مع المصلح والمجاهد وتلميذ ابن باديس ونبراس الأوراس الشيخ عمر دردور (1913-2009م) وذكرياتي معه في تونس، والقاهرة بالخصوص

أ.سعدي بزيان/
عرفت الشيخ عمر دردور في قسنطينة وأنا تلميذ في معهد ابن باديس، وكان الشيخ عمر يزور ابنيه: عبد المجيد الذي كان معنا في المعهد، وعبد الحميد الذي كان يدرس في معهد تخريج القضاة والمترجمين في قسنطينة، وعندما التحقتُ بجامع الزيتونة بتونس التقيت به لقاء عابرا، وفي لقاءات قصيرة، وتمضي الأيام والشهور وألتحق بالقاهرة في سبتمبر 1958 بوسائلي الشخصية وبدون جواز سفر، معتمدا في ذلك على دليل ليبي يعرف الصحراء وجغرافيتها، وتعهد بإلحاقي بمدينة مرسى مطروح، إحدى المدن الساحلية المصرية، مقابلة ثلاث جنيهات ليبية، وكان الجنيه الليبي أقوى العملات العربية، ووصلت إلى القاهرة بأمن وسلام، برعاية الله وسلامته، ومعي عنوان الشيخ عمر دردور الذي التحق بالوفد الخارجي للجبهة، وكان له مكتب في 32 شارع عبد الخالق ثروت، وهو مكتب سابق لتحرير المغرب العربي في القاهرة، وفي قلب القاهرة، وقد أوصلني إليه أحد طلابنا في الأزهر، الذي كان يقيم في «رواق المغرب» بالأزهر الشريف، ورحّب بي الشيخ عمر دردور أشد ترحيب، واستضافني في منزله أكثر من مرة، وصادف في أحد الأيام أن كان معنا ضيف آخر، وهو المرحوم محمد العموري، رئيس الولاية الأولى «أوراس النمامشة»، وكان قد سبق لي أن التقيت به في تونس وهو خارج من إحدى الفنادق بباب السويقة، وضرب لي موعدا في شارع الصادقية حيث المركز الأساسي لجبهة التحرير، وقبل الاتجاه إلى المركز أعددت رسالة لأسلمها لمحمد العموري، الذي تعرفت عليه في معهد بن باديس بقسنطينة، حيث كنا ندرس سويا، ولو أنه سبقني إلى المعهد بسنتين، وهو على ما يذكر منخرط في «حزب الشعب P.P.A» بقيادة مصالي الحاج، وقد توجهت إلى مركز القيادة حاملا معي رسالة شخصية أطلب فيها منحي رخصة الالتحاق بالقاهرة لمواصلة دراستي، وعندما وصلت إلى المركز سلمت الرسالة إلى البواب ليسلمها لمحمد العموري، وسلمها له، وأنا في الانتظار في قاعة الاستقبال حوالي ربع ساعة، دون جواب بالاستقبال أو عدم الاستقبال، وفجأة لاحظت خروج العموري، فقلت للبواب هل سلمت له رسالتي، أجاب نعم، ولكن لم يأذن لك بالاستقبال، وتأسفت لهذا الموقف الغريب.
وعند لقائي إياه على مائدة الشيخ عمر دردور قال لي: «ألم أتركك في تونس؟»، أجابه الشيخ عمر دردور جاءك إلى المكتب ولم تستقبله، وهو ما أكده لي شخصيا، وشعر بالخجل، وقد غادر منزل الشيخ مباشرة بعد أن سلّم لي مبلغ 5 جنيهات مصرية وبطاقة شخصية فيها عنوان إقامته في «الفندق الكبير» بشارع 26 جويلية في قلب القاهرة، فلم أزره، المهم أنني بقيت طيلة إقامتي بالقاهرة حوالي 3 أشهر، وكل يوم تقريبا أزور الشيخ عمر دردور، وفوجئت ذات يوم وأنا معه في مكتبه، بكوكبة من المباحث المصرية تدق باب مكتب الشيخ عمر، ولما فتح الباب بادره هؤلاء «هل معك محمد العموري؟»، أجابهم الشيخ عمر على ما أذكر أنني لم أره منذ مدة، وفي تلك الأثناء كان قد غادر القاهرة إلى تونس لتنفيذ مخطط كاد يعصف بالوضع تماما، وانتهت حياة العموري فيما سمي بـ»مؤامرة العقداء»، حيث أًعدم ومجموعة من ضباط ولاية الأوراس، رحم الله الجميع.
