الصهيونية تريد مغادرة أمريكا الرئيس الروسي نجح في الاصطياد..!/ محمد الحسن أكيلال
في خضم الأحداث المتسارعة عبر العالم هذه الأيام يقف المرء حائرًا عاجزً أمام رؤوس الخيوط الكثيرة البارزة من الكبة الضخمة ليختار من يلتقطها للبحث عن النهاية، فالرئيس “ترامب” الذي اختارته الأقلية الصهيونية المسيحية ليكون رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية في هذا العهد، ولهذه العهدة يبدو أنه أفقدته نشوة الفوز في هذه الانتخابات ما كان يتمتع به كرجل مال وأعمال حتى مجرد الحسابات البسيطة للربح والخسارة، فالانتخابات التشريعية الجزئية المنتظرة والتي يعلق عليها آمالا عريضة في فوز حزبه بالأغلبية التي تريحه من صداع المعارضة القوية له يبدو أنه حسب لها خطأ أيضا هذه المرة باعتماد المقربين منه من غلاة الصهاينة الذين أفقدتهم نجاحاتهم في استمالة أنظمة عربية عديدة إلى صفهم عكس التيار في منطقتها، فالغطرسة التي بلغتها حكومتها في فلسطين المحتلة بلغت حدًّا يستحيل معها إيقافها ولو على سبيل الترشيد حتى لا تنقلب عليها، وهذا ما هو منتظر لدى كل المفكرين السياسيين الكبار وهم يرون تزايد حدة الجرائم التي يرتكبها جيش هذه الحكومة في أوساط المدنيين الفلسطينيين مثلما هو الشأن بالنسبة لحلفائهم العرب الذين التحقوا بها في السنوات العشر الأخيرة رغم أنوف شعوبهم وأمتهم.
عامل آخر قد يكون وراء الاندفاع “الإيروديناميكي” هو عامل روسيا التي استطاعت بدهاء الرئيس “بوتين” أن تتغلغل في شرايين وأوردة الحركة الصهيونية في أمريكا وفي إسرائيل التي يتواجد فيها أكثر من مليون مستوطن من أصل روسي هاجروا خلال سنوات التسعينيات من القرن الماضي ليشكلوا قوة ضاربة للمستوطنين الذين زادوا من تضخم اليمين لإنجاح الرئيس الحالي للحكومة “بن يمين نتانياهو” الذي أصبح يطمئن كثيرًا لتوجيهات وإرشادات الرئيس الروسي “بوتين” الذي لم، ولن ينسى ما فعلته ما فعلته هذه الصهيونية في بلاده لتفكيك الاتحاد السوفييتي وزيادة قوة حلف الناتو الذي وضع قواته وصواريخه على حدود بلاده الغربية ويزيد من قوة حصاره العسكري بحصار اقتصادي خانق.
آخر شطحات “ترامب” البهلوانية بعد اعترافه بالقدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل ونقل عاصمة بلاده من تل أبيب إليها رغم أنوف حلفاءه الأوروبيين الذين قرر معاقبتهم بسلسلة إجراءات مالية واقتصادية آخرها فرض ضرائب على واردات بلاده من أوروبا ثم ليطلب أخيرًا من مجموعة السبعة التي عقدت اجتماعها في كندا أن تفتح بابها لعودة الاتحاد الروسي للعضوية فيها، ثم يخرج من الاجتماع قبل نهايته ليعلن رفضه للبيان الختامي ضاربًا عرض الحائط بغضب الجميع.
بعد ساعات من كتابة هذه السطور سيتم لقاء وصف بالتاريخي بين الرئيسين الأمريكي الشيخ “ترامب” و”الرئيس الكوري الشمالي الشاب كيم جونغ أون” الذي لم تمض أكثر من ستة شهور على تهديدات الشاب له بتدمير مدن غرب بلاده بصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ومع ذلك يبدو أن الشيخ الذي لم يصدق ما أبداه الشاب من إمكانية قلب الصفحة في اللقاء المرتقب اليوم في سنغافورة، وكأنه يظن أن هذا الشاب يمكن أن يقدم له كوريا الشمالية منزوعة السلاح النووي والصواريخ الباليستية في طبق من ذهب دون قيد أو شرط لتنتقل أمريكا من الحلف الأطلسي إلى حلف جنوب شرق آسيا باعتبار سوقها الأكبر والأكثر ربحية وجغرافيتها الطبيعية والبشرية يمكن أن تقبل بالصهيونية العالمية عضوا قياديًا رائدًا فيها، وخاصة وأن دولة إسرائيل التي تعاني من تهديدات الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور المقاومة العربية تقع في هذه الجغرافيا، وترتبط بعلاقات قوية مع أهم وأكبر دولها.
