في رحاب الشريعة

فريضة حفظ التمكين ويقظة المواطنين لرد عدوان المعتدين

أ. محمد مكركب/

الوطن سفينة كل المواطنين، وأَمْنُنَا مرهون بأمن الوطن كله، وواجبنا نحو وطننا، أن نكون على يقظة دائمة، ونهضة مستمرة لقيام كل واحد منا بالواجب المنوط به، وبأداء الأمانة التي كُلِّف بها، حيث كثرت التحديات، والتهديدات، وكل المسلمين مهددون في هذا العصر، من قبل أولئك الذين حذر الله من خطرهم واعتدائهم. حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ (آل عمران:118) وخطر الكافرين مازال يزداد ويتزايد، كما أخبر رب العالمين. ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ (البقرة:217) ونحن كمسلمين جميعا، وفي الجزائر خاصة، ندعو إلى الأخوة الإسلامية مع كل المسلمين، وإلى الأخوة البشرية مع كل الْمُسَالِمِين، ونسأل الله العافية كما عَلَّمَنَا الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن عَلَّمَنَا أيضا إن اعْتَدى علينا عَدُوٌّ أيا كان فإننا نقاتل صَفًّا واحدا، دفاعا عن الكرامة والشرف. فعن عبد الله بن أبي أوفى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، ينتظر حتى إذا مالت الشمس، قام فيهم، فقال:[يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ.] ثم قال: [اللهُمَّ، مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ]. من التحديات التي تعترض طريق الشعوب المسلمة والتي من أجلها أكتب هذا المقال لأبناء الأمة الإسلامية في الجزائر وفي فلسطين بالخصوص: التحديات العسكرية، بل تحديات وتهديدات، واعتداءات صارخة، بطريق مباشر، وغير مباشر، يتمثل ذلك في التطاول العَلَنِي، وفي مَدِّ العون والتأييد للثلة التي تحتل فلسطين ظلما وعدوانا، وليس الخطر من الكافرين وحدهم، إنما من كثير من غلطات بعض الأنظمة الموالية للكافرين، أو من المخدوعين بتحريش شياطين الإنس والجن. فالدعوة إلى اليقظة والاستعداد والإعداد، للدفاع والجهاد، فريضة أمر الله تعالى بها. فقال عز وجل: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ (الأنفال:60) تدبروا كيف قال الله عز وجل: ﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ﴾ والمعنى: أعدوا واستعدوا لترهبوا عدو الله وعدوكم، وهم المشركون، وآخرين من دونهم، أي: وآخرين غير الكافرين والمشركين، وهم المنافقون. إن الإعداد لحفظ الوطن هو مسؤولية الجميع، والذي يتهاون في واجبه المقدس نحو وطنه، سيندم ندمين، ويُذَلُّ بحسرتين، ندم فقدان المأوى والكرامة، والشرف، وحسرة ضياع السيادة والغرق في الأسف والتلف. بالإضافة إلى خزي يوم القيامة يوم لا ينفع التطبيع ولا كراسي الريع. لقد أثبت التاريخ أن كثيرا من شباب العهد الأخير من تاريخ الأندلس، ومن ملوكهم الصوريين، ووزرائهم المتخاذلين، وبعض أعيانهم العاجزين ندموا وبكوا البكاء الْمُرّ، عندما وجدوا أنفسهم مطرودين من بلدهم الذي كان يُضرب به المثل في الحضارة والمدنية والعلوم المختلفة، وشعوب المغرب العربي، والمشرق العربي كلها عانت من الاحتلال والإذلال، من قبل الدول الأوروبية والأمريكية. والذين يندمون أكثر، هم بعض الشباب الذين لا يعطون قيمة للوطن، وبعض السياسيين من بعض الشعوب الذين يوالون الكافرين بالتطبيع، سيلعقون خزي الندم، وستخنقهم غصة الحسرة والألم، إن كل من يتعاون مع الأعداء الكافرين سَيُصَنَّف مع المعتدين المجرمين ويُقاتَل مثلهم. لأن الله تعالى قال: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ (المائدة:51) وبقدر ما تكون دعوة الخاطئين إلى التوبة، وهم الذين وقعوا في جريمة الاستعانة بالكافرين، ضد أوطانهم، أفرادا كانوا، أو دولا، أو شعوبا، تكون دعوة الشعوب الحرة، والحكام والقادة المسلمين الأحرار ندعوهم إلى الاتحاد والأخوة، والإعداد الدائم، للوقوف في وجه كل فتنة، أو اعتداء ضد أوطان المسلمين، ولرد أي عدوان على أي شبر من أرض المسلمين. ثم أنتم، أيها الشباب الجزائري بالخصوص يا أحفاد المجاهدين والشهداء. احفظوا تمكين بلدكم، الجزائر، ثم الجزائر، ثم الجزائر، إن قوتكم، في التوكل على الله سبحانه، بالدين، وبالقرآن، وبأخوة الإيمان، ثم الوحدة الوطنية. وما أدراكم ما عظمة قيمة الوحدة الوطنية، في جزائرنا الحبيبة. جزائر المليون والنصف المليون من الشهداء. ولا بد من مقاومة ثلاثة تحديات، ولا تصعب عليكم أيها الشبان الجزائريون، ولن تقف في طريقكم عقبة كؤود، إن عقدتم العزم، متوكلين على الله عز وجل. التحدي الأول: صناعة أسلحة الدفاع عن وطننا بأيدينا، أيعجز الشباب الجزائري عن أن يكون كغيره من أبناء الدول التي تصنع سلاحها، وتنتج غذاءها، ودواءها، ومراكبها؟؟ إنه التحدي التكنولوجي، يا أبنا وأحفاد رجال ثورة أول نوفمبر، لن يعجزكم هذا التحدي، فلستم أيها الشباب الجزائري أقل شأنا من الشباب الألماني أو الياباني، أو الصيني. ثم التحدي الثاني: التحدي الاقتصادي. ومقاومة هذا التحدي من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الأساسية للتموين الضروري. والتحدي الثالث: التحدي التربوي التعليمي. ومقاومة هذا التحدي لن يتحقق إلا بإصلاح المنظومة التربوية. بأن يتوجه التعليم إلى ميدان البحوث العلمية، والاختراعات، والميدان الإنتاجي المباشر. ثم هناك تحد داخلي وله أثره السلبي على النهضة العلمية والثقافية والإنتاجية والاجتماعية، بل وله أثره السلبي على الأخلاق، وما أدراكم ما الأخلاق. إنه التحدي السكني، إنه أزمة السكن.. فما علاقة أزمة السكن بالدعوة إلى الإعداد؟ ذلك لأن التصدي إلى الخطر الأجنبي يقتضي أن يكون المواطن آمنا ومتمكنا ومطمئنا في وطنه. وأنتم تعلمون أن أهم إعداد للدفاع والجهاد، وبناء البلاد، أساسه التعليم، وكيف يتعلم أولاد يعانون أزمة السكن، لا يجدون مسكنا مناسبا للراحة والمطالعة؟ وهذه الدعوة وهذا التذكير للمسؤولين عن التسيير، وقرارات التدبير. ومن بين الإعداد واجبات العبودية لله سبحانه وتعالى، بما ورد في قوله عز وجل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور:55 ـ 57)

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com