وراء الأحداث

شمس العزة تشرق من جديد على سوريا !

أ. عبد الحميد عبدوس/

أحداث أشبه بقصص المسلسلات التي برعت الدراما السورية في صياغتها، وتفوقت على بقية البلدان العربية في إنتاجها، تجسدت عمليا على أرض الواقع السوري، وتوجت أفراحها بمختلف المدن السورية باحتفالات شعبية في «جمعة النصر». النازحون الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، خائفين مطاردين، عادوا مكللين بالمجد رافعين رايات النصر {والله يؤيد بنصره من يشاء}.

12يوما فقط كانت كافية لتغيير التاريخ السوري الحديث، وتحويل مجرى الحياة السياسية فيها بالكامل. بعد 54 سنة سقط نظام كان يبدو عصيا على التغيير والتطوير. في 27 نوفمبر 2024بدأت «هيئة تحرير الشام» بقيادة أبي محمد الجولاني (اسمه الحقيقي، أحمد حسين الشرع) انطلاقا من شمال سوريا، هجوما كاسحا، ثم التحقت به فصائل حليفة من محافظة درعا في الجنوب، واجتاح الثوار المدن السورية الكبيرة بسرعة وسهولة مدهشتين. تمكنت قوات المعارضة المسلحة من دخول العاصمة دمشق، معلنة فجر يوم الأحد 8 ديسمبر الجاري سقوط النظام السوري، بعد هروب رأسه، بشار الأسد، ولجوئه مع عائلته إلى روسيا، حليفته الأقوى في سنوات الحرب الأهلية. بدأ حكم عائلة الأسد لسوريا سنة 1970 عندما استولى الفريق، حافظ الأسد، على مقاليد السلطة في سوريا إثر انقلاب أطاح برفيقه في حزب البعث السوري، الضابط العلوي البارز، صلاح جديد، الرئيس الفعلي لسوريا، والدكتور السني، نور الدين الأتاسي، الرئيس الشكلي للبلاد.
ترك الرئيس الراحل، حافظ الأسد، في سجله السياسي بصمة دموية لا تمحى، على الصعيد الداخلي، باقترافه في شهر فيفري 1982 مجزرة رهيبة في مدينة حماة ذهب ضحيتها قرابة 40 ألف شخص وفقدان قرابة 15 ألف شخص آخرين، وترك على المستوى الخارجي، بصمة عار، لكونه أحد رموز الهزيمة العربية في 7 جوان 1967 بصفته وزيرا للدفاع، ولعجزه عن تحرير أراض سورية مازالت محتلة منذ 67 سنة من طرف العدو الإسرائيلي. استبدل حافظ الأسد حكم الأجهزة الأمنية بحكم المؤسسات، ومسك بزمام السلطة بيد من حديد لقرابة 30 سنة (22 فيفري 1971 إلى 10 جوان 2000). بعد أن وافته المنية في 10 جوان 2000، ورّث الحكم لابنه الدكتور، بشار الأسد، الذي خيب توقعات السوريين الذين علقوا عليه أمالا كبيرة لإصلاح النظام لكونه شابا متعلما درس في أرقى الجامعات الأوروبية، لكنه فضل السير على خطى والده في الطغيان والاستبداد. رقي بشار الأسد بمرسوم تشريعي بعد وفاة والده، من رتبة عقيد في الصحة العسكرية إلى رتبة فريق في الجيش. بذلك تربع على عرش السلطة لمدة 24 سنة (17 جويليه 2000 إلى 8 ديسمبر 2024). أمضى منها 13 سنة في قمع شعبه والتنكيل به بعد اندلاع شرارة المظاهرات الشعبية المعارضة لحكمه، في 2011، والتي سرعان ما تحولت إلى صراع مسلح استمر حتى 2024، راح ضحيته قرابة مليون سوري بالإضافة إلى حوالي7 ملايين نازح، وأكثر من5 ملايين لاجئ.
قبل حوالي شهر من سقوط النظام، كان بشار الأسد، يبدو في القمة العربية الإسلامية الثانية التي عقدت في شهر نوفمبر 2024، في الرياض،عاصمة المملكة العربية السعودية، كقائد منتصر أصبح متمسكا في زمام الأمور. لقد تمكن من فك العزلة على نظامه، ووضع حدا للمقاطعة السياسية التي تعرض لها من جراء تعليق عضوية سوريا في المنظمات والهيئات العربية والإسلامية. عادت دول جوار سوريا كالأردن ولبنان والعراق ومصر تقيم معه علاقات طبيعية، وأعادت الكثير من الدول الخليجية الغنية تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع نظامه، وبدا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكأنه يخطب وده قائلا: «لا يزال لدي أمل في الأسد، وما زلت آمل في أن نتمكن من الاجتماع معا لنضع العلاقات السورية التركية على المسار الصحيح». لكن سقوط نظام آل الأسد بدأ قبل سنوات كثيرة من هروب وريث النظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024 لأن هيكل الدولة السورية كان ينخره الفساد. ولأن كل ما بني على باطل فهو باطل، وكل ما فرض بالقهر والظلم فهو منهار وزائل، وان الله يمهل ولا يهمل. {وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون}.
