الدروس الخاصة: حل أم مشكلة؟

أ. عيسى جرادي/
أحيانا.. قد يفرض علينا الواقع نفسه ونرضح لأحكامه ونسلم بسلطانه علينا.. لا لأنه الوضع السليم.. أو لكونه الخيار الوحيد المتاح.. بل لأنه التيارالجارف الذي لا نملك صده أو تجاوزه.. فنسقط تحت تأثيره.. وربما جرفنا إلى حيث يريد هو.. لا حيث نريد نحن.. وهذه قصة الدروس الخاصة.. عندما نتناولها من زاوية الواقع الذي أنتجها لكنه ما عاد يتحكم فيها.
فما يمكن وصفه بالمدرسة الموازية.. تقبّلها المجتمع باعتبارها أمرا واقعا لا مناص منه.. ولم نلمس أي مبادرة لدراسة وتشخيص التأثيرات – مهما كانت طبيعتها – التي تلحقها بالمدرسة النظامية (العامة والخاصة).. المحضن الطبيعي للتلميذ وليس العكس.. فجرى التسليم بوجود هذه المدرسة.. ولم يعد يتحدث عنها أحدٌ إلا من بعض التصريحات التي لا تغني في شيء.
في الماضي، كانت هذه الدروس تقدَّم في البيوت وفي نطاق محدود للغاية.. وقبل ذلك لم تكن موجودة أصلا.. فكيف طفت على السطح؟ وكيف نمت باعتبارها ظاهرة طاغية تملك تأثيرا بالغا على الوسط المدرسي؟ وهل من مزايا بيداغوجية أو تربوية توفرها مما يغيب عن المدرسة العمومية؟ وهل من فرصة لضبطها وتأطيرها؟ وقبل ذلك كله.. هل هي حل لمشكلة أو مشكلات تصطدم بها المدرسة النظامية.. أم إنها ترسيخ لمشكلات لم تكن قائمة من قبل؟
هذا ما سأحاول الإجابة عنه.
أما من حيث كونها مشكلة.. فهذا واقع يؤكده ما يلي:
1. تقضم وتتمدد على حساب المدرسة النظامية.. فكأنها تنخر في جسم هذه المدرسة الذي يفرغ من الداخل.. وقد ينتهي بها الحال إلى فقدان القدرة على الحياة.. وبسبب ذلك قد تستقر المدرسة العمومية خاصة على هامش الوسط التربوي.. ومن ثم يتسنى التفكير في”خوصصتها” باعتبارها مدرسة عاجزة.
2. تفرض منطقها الخاص على الجميع.. بوصفها المدرسة التي توفر ما هو مفقود في المدرسة النظامية (العامة والخاصة).. دون أن يتأكد أحد من ذلك .. فالصف الذي ينتظم عشرات التلاميذ وفي فضاء غير مرتب لا يمكن ان يكون أكثر فعالية من غيره.. لكنها – رغم ذلك – نجحت في ترسيخ الانطباع لدى التلاميذ.. بأن نجاحهم مرهون بالانتساب إليها .
3. العامل البيداغوجي الوحيد الذي يراعى في نشاطها.. هو أن تنسجم دروسها مع المنهاج الرسمي لا أقلّ ولا أكثر.. وما عداه فهو خارج نطاق الاهتمام.. فهي لا تخضع لأيةِ رقابة رسمية صحية أو تربوية، أو حتى أمنية.. أعني ما تعلق منها بالحوادث المدرسية.. ولا تخضع لأي ضابط قانوني من حيث الترخيص لها.. فهي موجودة وكفى.
4. على مستوى الجدوى البيداغوجية .. تضم أفواجا بتعداد أشبه بالمدرَّج الجامعي.. ولنا أن نتصور جدوى تقديم دروس دعم لأفواج بهذه الضخامة.. إلا أن تكون سمعة الأستاذ هي ما يجلب التلاميذ لتبقيهم أسرى وضع غير طبيعي.. أقرب إلى الوهم منه إلى فائدة تُجنى حقيقة.
5. إثقال كاهل العائلات التي سجّلت بندا جديدا في لائحة نفقاتها الشهرية.. فتنتهي العائلة إلى الانخراط في العملية طائعة أو مكرهة.. خاصة وأنها لا تقتصر على تلاميذ أقسام الامتحانات الرسمية.. بل تسربت إلى كل المستويات دون استثناء.. من الابتدائي إلى الثانوي.
6. استنفاد جهد الأساتذة الذين ازداد ارتباطهم بها على حساب وظيفتهم الأصلية.. مع الشروع في إفراغ المدرسة النظامية ابتداء من شهر جانفي من كل موسم دراسي.. لتبدو هذه الأخيرة خالية وكأنها في عطلة مسبقة!
هذا على مستوى ما يسجل من سلبيات وتحديات تفرضها هذه المدرسة .. فهل من إيجابيات يمكن الاحتجاج بها لتبرير وجودها و استمرارها؟
ما يمكن التفكير فيه غير موجود.. فمن زاوية الحرية الشخصية.. لا أحد يحظر على غيره أن يتلقى دروسا خاصة في بيته.. أو في أي مكان مناسب.. غير أن هذه الحرية تتحول إلى لون من القيد الذي يوضع في معصم التلميذ دون أن يراه.. فلو أمكن ضبطها في الفضاء العام (مقرات الجميعات حيث تقدم عادة).. ربما أمكن الاستفادة منها.. سواء من حيث اختيار الأساتذة وتحديد تلاميذ الفوج بحيث لا يتجاوزن العشرة على سبيل المثال.. وتوفير مكان مناسب .. وكف تأثيراتها السلبية على المدرسة العمومية خاصة (ما ذكرته سابقا).
وإلى أن ننتبه إلى هذه المدرسة.. في مقابل ما تكابده المدرسة النظامية من متاعب جمة (ليس هذا مجال ذكرها) .. سنكون مضطرين للتسليم بهذا الأمر الواقع .. ولا نرى في ذلك انهزاما.. بل سعيا في استثمار ما هو إيجابي في هذه المدرسة.. و تجاوز ما هو سلبي منها أو الحد منه – على الأقل.