التسرب المدرسي .. الأسباب والحلول
إعداد: فاطمة طاهي/
يعد التعليم نافذة الأفراد والمجتمعات على التقدم والتطور والرقي الحضاري والإنساني، إلا أن ظاهرة التسرب المدرسي واحدة من الظواهر الاجتماعية المنتشرة اليوم بشكل رهيب في مجتمعاتنا العربية وفي واقعنا الجزائري، فهي ظاهرة متعددة الأسباب ومتنوعة العوامل، فمنها ما يعود إلى المنظومة التربوية في حد ذاتها، ومنها ما هو متعلق بمختلف العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومنها ما يرجع إلى ذات التلميذ وحالته. وفي هذا الصدد تحدث كل من: المختص الأسري الدكتور عبد الرشيد بوبكري، والأستاذ مفتاح عزوز إمام بمسجد أحمد حفيظ ببلدية بلوزداد، لجريدة البصائر الجزائرية حول الأسباب التي أدت إلى بروز ظاهرة التسرب المدرسي والعوامل التي ساهمت في انتشارها وعن أهم الحلول العلاجية والوقائية للحد منها.
الدكتور عبد الرشيد بوبكري:
ضرورة تحسين ظروف التعلم للتلاميذ وتبيان أهمية طلب العلم شرعيا واجتماعيا
ذكر المختص الأسري، الدكتور عبد الرشيد بوبكري في حوار خص به جريدة البصائر الجزائرية، أن ظاهرة التسرب المدرسي من الظواهر الخطيرة التي تجتاح مجتمعاتنا اليوم، وفي مستويات متعددة لاسيما التعليم المتوسط والثانوي. وذلك يعود لعدة أسباب كعدم تحديد أهداف واضحة، وتأثر الكثير من التلاميذ ببعض المفاهيم التي تروج لكون الدراسة تعطل الإنسان عن النجاح المادي، فمثل هذه الذهنيات جعلت الأبناء يتوقفون ويتسربون عن الدراسة خاصة في مرحلتي المتوسط والثانوي.
ومن أسباب التسرب المدرسي حسب الدكتور، عدم القدرة على التحصيل الدراسي بشكل جيد وهذا ما يسميه المختصون النفسانيون بصعوبات التعلم، حيث الكثير من الطلبة اليوم يعانون من صعوبات التعلم كالصعوبات الأكاديمية والنمائية التي قد تؤدي بالكثير من الأطفال إلى ترك مقاعد من الدراسة، حيث لا يستوعبون المواد الدراسية ولا المناهج الدراسية التي تدرس بالطرق والأساليب الحالية.
كما ذكر الدكتور عبد الرشيد بوبكري، أن الظروف التي تمر بها بعض العائلات سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية تؤثر هي الأخرى على التلميذ، كالفقر الذي يدفع الكثير من الأطفال والمتمدرسين إلى التخلي عن الدراسة إما لإعانة العائلة، أو لأنها لا تستطيع أن تلبي طلبات التلميذ الدراسية، وعامل الطلاق الذي قد يجعل الأبناء بلا سند وعناية واهتمام سواء من قبل الأب أو الأم، الذي قد يكون سببا في إبعاد الأبناء عن الدراسة بشكل أو بآخر.
وقال المختص التربوي: إن المناهج التعليمية التي لا يستوعبها الأطفال بشكل جيد ولا يستطيع المعلم إيصالها بالطريقة التي يفهمها التلميذ سيؤدي إلى تسربه من المدرسة، كما قد يكون أسلوب المعلم العنيف في عملية توجيه وتدريس التلاميذ سببا في انقطاعهم عن الدراسة.
ومن أجل علاج ظاهرة التسرب المدرسي أكد المختص التربوي الدكتور عبد الرشيد بوبكري على ضرورة تحسين ظروف التعلم للتلميذ، وتبيان أهمية التعلم وطلب العلم من الناحية الشرعية والاجتماعية، فالتعلم ضرورة للتقدم والتطور وأساس الفهم وتطوير القدرات والإمكانيات، وضرورة لفهم واقع الإنسان بشكل أفضل.