تتابع سقوط المدن السورية بسرعة مدهشة، سقوطا فاجأ حلفاء النظام السوري، وفاجأ حتى مقاتلي المعارضة، وفاجأ المتابعين للشأن السوري الذين كان أغلبهم يعتقد أن النظام السوري سيتمكن من صد هجوم المعارضة ودحر قواتها،كما فعل ذلك في سنة 2014 وفي سنة 2016، لكن تخلي الجيش السوري عن بشار الأسد جعله يلجأ إلى خيار الهروب إلى روسيا التي شارك طيرانها في بداية هجوم المعارضة في توجيه ضربات جوية وصاروخية مركزة على ريف إدلب الجنوبي وريف حماه الشمالي. المسؤولون الروس توصلوا بعد مدة من تطور الصراع، إلى عدم جدوى الدفاع عن نظام بشار الأسد، وصرح مسؤول روسي قائلا: «ليس لدى روسيا خطة لإنقاذ الأسد طالما أن جيشه مستمر في التخلي عن مواقعه». لم يتوقف الأمر عند حد تخلي الجيش عن الدفاع عن نظامه، فحتى أهل مسقط رأسه في منطقة القرداحة الواقعة في جبال محافظة اللاذقية في شمال غرب سوريا، عبروا عن دعمهم للثوار. وقع وجهاء العلويين على بيان دعم للثورة، رغم أن بعض العلويين كانوا من اكبر المستفيدين من الحكم الطائفي لعائلة الأسد.
الترحيب الشعبي الواسع والحماس الفياض لغالبية السوريين بسقوط نظام بشار الأسد، كانا نابعين من الآثار البشعة التي تركها حكمه على غالبية المجتمع السوري. من نماذج ذلك الصور المنقولة في وسائل الإعلام عن المقابر الجماعية و الشهادات المؤلمة عن حالات التعذيب التي كانت تمارس على المسجونين في معتقلات النظام السوري، غير أن تلك المظاهرات الشعبية العارمة لم تدفع الثوار إلى الاغترار بالحماس الشعبي الذي أعقب فرحة الانتصار، لأن الحماس حالة مؤقتة ومتغيرة. لذلك سارعوا إلى إقامة حكومة إنقاذ مؤقتة مشكلة من وزراء من النظام السابق، ووزراء جدد من جماعة الثوار، لتتولى شؤون إدارة البلاد إلى غاية الفاتح مارس 2025. بعد ثلاثة أيام من دخول دمشق ،تشكلت الحكومة السورية الجديدة بعد تسليم وتسلم الصلاحيات بين رئيس الحكومة السابق في عهد بشار الأسد، المهندس محمد الجلالي، ورئيس الحكومة الجديد المعين من طرف الثوار، المهندس محمد البشير، من جل الشروع في مهام حفظ الأمن وتقديم الخدمات وحماية الممتلكات العامة والخاصة من النهب والاعتداءات التي تتم في أجواء الفوضى وغياب الأمن. قائد المرحلة الانتقالية، أحمد حسين الشرع أكد: «الالتزام بالتسامح مع من لم تتلطّخ أيديهم بدماء الشعب السوري، ومنح العفو لمن كان ضمن الخدمة الإلزامية»، في مقابل محاسبة المتورطين ممن تسببوا في القتل والتعذيب ظلما وعدوانا للمواطنين الأبرياء.
تبقى التحديات المطروحة على النظام الجديد قائمة حول إحقاق العدالة ومنع عمليات الانتقام العشوائي التي تتم خارج إطار القانون، وتحسين معيشة المواطنين وتحقيق مصالحة وطنية ووضع لبنات صالحة لإقامة دولة تتسع لكل الفئات والطوائف والحساسيات، وتضمن حق المواطنة للجميع وتوجه الجهود لتطوير اقتصاد البلاد وحماية السيادة الوطنية. وعلى قادة المرحلة الانتقالية ألا ينسوا أنه إذا كان نظام الطاغية بشار الأسد قد سقط، فإن العدو الحقيقي والوجودي لسوريا، والتحدي الاستراتيجي لكل السوريين،أي العدو الإسرائيلي، مازال قائما ومكشرا عن أنيابه ومتمسكا بأطماعه التوسعية ونواياه الاحتلالية، ولم يتأخر في إبداء عداوته وتنفيذ عدوانه السافر على سيادة سوريا وأراضيها، وقام بانتهاك الاتفاقية الدولية والموقعة في سنة 1974 واحتل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا في منطقة الجولان المحتل، واستغل فرصة انشغال سوريا بترتيب أوضاعها الداخلية بعد الثورة ليتفاخر بأنه دمر أكثر من 70% من سلاح الجيش السوري. المخزي في الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية راعية الاتفاق اعتبرت العدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية وانتهاك سيادتها الوطنية، دفاعا عن النفس. هذا يدل على أن الكيان الإسرائيلي وحاميته زعيمة الإرهاب العالمي الولايات المتحدة الأمريكية، مصممتان على أن السلاح السوري لن يستخدم مستقبلا ضد الشعب السوري، لكنه سيوجه عندما تحين الفرصة صوب العدو المحتل والمتربصين شرا بوحدة الشعب وسيادته.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com