فتاوى

كيف يتعامل المسلم مع اختلاف العلماء في المواقف

الشيخ محمد مكركب أبران
mohamed09aberan@gmail.com/

الفتوى رقم:740

الســــــــــــؤال
قال السائل: مما زاد المسلمين حيرة وتفرقا في هذا الزمان: اختلاف بعض العلماء، المحسوبين على الساحة الإسلامية، فأين يقف المسلم من هذه الاختلافات؟؟ قال السائل: أنا طالب في الجامعة، ماذا أفعل؟ وأنا أرى الدعاة يختلفون؟

الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: الاختلاف مهما كان فهو مذموم: فإذا كان بين العلماء، أو بين الأمراء، فهو أشد مَذَمَّةً وأسوأُ سوءاً، وأشد خطرا وخسارة، على الشعوب المسلمة. قال السائل: (اختلاف بعض العلماء، المحسوبين على الساحة الإسلامية، فأين يقف المسلم من هذه الاختلافات) فالمسلم أصلا لا يقف مع أي من المختلفين، فإذا كان الأصل في العلماء أنهم يدعون إلى التآخي، والتعاون، والحوار بالكلمة الطيبة، وبالتي هي أحسن، ثم هم يتبادلون التهم والقدح والتجريح والاتهام لبعضهم، مع السخرية والاستهزاء ببعضهم، فكيف يُسمع لهم؟ ويُقتدى بهم؟ فدع عنك المختلفين، واركن إلى الثابتين على إقامة الدين، فمن قال لك: تعال لنتعلم من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف نعبد ربنا، وكيف نرد كيد الأعداء عن أوطاننا، وكيف نتآخى، ونتحد، ونخدم وطننا متعاونين، فقل له: سمعا وطاعة، واحضر مجالسه، واستمع لما ينشره ويدعو إليه، ومن رأيته أو سمعته يجرح ويفضح، ويتهم ويقدح، فاتركه وشأنه، واعلم أن الله سبحانه، وتعالى قال:﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء:36) لا تتَّبعْ ما لا تعلم، ولا تخض فيما لا يَعْنيك، بل تثبَّتْ من كل خبر، ولا تنقل أخبار الاتهامات، والخلافات، ولا تقل رأيتُ ولم تر، ولا تقل سمعتُ ولم تسمع، ولا تقل علمتُ ولم تعلم، فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله يوم القيامة، إن الإنسان سيُسأل يوم القيامة، عن سمعه، وبصره، وقلبه. فكفى بِالْمَرْءِ كذبا أَن يحدث بِكُل مَا سمع. ثم إنه من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنه. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: واجبك أيها السائل أن لا تخوض مع الخائضين: قال السائل: (أنا طالب ماذا أفعل؟) وأقول له: لعلك تريد أن تقول كيف تعلم من هو الذي على حق؟ أقول لك: إن واجبك أن تعتكف على طلب العلم، هذا هو واجبك، دع عنك المختلفين. إنك طالبُ عِلْمٍ، فالأمانة التي تُسأل عنها هي تحصيل العلم، الذي ينفعك، وينفع أمتك، ولا تسأل عن المختلفين، من كان معه الحق؟!! قد كانت، ومازالت، الاختلافات منذ القرن الأول الهجري، والمختلفون يختلفون، والعاقل بعقله يجتنب كل اختلاف، لأن المسلم يعمل بقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ والمعنى: لا تكونوا كاليهود والنصارى الذين تفرقوا في الدين، واختلفوا فيه، بسبب اتباع الهوى، من بعد ما جاءتهم الآيات الواضحات. وفي الحديث: [ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ] (مسلم:1337) فالعالم الْمُتَّبَعُ في العلم، هو الذي يبين للناس ما أُمِرُوا به من الكتاب والسنة، ليعملوا به، ويبينوا لهم ما نُهُوا عنه من الكتاب والسنة، ليجتنبوه. لأن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم، قال للعلماء:[بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً] (البخاري:3461) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: من يُصوب خطأ العالم أو الداعي إذا أخطأ؟ إن المسألة في غاية السهولة والوضوح. فمن الشرع والأدب والعقل، أن ثمت هيئات علمائية على مستوى العالم الإسلامي. فإذا حدث وأن أخطأ عالم، أو زلَّ فكرهُ في لحظة من لحظات الانبهار بعلمه، لا يتسرع كل عالم، يرد عليه بما يراه في حدود علمه، وتصير القضايا شخصية، ويضيع الناصح والمنصوح أمام العامة. وإنما الأصل أن يجلس مع علماء في هيئة علمائية، ويتناولون القضية، بالتحليل، والتأصيل، بالبرهان والدليل، كما أمر الله عز وجل، حيث قال: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ (النساء:59) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com