وفي ذات السياق أضاف الدكتور قائلا: نحن نريد تغيير وإيصال مفاهيم إيجابية للأطفال والأولياء الذين ينبغي أن يدركوا أن دورهم لا يقل أهمية عن دور المعلم أو المقتصد، وإن تحسين الظروف الاجتماعية قد يكون حلا من الحلول لمواصلة عملية التعلم بشكل تجعل الأطفال يتمسكون بدراستهم ويسعون نحو النجاح والتفوق المدرسي، مؤكدا على أهمية تعزيز بنية المدرسة إيجابيا وذلك من خلال مكافحة السلوكيات السلبية كالتنمر والعنف من أجل توفير بيئة آمنة وشاملة تحتضن جميع الطلبة داخل المدرسة.
كما أضاف المختص التربوي أن التعليم العام يساهم في دمج الإنسان في المجتمع من خلال الحصول على مهنة أو تقلد منصب، أو أن يكون صاحب حرفة ومهارة، حيث أكد على ضرورة تعزيز برامج التدريب المهني التي ينبغي أن توفر مجالات مهمة لهؤلاء التلاميذ، وحسبه، تبقى قضية التسرب المدرسي واحدة من أخطر الآفات التي يمكن أن تصيب المجتمع، والتي قد تخلق الكثير من الأزمات الإجتماعية كالسرقة والإدمان على المخدرات وغيرها من الانحرافات، مضيفا: على قدر ما يكون الإنسان متعلما يؤهله ذلك إلى أن يكون أكثر تفاعلا مع المجتمع وبطريقة أفضل وأحسن.
عزوز مفتاح:
إذا نجحنا في تهذيب التلميذ أخلاقيا سنصنع إنسانا راقيا رساليا وناجحا
من جهته قال الأستاذ مفتاح عزوز، إمام مسجد أحمد حفيظ ببلدية بلوزداد، إن ظاهرة التسرب المدرسي قد تفاقمت وازداد عدد المتسربين في الآونة الأخيرة خاصة في مرحلة التعليم المتوسط، وحسبه إن انقطاع التلميذ عن الدراسة في هذه الفترة المبكرة قضاء عليه وعلى شخصيته وأحلامه وطموحاته مهما تعددت الأسباب، قائلا: سنبقى نندد بهذ الظاهرة ونحاربها ونحذر من عواقب تخلي التلميذ في مرحلة متقدمة عن مقاعد الدراسة، فالعلم شرف ونور ورفعة للإنسان، وكلما ازداد الانسان علما توسعت مداركه وتفتقت طاقاته وقويت شخصيته، وأضاف الأستاذ مفتاح عزوز: «هناك من الفاشلين والمتشائمين الذين يرددون في الأوساط المدرسة قائلين: ماذا نفعل بالشهادة وبالدراسة؟ نقول لهم: لا تشوشوا على أبناءنا، دعوهم يكملون الدراسة لينصرفوا إلى الحياة العملية»، مؤكدا في ذات الصدد، على أن الكثير من الشباب الذين تخلوا عن مقاعد الدراسة مبكرا من أجل العمل والكسب قد ندموا وقالوا: «ليتنا أكملنا الدراسة.»
ومن الأسباب والعوامل التي أدت إلى انتشار ظاهرة التسرب المدرسي يضيف المتحدث، أسباب مشتركة متعددة منها الاجتماعية كالظروف المادية للطفل، فالكثير من المتمدرسين انقطعوا عن الدراسة بسبب العجز المادي خصوصا في مرحلة الثانوية والجامعة، بالإضافة إلى المشاكل الأسرية كحالات الطلاق، التي يكون فيها الإبن ضحية مما يؤدي به إلى الانكسار والضياع واحباط معنوياته ورغبته في مواصلة الدراسة، كما أشار الإمام مفتاح عزوز إلى المحيط والبيئة التي ينشأ فيها التلميذ، والتي قد تكون محيطة ومملوءة بالانحرافات والمشاكل الأخلاقية والسلوكية، بالإضافة إلى الأسباب النفسية كالعقد النفسية التي ينشأ عليها الطفل والتي تقف حائلا دون نجاحه فيكون الطفل منطويا ومكتئبا ومنعزلا عن أصدقاءه وعن الآخرين .
