إيمانويل ماكرون يقود فرنسا نحو الانهيار؟ !

أ. عبد الحميد عبدوس/
تندفع فرنسا في عهد الرئيس اليميني إيمانويل ماكرون نحو انهيار سياسي وانهيار اقتصادي، حيث أثبت الرئيس ماكرون بعد 7 سنوات من حكمه، أنه أسوأ رؤساء الجمهورية الخامسة الفرنسية، بل إنه تمكن من تخطي الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي في درك السوء والفشل في الحكم.
بعد 62 سنة من التاريخ السياسي الفرنسي، عادت السلطة في فرنسا إلى البرلمان الذي أسقط حكومة ميشال بارنييه اليمينية يوم الأربعاء 4 ديسمبر الجاري، بعد أقل من 3 أشهر على تشكيلها لتكون بذلك أقصر حكومات الجمهورية الخامسة عمرا. سحب الثقة من الحكومة تم بأغلبية كبيرة. جاء رداً على تفعيل رئيس الحكومة للمادة 49.3 من الدستور لتمرير قانون ميزانية 2025 دون مصادقة نواب البرلمان عليها. يخول الدستور الفرنسي للبرلمان حق حجب الثقة عن الحكومة عبر آليتين، أولاها: رفض خطاب سياسة الحكومة الذي يقدمه رئيسها عند تسلمه المنصب. والآلية الثانية: إذا استخدمت الحكومة المادة 49.3 من الدستور لتمرير قوانين دون موافقة البرلمان.
في 4 أكتوبر 1962 تعرضت حكومة جورج بامبيدو الخارجة من هزيمة تاريخية في حربها ضد الجزائر، لحجب الثقة في البرلمان بسبب تبني الحكومة لدعوة الرئيس شارل دوغول إلى انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام (التصويت الشعبي) بدل انتخابه في البرلمان عن طريق أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ. لكن الرئيس شارل دوغول كان يمتلك آنذاك،ورقة حل البرلمان، وهو ما قام به فعلا وحصل تياره السياسي (الديغوليون) على الأغلبية في البرلمان ما سمح له بإعادة بتكليف بومبيدو لتشكيل حكومة جديدة .أما الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، فقد خسر ورقة حل البرلمان بعدما استخدمها في شهر جوان الماضي (2024) بالدعوة إلى انتخابات تشريعية مسبقة في فرنسا، بعد فوز اليمين المتطرف بالأغلبية في الانتخابات الأوروبية، وعليه لا يملك ماكرون صلاحية حل البرلمان من جديد قبل شهر جويليه القادم (2025).
إذا كان نواب تحالف اليسار والخضر تحت لواء «الجبهة الشعبية» الجديدة الذي يضم 193 نائباً بقيادة حزب «فرنسا الأبية» للزعيم السياسي جان لوك ميلانشون ،هم من تقدموا بمذكرة حجب الثقة عن الحكومة، فإن العامل الحاسم في سقوط حكومة ميشال بارنيه اليمينية تمثل في تصويت نواب حزب «التجمع الوطني» ممثل اليمين المتطرف الذي يضم 141 نائباً على مذكرة حجب الثقة، مما رفع عدد النواب المصوتين لصالح إسقاط الحكومة إلى 331 نائبًا، من أصل 574 نائبا. تصويت حزب مارين لوبان اليميني المتطرف إلى جانب نواب «الجبهة الشعبية» اليسارية، جعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يشعر بالخيانة، ويتهم مارين لوبان «بـممارسة خبث لا يحتمل». حمل ماكرون ما أسماه «الجبهة المضادة للجمهورية» التي تضم ـ حسب قوله ـ «اليسار المتطرف واليمين المتطرف»، مسؤولية إسقاط الحكومة. تصويت حزب مارين لوبان غير المتوقع، أدخل إيمانويل ماكرون، في أزمة سياسية خطيرة، وهو الذي بذل مساعي متواصلة وقدم تنازلات كبيرة للتقرب من تيارها اليميني المتطرف.وظل متمسكا في عهدته الرئاسية الثانية بخيار التقرب من اليمين المتطرف.
بعد تصدر تحالف اليسار نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت من 30 جوان إلى 7 جويليه 2024 حوّل الرئيس ماكرون بصلاحياته الدستورية الفائزين في الانتخابات إلى خاسرين ،وحول الخاسرين الذين رفضتهم غالبية الأصوات الانتخابية إلى فائزين. لقد بذل الرئيس ماكرون كل ما في وسعه لإبعاد، لوسي كاستيه، مرشحة اليسار لتشكيل الحكومة. وفقًا للدستور الفرنسي، يملك الرئيس صلاحية تعيين رئيس وزراء يختاره بنفسه، ولكن وفقًا للتقاليد السياسية المتبعة، يتم اختيار رئيس الوزراء من الحزب أو التحالف الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات، لكن الرئيس ماكرون اختار التمترس في معسكره اليميني، وعيّن مرشح التيار اليميني، ميشال بارنييه، لتشكيل الحكومة. كان لزعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، نفوذ كبير في اختيار وزراء حكومة ميشال بارنيه.
