ولأن الكتاب فيه تطاول على الشريعة الإسلامية، فقد نال صاحبه من علماء المسلمين ما نال قبله علي عبد الرازق.
تناول كتاب الحداد قضايا المرأة: كالميراث والتعدد والحجاب والقوامة …وطرحها بالمنهج نفسه الذي يسلكه المستشرقون ودعاة الحداثة، وقد وجد فيه التيار النسوي ضالته في تأويل نصوص القرآن المتعلقة بقضايا المرأة والأسرة.
إن القارئ لكتاب الحداد يلاحظ إصراره على التأكيد أن الإسلام يبقى خالدا في جوهره ومعناه الذي يتكون من العقيدة والأخلاق. أما ما أتى به من شرائع فليس هو المقصود منه. يقول: «وإذا ما رجعنا إلى الإسلام رأينا أنه يميل إلى تثقيف الأخلاق أكثر من وضع فصول الشريعة».
وفي دعوته إلى المساواة بين الرجل والمرأة؛ يعتمد الحداد على القول بتاريخية نصوص الأحكام الشرعية، إذ اعتبرها تتعلق بزمن نزولها وقد بدأ الرسول _ صلى الله عليه وسلم – في التغيير ولا يوجد مانع بعد تغير الأوضاع في زماننا من مواصلة ما بدأه _ عليه الصلاة والسلام _ … يقول: «إن روح الشريعة أبلغ وأبقى من فصولها التي لابد أن تتأثر في بعض جهاتها بسحابة العصور المارة فيها».
وقد لقي العديد من الردود بعد صدوره مباشرة، ومن ذلك رد محمد الصالح بن مراد بكتاب «الحداد على امرأة الحداد أو ردّ الخطأ والكفر والبدع التي حواها كتاب امرأتنا في الشّريعة والمجتمع» وقد تحدث ابن مراد عن دواعي كتابة الحداد لهذا الكتاب، وعن شروط الاجتهاد ورد فيه ردودا قوية على صاحبه وعلى كل من يتجرأ على الشريعة الإسلامية بمثل شبه الحداد.
تجدر الإشارة إلى أن جريدة الشهاب قد أوردت إعلانا بصدور الكتاب، وأوضحت حقيقة كونه من العمالة للمسحيين؛ وجاء فيها «كان الحداد أصدر كتابه الذي ملأه ضلالات وافتراءات وتهجمات على الإسلام فتعجب الناس أن يصدر هذا من متخرج من جامع الزيتونة فكنا نقول لهم إن هذا ليس من آثار الجامع وإنما من آثار ما وراء جدران الجامع، وكنا نعرف الحركة التي يقوم قوم أرادوا – وقد عجزوا عن محاربة الإسلام من خارجه – أن يحاربوه من داخله بيد من يعد نفسه من علمائه ويحسبونه هم من أبنائه فكنا لذلك نعرف اليد التي حركت الحداد إلى عمله ولكننا لم نكن نعتمد على دليل خاص حتى أخبرني الأخ الأستاذ مبارك الميلي المدرس ببلدة الأغواط بأن النسخة الوحيدة من كتاب امرأة الحداد التي جاءت إلى الأغواط جاءت إلى الآباء البيض هنالك فحصل اليقين ونهض على فعلته بخصوصها الدليل، وإن إعلان مثل هذه الحقيقة وحده كاف في إسقاط الكتاب وصاحبه». والراجح أن هذا الكلام للشيخ ابن باديس.
لقد رد محمد الصالح بن مراد بالكتاب السابق، وعمر بن إبراهيم البرّي المدني بكتاب «سيف الحقّ على من لا يرى الحقّ». ومحمد الشاذلي السنوسي بكتاب «المرأة المسلمة»، ردودا قوية على كتاب الحداد المنبهر بالمرأة الغربية، إلا أن الصراع سيبقى مستمرا بين الحداثتين حداثة الإسلام التي حررت الإنسان رجلا وامرأة، وحداثة دعاة التغريب التي تريد القضاء على ما يوافق الفطر السليمة والعقول الراقية.
إن آراء الحداد لازالت تبث سمومها إلى يومنا، وقد حررت حول شخصه وفكره مقالات وكتب كثيرة في الآونة الأخيرة، ولا زال له أتباع يزورون قبره ويتحسرون على حرية التعبير وحرية المرأة التي يرون أنه كان شهيدهما، وما السعي إلى تطبيق قانون المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، وإلغاء قوامة الرجل التي تستميت الحركة النسوية من أجلها إلا ثمرة مرة من ثمار أفكاره، ولا زالت (المناضلات) في هذه الحركة تُرجعن إليه الفضل في تمكين المرأة في تونس.