اللعب ازداد حرارة مع ازدياد حرارة الصيف القادم إلى غرب آسيا أين تقع فلسطين التي أظهر شعبها عزيمة وإصرارًا على استعادة حقوقه الشرعية في أرضه وسوريا التي استطاع نظامها وجيشها الصامدين لأكثر من أربعين سنة أمام الاعتداءات الإسرائيلية على أرضه وشعبه ومقومات استعداداته للمعركة الفاصلة التي يحرر بها جزءًا من بلاده في الجولان المحتلة منذ عام 1967م، ولم يكتف بهذا بل استطاع أن يمزق القناع عن وجه أمريكا وحلفاءها من الغرب حول دورهم في صنع ودعم الإرهاب الإجرامي في كل المنطقة منذ تسعينيات القرن الماضي.
إن القوى التي رفعت الرئيس “ترامب” والتي فشلت في الأخير في إيقاف ازدياد معارضيه في أمريكا حتى من أوساط حزبه ومن كبار النافذين في الكونغرس، لا لكونهم غير قادرين على ذلك، بل لاقتناعهم أن الرجل أصبح فعلا مضرًا بالمصالح العليا لبلادهم ومن بينها الخطر على الدولة الصهيونية نفسها التي طالما عملوا خلال العقود الأربعة الماضية على إبعادها عن كل خطر محدق بها في المنطقة.
اللوبي الصهيوني نفسه أصبح وهو يرى ما يرى من جرائم حكومة “نتانياهو” في أرض فلسطين بدعم ومساندة الرئيس “ترامب” يشعر بالخطر الداهم لزوال هذه الدولة النشاز التي أصبحت هي من تحفر قبرها بيدها هذه الأيام.
الظاهر أن الصهيونية في أمريكا وهي تنقسم على نفسها ما بين قوى النخبة المستنيرة التي ترى كثيرًا من اليهود الأمريكيين يزداد عددهم في الشارع الأمريكي الرافض لسياسة” ترامب” و”نتانياهو” الذين يشاركون بأعداد كبيرة في مظاهرات التأييد والمساندة للقضية الفلسطينية والقوة الأخرى المتمثلة في المسيحيين الإنجيليين، فأصبح الكثير منهم يفكر فعلا في الهجرة نحو الشرق، إلى كل من روسيا والصين ودول الخليج العربي عساهم بذلك ينقذون ما يمكن إنقاذه من الحلم الصهيوني المتمثل في دولة تصبح القوة الإقليمية الكبرى في الشرق الأوسط وتقف في وجه الطموح الروسي والصين في حكم العالم.
الرئيس “ترامب” و هو يلتقي الرئيس “كيم جونغ أون” لا شك أنه يعلق الكثير من الآمال على النجاح في هذه القمة في إقناعه بعدم جدوى البقاء حيث هو في تحدي بلاده وهي الأقوى في العالم في كل شيء، والرهان على الصين وروسيا لا يجدي نفعا لبلاده التي يعاني شعبها من الفقر والمسغبة وتناقص الموارد والأموال للصناعات الحربية الكلفة على حساب الصناعات الأخرى التي تصنع الرفاهية لشعبه مثلما هو الشأن بالنسبة لشعب كوريا الجنوبية، إنه يريد أن يتخلص فعلا من خطر كوريا الشمالية لينصرف إلى الاهتمام الكامل لجمهورية إيران التي تريد التخلص من دولة إسرائيل، فهي المنافسة الوحيدة لها في زعامة وقيادة المنطقة والإقليم، والتخلص من إيران في نظر الرئيس “ترامب” هي قضية وقت، وخاصة أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات أصبحتا تقدمان خدماتها بالمجان لدولة الكيان الصهيوني، وما سعي الإمارات العربية للتوسع في اليمن والصومال بناء قواعد عسكرية وموانئ على البحر الأحمر وبحر العرب قرب مضيق باب المندب وهرمز إلا من باب التمكين لهذه الدولة التي تنتظر فعلا استلام زعامة الإقليم في المستقبل القريب.
الشعب الفلسطيني لم تعد تقنعه السلطة بطرحها وهي تؤمن بالتحرير دون مقاومة وهو يمر بكل التجارب المريرة، بل المأساوية، أصبح يدرك ألاّ خلاص له دون التشبث بموقفه القديم الثابت، ألاّ خيار له غير المقاومة، ولا موقع له إلاّ وسط محور المقاومة الذي تتزعمه إيران حاليا مستندة إلى روسيا الاتحادية والصين الشعبية اللتين كانت منذ خمسينيات القرن الماضي من القوى الداعمة لهم وهما من يعول عليهما فعلا على استعادة زمام المبادرة في تسيير شؤون العالم وحماية الشعوب المستضعفة من جبروت القوى الإمبريالية والرأسمالية الصهيونية في العالم.
المرحلة مرحلة مخاض حقيقي لقيام تضامن عالمي للشعوب ضد الهيمنة الإمبريالية وقلبها النابض الصهيونية العالمية.