وقد توجهت في تلك الأثناء إلى سوريا، وقبل ذلك كان الشيخ عمر دردور قد نظم لي لقاء مع وزير الثقافة الشيخ توفيق المدني، على أمل تزويدي برسالة إلى رئيس مكتب جبهة التحرير بدمشق مع حق تذكرة السفر، فلا هذا ولا تلك، خرجت من عند توفيق المدني «بخفي حُنين» كما يقال، وسافرت إلى دمشق ولا أعرف أي مصير كان ينتظرني ذلك أنني لست من أفراد البعثة، وإن توفيق عاتبني على ذلك، وقال لي: «لو أننا نفتح طريقا لكل من هبّ ودبّ من الطلبة للالتحاق بالمشرق، فكيف نستطيع توفير أماكن لهم، والحصول لهم على منح للدراسة»، المهم وصلت إلى دمشق، واستقبلني رئيس المكتب الشيخ محمد الغسيري زميل عمر دردور في قسنطينة، حيث درسا معا على ابن باديس بجامع سيدي قموش، وجامع الخضر، ولاحظت أن الغسيري وجد نفسه محرجا، فلا يريد أن يتصرف بدون رسالة من توفيق المدني، وخاصة وأنا من نفس المنطقة مع الشيخ، بل ومن نفس البلدية، وخشي أن يُتهم بالجهوية، كما شعرت بذلك شخصيا، الخلاصة أن نائبه الأديب والشاعر والمجاهد أحمد معاش تولى تسوية قضيتي وألحقني بأفراد البعثة مع كامل الحقوق، إلى أن غادرت دمشق إلى القدس، فبغداد.
الشيخ عمر دردور مسيرة نضال وسيرة مجاهد:
فالشيخ عمر رحمه الله ينتمي إلى أسرة الزاوية الدردورية، التي جمعت بين الاصلاح والجهاد، وقد خصصت له صفحات في كتابي «شاهد على ميلاد الحركة الاصلاحية لجمعية العلماء في الأوراس، وكان هو والشيخ مسعودان الحركاتي، الذي كان أول شخصية أوراسية شاركت في تأسيس جمعية العلماء، وهو الذي كلفه بن باديس بتأسيس شُعب لجمعية العلماء في باتنة بالنسبة للشيخ الطاهر مسعودان الحركاتي، وفي باقي الأوراس للشيخ عمر دردور، رحمهم الله تعالى معا، وقد تعرض الشيخ عمر دردور لمضايقات شديدة من طرف حاكم أريس، الذي أعدّ ضده مؤامرة يتهم فيها الشيخ عمر دردور بأنه في أحد الاجتماعات سبّه وشتمه، وها هو أحد زملائه وهو الشيخ حمزة بوكوشة رفيق بن باديس واحد مساعديه، يكتب عنه مقالين في جريدة «البصائر»، المقال الأول بعنوان «يوم بحث الشيخ عمر دردور»، «البصائر» 29 سبتمبر 1937م، والمقال الثاني بعنوان «الشيخ عمر دردور في السجن»، وكان الشيخ عمر دردور في هذا الأثناء يشغل معتمد جمعية العلماء في الأوراس، وكانت السلطات الفرنسية قد ألقت القبض عليه بتهمة سب الحاكم في إحدى خطبه، وهي تهمة ملفقة، أريد بها القضاء عليه، والحركة الإصلاحية في المنطقة الأوراسية.
وما إن علم بن باديس بالقضية، وبالمؤامرة ضد أحد أعمدة الإصلاح في الأوراس، حتى أسرع إلى زيارة باتنة، وألقى فيها درسا، وتابع المحاكمة باهتمام مع محاميين له، أحدهما وهو المحامي إبراهيم غريب، ومحام آخر من العاصمة، وقد تأكد أن جميع الشهود الذين اعتمدت شهادتهم ضد الشيخ عمر دردور تراجعوا عن شهادتهم في حق الشيخ عمر.