كما تحدث الأستاذ عن الأسباب الأكاديمية ككثافة البرنامج الدراسي، والمناهج الدراسية التي تحتاج بدورها إلى تطوير وتجديد، حيث إن ذهنية الطفل في العصر الراهن مملوءة بالمستجدات والتطورات، وبالتالي ينبغي لهذه البرامج الدراسية أن تواكب التطورات الحاصلة، وأن تتلاءم مع ذهنية التلميذ والطالب، مشيرا إلى أسباب أخرى تتعلق بالأستاذ ومنهجيته، وحسبه إذا كانت طريقة التعليم خاطئة سيتم التضحية بهذا الطفل، فالأستاذ اذا لم يحسن إلى الطفل معاملة وتعليما وتعلما فإن الطفل سرعان ما يتخلى عن مقاعد الدراسة، حيث إن العنف والتعنيف طريقة تنفر التلاميذ وتبعدهم عن الدراسة والمدرسة.
كما أكد الأستاذ عزوز مفتاح على أن طريقة الأستاذ في التعامل مع الأطفال خصوصا المصابين بالعجز النفسي أمر مهم وضروري فإذا لم ينتبه الأستاذ ولم يساعد تلامذته على تجاوز العجز فإنهم سينقطعون عن الدراسة، وبالتالي لابد من تغيير نمط التدريس وتكوين الأستاذ تكوينا مواكبا لمتطلبات العصر، ودراسة بعض المواد التي تساعده على التفاعل مع المجتمع كمادة علم الاجتماع وعلم النفس التربوي حتى يحسن التعامل مع الطفل، ويكتشف مكامن العجز، وهذا حسب المتحدث يعد مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع والمسجد، فعلى المعلمين اكتشاف مواهب التلاميذ وطاقاتهم.
وأشار الأستاذ مفتاح عزوز في حديثه مع جريدة البصائر الجزائرية، إلى دور الوالدين اللذين يمثلان عاملا قويا في منع الطفل من الخروج المبكر من المدرسة، وذلك عن طريق المرافقة والمتابعة وبذل جهد أقصى مع الإبن حتى يمنع تسربه، كما تطرق الأستاذ للحديث عن التهذيب الأخلاقي الذي يعد عاملا مهما يعزز تمسك الأطفال بدراستهم، قائلا: «إذا نجحنا في تهذيب الطفل والطالب أخلاقيا سنصنع انسانا راقيا رساليا ناجحا» مشيرا في ذات الصدد إلى أهمية الرفقة الصالحة، حيث إذا كان التلميذ يصاحب رفقاء وجماعات السوء سيقع في مختلف الانحرافات كالمخدرات وغيرها من الآفات الأخلاقية والاجتماعية، وبالتالي لابد من تعزيز المرافقة والمواكبة ومتابعة التلاميذ.
كما دعا الإمام عزوز مفتاح إلى توعية وتقوية همة الطلبة وتبيان أن طلب العلم ليس مجرد شهادة من أجل الحصول على الوظيفة، بل إن طريق العلم هي طريق إلى الله، وحسبه: إذا أحيينا ضمائر شبابنا واعتبرناهم وقود وعزيمة هذه الأمة لواصلوا الطريق، داعيا أيضا إلى أهمية تسجيل الأبناء في المدارس القرآنية فهي حصن حصين وركن ركين ومتين للحفاظ على شخصية الطالب وأخلاقه وعلى مقوماته ومعنوياته.