قضايا و آراء

لا خير فينا إن نسينا (الشهيدة العالمة: ختام الوصيفي شيخة الفيزيائيين)

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/

لن نبرح غزة، وقد أتى الشتاء يحمل أثقال الأمطار والبرد والثلوج تحت خيام هشة، هي نفسها تتألم من قساوة الفصل الذي أتى هذه السنة على غير عادته …أتى حزينا مرعبا ببكاء الأطفال الجوعى، والنساء الثكالى الحائرات، والشيوخ المنكوبين … هؤلاء المؤمنون الثائرون أرادوا أن يأخذوا حقهم في الحرية، فلم يستوعب العالم الظالم هذه الرغبة الفطرية التي تعتبر من أهم مقومات الماهية الإنسانية، وأدار لهم ظهره فانفرد بهم أعداء البشر، ونكلوا بهم بكل صور العذاب، يريدون محوهم لأنهم وحدهم الذين يحملون في زماننا روح الإسلام عقيدة وشريعة …أطفالا وشيوخا ونساء.
لا خير فينا إن نسينا خيرة شباب الأمة الذين استشهدوا في غزة، والعائلات التي رحلت بأكملها، يذبحها ألم خذلان الإخوة الذين أغراهم الدولار الأمريكي والجبروت الصهيوني فباعوا الرجولة في أسواق الفساد. ولم يأبهوا بالعدد المروّع من الشهداء، الذي فشل العالم الظالم المتفرج في الحد من امتداده وهو يكبر بكل لحظات الحياة ….
ختام الوصيفي، سيدة عالمة عاملة، ولدت بتاريخ : 6 أفريل 1966م بغزة، نشأت في أرض غزة العزة وترعرعت بها، عايشت كل أنواع المضايقات والحصار التي عرفتها غزة، تحصلت على درجة الماجستير في الالكترونيات البصرية من كلية العلوم جامعة غزة سنة 2002م، وحصلت على الدكتوراه من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا سنة 2010م في الفيزياء الحيوية عن أطروحة بعنوان: تأثير الموجات الصادرة من محطات الجوال على الخلايا الحية، عرفت بكفاءتها العلمية؛ فأنجزت 60 بحثا علميا متخصصا في مجال الموجات الكهرومغناطيسية في مجلات أجنبية عالمية محكمة (منها كندا- باكستان- الهند- أمريكا- ألمانيا-تركيا- أوروبا)، مما أتاح لها الترقية إلى درجة أستاذ التعليم العالي .
. شغلت منصب رئيس قسم الفيزياء ونائب عميد كلية العلوم بالجامعة الإسلامية بغزة، كما عينت عميداً لشؤون الطلبة في الجامعة الإسلامية بداية من 3 سبتمبر 2023م إلى غاية تاريخ استشهادها وكانت رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة المداد للثقافة، التي أسست لتجسيد قيم المعرفة والنهوض بالعمل الثقافي للمرأة الفلسطينية..
ولحملها همّ بلدها، تحصلت على دبلوم الجغرافيا البشرية والاجتماعية لفلسطينيي 48 من أكاديمية المسيري للبحوث والدراسات. وحصلت على مجموعة من الجوائز منها:جائزة البحث العلمي لعام 2017م من الجامعة الأردنية، وجائزة امرأة فلسطين لسنة 2022م.
لم يثنها تخصصها العلمي الدقيق عن العلوم الشرعية، فهي خاتمة لكتاب الله و تعمل بمجال الدعوة، لها نشاط لا يتوقف في الأعمال الخيرية والمشاركة في الملتقيات العلمية الدقيقة في تخصصها وفي العلوم الإسلامية وفي مجال التنمية البشرية.
عاشت ختام الوصيفي منتمية لفلسطين عقلا وروحا وعملا؛ تقول: فلسطين هي العقد الفريد الذي جمع شتات هذه الأمة، وهي الهوية الجامعة ومعقد الآمال ونموذج لتحدي الاستكبار … أنتمي لفلسطين المظلومة التي كادوا لها وألقوها في بئر عميق، وأدخلوها السجن وزينوا لها الحلول السياسية ولكن عسى الله أن يحق الحق ويمكّنها في الأرض.. أنتمي للإنسان الفلسطيني المقهور الذي يذيقه الاحتلال العذاب المادي والمعنوي، أدعم نضاله بكل ما أوتيت من قوة ..أنتمي للشباب المجاهد المبدع الذي غير معادلة الصراع وأنتمي للشيخ الصبور الذي سلمنا مفتاح العودة. كل الحب والوفاء والتقدير للمرأة المعطاءة وللجريح ذي الحماسة والاسير الذي سبقنا بالفضل، وللشهيد الحبيب كل الفضل. فلسطين تجمعنا والعودة تجمعنا.
أما عن حياتها الاجتماعية فقد عاشتها العالمة الشهيدة مستقرة سعيدة مع زوجها «أ.د. محمود خليل أبو دف» المتخصص في التربية، وقد رزقهما الله سبعة أبناء، كانوا متفوقين في دراستهم يسيرون على درب والديهم.. كانت شيخة الفيزيائيين ناجحة بكل مقاييس النجاح الأسري، وحين سئلت عن السر في ذلك، قالت: إنَّ بناءَ العائلة أمانة كبيرة يصطفي الله بها عباده، فأساسُ التَّربية التي اتخذتُها منهجًا لأبنائي تقوم على أسسٍ ثلاثة: القيم الأخلاقية الإسلامية وتأدية الفرائض الدينية، وغرس أهمية العلم والتَّعلُّم، وتهيئتِهم للجهاد في سبيل الله. وهذه الأُسس يكمّل كل واحدمنها الآخر، فنحن لا نريد فتاة أو شابًا مصليًا فقط، ولا مصليًا وذا أخلاقٍ فاضلة فقط، وإنَّما إلى جانب هذه وتلك، نريد جيلًا مجاهدًا يسعى لتحرير أرضه، ومقدساته بالعلم والتفوق والتربية.
رحم الله الشهيدة ختام وأبنائها وزوجها، الذين ارتقوا شهداء بإذن الله يوم 1ديسمبر 2023م . «المجد والخلود لشهداء غزة، والنصر القريب للأحياء فيها …يا رب».

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com