المفارقة أن الرئيس ماكرون كان قد لجأ في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية المسبقة إلى الانضمام إلى تكتل «الجبهة الجمهورية» المكونة من قوى اليسار، والوسط، واليمين الجمهوري، من أجل قطع طريق حصول تحالف اليمين المتطرف على الأغلبية في البرلمان. وتجسد هذا التحالف في انسحاب 221 مرشحًا، من بينهم 83 من معسكر الرئيس ماكرون، و132 من تحالف اليسار والخضر، في جولات الإعادة الثلاثية لهزيمة مرشح اليمين المتطرف. بذلك تم تفادي حصول اليمين المتطرف على الأغلبية المطلقة في الدور الثاني، كما تمكن الرئيس ماكرون بفضل هذا التحالف من إنقاذ تياره السياسي «معا» الرئاسي، من الغرق الانتخابي، وتفادي تكرار خيبته الانتخابية التي حصدها في الجولة الأولى التي قالت عنها مارين لوبان إن: «معسكر ماكرون تم محوه عمليا». لكن من تناقضات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونهجه الانتهازي، أنه بعد مساهمة اليسار في إسقاط الحكومة، أصبح يدرج تحالف اليسار، شريكه السابق في «الجبهة الجمهورية»، في خانة «الجبهة المضادة للجمهورية».
اللافت للانتباه أن تبدل المزاج السياسي لحزب اليمين المتطرف تجاه حكومة ميشال بارنيه، حدث بعدما طالبت النيابة العامة الفرنسية، في شهر نوفمبر الماضي، بإنزال عقوبة السجن خمس سنوات على مارين لوبان، ومنعها من تولي مناصب رسمية للمدة ذاتها، ما يهدد طموحها الرئاسي لعام 2027، بسبب قضية تتعلق باختلاس أموال البرلمان الأوروبي. جوردان بارديلا، رئيس حزب «التجمع الوطني» وصف اتهام زعيمة الحزب مارين لوبان بأنه «انتقام سياسي». ولم تفوت مارين لوبان فرصة الأخذ بثأرها من الحكومة في أول فرصة سنحت لها في التصويت على مذكرة حجب الثقة عن الحكومة.عندما قدم تحالف اليسار إلى البرلمان في 8 أكتوبر الماضي (2024) مذكرة حجب الثقة عن الحكومة اليمينية أكد حزب «التجمع الوطني» أنه لن يساند مبادرة حجب الثقة، وقالت نائبة عن الحزب: «الوضع خطير بما يكفي كما هو حتى لا نقدم على حجب الثقة عن هذه الحكومة».
لم يكن سقوط أول حكومة شكلها ماكرون بعد الانتخابات التشريعية المسبقة في ظرف قياسي، وعجزها عن تمرير ميزانية 2025، في بلد تجاوز فيه الدين العام 3 تريليونات يورو، أول كبوة سياسية للرئيس ماكرون، حتى أن أغلب الفاعلين السياسيين أصبحوا يرون أن الحل لن يأتي من ماكرون، لأنه هو المشكلة الأولى للسياسة الفرنسية، وأن رحيله هو مفتاح تجاوز الانسداد السياسي. لكن الرئيس ماكرون أكد في أول خطاب له بعد سقوط الحكومة أنه متشبث بالكرسي، ومصر على البقاء في منصبه، قائلا: «الشعب الفرنسي انتخبني مرتين. أنا فخور جداً بذلك وسأحترم هذه الثقة بكل طاقتي حتى الثانية الأخيرة لأكون مفيداً للبلاد». يبدو أن الرئيس ماكرون يرفض بشدة أمرين اثنين أولهما الاستقالة من منصبه، والأمر الثاني الابتعاد عن معسكر اليمين المتطرف. ورغم أنه لم يكشف في خطابه عن رئيس الحكومة الجديد الذي سيختاره بعد استقالة ميشال بارنيه، إلا هناك بعض التسريبات المتداولة تلمح إلى نيته في تكليف وزير الدفاع، سيباستيان لو كورنو، باعتباره يحظى بقبول مارين لوبان. السفيرة السابقة سيلفي بيرمان، اعتبرت أن: «التوتر السياسي الداخلي أثَّر سلباً على صورة فرنسا في العالم. وأعطت الاحتجاجات الشعبية والإضرابات المتواصلة العالم الانطباع بأننا فقدنا السيطرة على الأوضاع، فكيف نقنع غيرنا إن لم نعد نمثل القدوة الحسنة؟ في المغرب العربي فشلت فرنسا في الحفاظ على علاقات متوازنة بين الرباط والجزائر».
في عهد ماكرون تحولت إفريقية من حديقة خلفية للنفوذ الفرنسي، إلى قارة تغلي بالتمرد والغضب لنظام فرنسا الاستغلالي والرفض لبقاء قواتها العسكرية فوق أراضي الدول الإفريقية. حتى أن ماكرون أعلن أن «عصر أفريقيا الفرنسية انتهى». وزير المالية الفرنسي شبه فرنسا بـ: «طائرة ركاب تحلق على ارتفاع عال معرضة لخطر التعطل».