حصار دولة قطر يتهدد العرب كلهم بالخطر /…بقلم/ أ. محمد العلمي السائحي
إن ما يحدث من صراع وشد وجذب بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وبين دولة قطر من جهة ثانية بقدر ما هو مؤسف، هو مؤلم ومحبط إلى جانب كونه مخيفا، أما كونه مؤسفا، فلأنه صراع بين أبناء بيت واحد يعيشون على رقعة جغرافية واحدة، وما يجمع بينهم أكثر بكثير مما قد يفرق، ولأنه جاء في ظرف بالغ الحساسية، يدعو إلى وحدة الصف لا إلى تمزيقه، خاصة والتحالف يخوض حربا شرسة في اليمن مع الانقلابيّن من الحوثيين والمخلوع علي عبد الله صالح، الذين تمدهم إيران بالمال والسلاح والدعم السياسي، ليكون لها موطئ قدم في اليمن، مما يسمح لها بتهديد السعودية مباشرة. وهو مؤسف لأنه استدرج دولا شقيقة إلى هذا الصراع وهي لا ناقة لها ولا جمل فيه، مثل الأردن وموريتانيا، وفرض على الدول العربية المستهدفة أصلا، الدخول في صراع سينهك قواها ويشغلها عن مواجهة الأخطار الحقيقية التي تتربص بها بهذا الصراع الزائف الذي يصمها بالعار، ولا يحقق لها أي مجد أو فخار.
وهو مؤلم لأنه صراع بين أشقاء، بعضهم كبار مع شقيق صغير، ما كان يجب أن يكون، لأن واجب الأخ الكبير أن يحمي أخاه الصغير لا أن يتعسف معه ويتطاول عليه ويرهبه، وحتى لو افترضنا أن هذا الأخ الصغير قد اشتط وتمرد، كان ينبغي أن نستعين عليه بعقلاء القوم، ليناقشوه ويبينوا له خطأه ويبصرونه بعواقب ركوب رأسه واتباع هواه، لا أن نفرض عليه حصارا لا يفرضه العدو على عدوه.
وهو مؤلم لأنه كشف للغرب وللعرب على حد سواء، أننا لسنا على قلب رجل واحد كما كنا ندعي، وإلا كيف نذهب إليهم لنستجديهم عونهم على حصار من هو محسوب علينا، ومنتمِ إلينا، وأبان للعرب هشاشة ما كنا نعتبره سداة ولحمة بيننا من لغة ودين وتاريخ مشترك.
وهو محبط لأنه عصف بآمال الشباب العربي الطامح إلى وحدة تجمع الشتات، وتسمح بالتصدي للأزمات، وتدارك ما بدر منا من أخطاء فيما تقدم وفات.
وهو محبط لأنه كشف عن قصور الفهم لدى ساستنا وحكامنا، وأنهم لا يفكرون فيما هو أبعد من كراسيهم وعروشهم، في حين كان يفترض فيهم أن يمتد تفكيرهم إلى ما هو أبعد من ذلك، ولو فعلوا لتبين لهم أن قطر بمثابة لبنة في سور الأمة العربية، إن نزعت من مكانها أضعف نزعها السور وأوهنه، وهم بحكم موقعهم من المسؤولية، كان يجدر بهم أن يقدموا مصلحة الأمة، على مصلحة الشّلة واللّمة.
أما كونه مخيفا فلأنه يثير في النفس مخاوف شتى على مستقبل هذه الأمة، التي توالت عليها الأحداث من كل جانب، حتى باتت عاجزة تماما عن التمييز بين ما ينفعها ويضرها، فالشعوب كانت تتوقع من ساسة المنطقة وقادتها، أن يكونوا أكثر حصافة وينصرف تفكيرهم إلى البحث عن حلول للأزمات التي أطبقت على المنطقة، والمتمثلة في الفتن والحروب التي شبت فيها، والتي باتت تهدد بتمزيقها وتقسيمها إلى كيانات طائفية وعرقية مجهرية لاحول لها ولا قوة، ولا قدرة لها على نفع صديق أو صد عدو بغيض صفيق، كيانات تبقى رهينة صراع تغذيه العوامل العرقية والطائفية التي قامت عليها أبد الدهر.
إن النخبة من قادة العرب وساستهم اليوم أمام مسؤولية تاريخية، لابد لهم أن ينهضوا بها، وهي أن يبادروا لوضع حد لهذا الصراع البغيض، الذي يهدف إلى تمزيق الصف العربي، وأن يتولوا بأنفسهم حسمه، ولا يسمحوا للأجنبي بالتدخل ودس أنفه في شؤوننا سواء أكان ترامب أم غيره، وقد رأينا ماذا حل بالعراق التي غزت الكويت، فاستعين ببوش لنجدة الكويت، فضاعت العراق بل كل المنطقة معها، فلنعد إلى الرشد إذن، ونحل مشاكلنا بأنفسنا ولا حاجة لنا بالغير، فإن الغير يقدم مصالحه على مصالحنا، ولنرأب الصدع مع دولة قطر، قبل أن تشتد الأزمة ويستفحل الخطر…
خاصة وهم يعلمون أكثر من غيرهم، أن المستهدف من وراء هذا الصراع المفتعل، إنما هو القضية الفلسطينية، قضية الأمة العربية المركزية، فغاية هذا الصراع هو محاصرة المقاومة الفلسطينية وتجريدها من الدعم والسند حتى تخضع وتستكين، أم ترانا نسينا أن )ترامب( أعلن في القمة الأخيرة التي حضرها في السعودية، عن تصنيفه لحركة حماس حركة إرهابية، وإذن فإن تخلينا عن دولة قطر، في هذا الحصار، هو تخل عن القضية الفلسطينية، وطعن في الظهر للمقاومة المسلحة، فلنختر إذن مع من نقف. مع العدو الغادر اللدود، أو الشقيق الذي يحمي الدمار ويحرس الحدود؟
فلنعي إذن أن حصار قطر يتهدد العرب كلهم بالخطر…