الشيخ عمر الدردور كان واحدا من الذين أعدوا واستعدوا لثورة نوفمبر، ومعه الشيخ الأمير صالحي، وذلك تحت قيادة أسد الأوراس الشهيد مصطفى بن بولعيد رحمه الله، ولما حامت الشبهات حوله وعلم أن هناك نية في إلقاء القبض عليه، التحق بالجزائر العاصمة، وأُعد له ملف طبي، والتحق بفرنسا، وأقام بمعية مناضلين من المنطقة، بجهود معتبرة قصد دعم المجهود الحربي في الجزائر، وما يتطلبه ذلك من جمع المال لشراء السلاح، وإعانة عوائل المجاهدين، وكان ذلك قبل التحاقه بالقاهرة للانضمام إلى الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء، الذي التحق بالقاهرة سنة 1952، قصد طلب مِنح للطلبة الجزائريين للالتحاق بالثانويات والجامعات العربية، وحقق في ذلك نصرا مبينا مدعما من أحد أقطاب جمعية العلماء، كما كان داعيا لثورة نوفمبر 1954 وسفيرا لها، وهو الداعية والمناضل، الشيخ الفضيل الورتلاني الذي التحق بالقاهرة سنة 1938، وأسس مكتبا خاصا لجمعية العلماء في شارع شريف باشا حيث كان يقيم الإبراهيمي، يشاركهم في هذا الجهاد الشيخ عمر دردور، الذي أنيطت له مهمة الاهتمام بالطلبة وبمالية جبهة التحرير، وقد نظم لي لقاء خاصا مع وزير الثقافة في الحكومة المؤقتة الشيخ احمد توفيق المدني، على أمل الحصول منه رسالة منه لرئيس مكتب دمشق الشيخ محمد الغسيري، الذي خلف الأخ عبد الحميد مهري، ومع الأسف لم يزودني لا برسالة، ولا بمنحي بطاقة السفر إلى دمشق، فتدبرت أموري، وكنت قبل التحاقي بدمشق قد تكفل بي صديقي عمر قالة، وهو من مدينة منعة، ودرسنا سوية في معهد ابن باديس، وكنا نراجع دروسنا في بيت الصلاة في داخل المعهد، وأحمد الله الذي لم يخيب جهودي، فقد التحقت بدمشق وحصلت على دعم من نائب رئيس مكتب جبهة التحرير في العاصمة السورية، التي أصبحت بعد فترة تعتبر عاصمة الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة، ومصر عاصمة الإقليم الجنوبي.
الشيخ عمر دردور لم يلق سلاح الجهاد إلى أن بلغ من الكبر عتيا، وتحقق استقلال الجزائر ليبدأ كفاحًا آخر، بعد أن طاف بلدان المشرق العربي، وليبيا، مع وفود الجبهة، ويجد القارئ مزيدا من التفاصيل حول مشاركة الشيخ عمر طردور مع وفود الجبهة في رحلاتهم إلى دمشق، وبغداد، والسعودية، والكويت، طالبين الدعم للثورة، وقد سجل الأستاذ توفيق المدني في مذكراته كل هذا بالتفصيل، وتوفيق المدني هو أكثر شخصيات جمعية العلماء في التدوين، ومذكراته في 3 أجزاء خير دليل على ذلك، وكُتب، ودراسات أخرى.
الشيخ عمر دردور والدفاع عن الإسلام، وبالإسلام انتصرنا:
كان دعاؤنا ونحن في غمار الجهاد ضد عدو يملك من السلاح ما لا نملكه نحن، قول الله سبحانه وتعالى: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾.
كفاح الشيخ عمر دردور بعد الاستقلال، وما قام به من جهد في إنشاء المعاهد الإسلامية، ولمزيد من التفاصيل دور الشيخ عمر دردور في إنشاء المعاهد الإسلامية في الجزائر يراجع كتاب الباحث لحسن بوعلجية، مؤلف كتاب «الشيخ عمر دردور: سيرة ومسيرة»، منشورات دار الهدي، عين مليلة، ولاية باتنة، الجزائر.