مساهمات

وقفة تاريخية مع د. عبد الله ركيبي أستاذ جامعي، وأديب، ومجاهد، وديبلوماسي، وذكرياتي معه

أ.سعدي بزيان/

عرفت د. عبد الله ركيبي في الجزائر العاصمة، وأعددت معه شهادة الكفاءة للالتحاق بجامعة الجزائر، كما التقينا أكثر من مرة وهو يبحث في المكتبة الوطنية الفرنسية لاستكمال معلومات لشهادة الدكتوراه، تحت إشراف د. سهير القلماوي تلميذة د. طه حسين، وتواصلت علاقتي مع د.عبد الله ركيبي وزرته في لندن وهو طالب في «معهد اللغات الأجنبية»، وهو يدرس الانجليزية، وتناولنا طعام الغذاء معا في مطعم المعهد، وكان حديثنا على ما أذكر حول كتاب صدر في لبنان عن الأدب الجزائري، وهو بعنوان: «الأدب الجزائري في رحاب الرفض والتحرير» للدكتورة نور سلمان، وصادف صدوره زيارتي لـ»بيروت»، واغتنمت فرصة وجودي في العاصمة اللبنانية وأجريت حديثا مطولا مع الكاتبة، التي استدعيت مباشرة إلى الجزائر، فقدمت محاضرة حول كتابها، ودخلت في نقاش مطول مع الحاضرين، والتحق د.عبد الله ركيبي بدمشق كملحق ثقافي ثم سفير.


ولما عاد إلى الجزائر ليواصل مسيرته في جامعة الجزائر محاضرا، ثم نائبا في مجلس الشيوخ، دعاني أكثر من مرة إلى منزله، وأهدى لي كتابه عن أدب الرحلات، وهو بعنوان: «في مدينة الضباب ومدن أخرى- سياحة أدبية»، وصدر عن «اتحاد الكتاب الجزائريين»، يروي فيه ذكرياته عن لندن كطالب أو بالأحرى كأستاذ متفرغ لدراسة اللغة الانجليزية، رفقة سفير الجزائر يومئذ، وهو عبد الكريم بن محمود رحمه الله، واعتبر د.ركيبي من أوائل أساتذة جامعة الجزائر الذين اهتموا بـ «أدب الرحلات»، وكتابه «في مدينة الضباب ومدن أخرى»، لوحة فنية أدبية أعدتُ قراءته مرات عديدة لسلاسة أسلوبه وزخمه اللغوي، ولا غرابة في ذلك، فالدكتور عبد الله ركيبي أديب، وناقد، وأستاذ جامعي، وكان يقدم برنامجا في التلفزيون الجزائري بعنوان: «أقلام على الطريق»، وقد نال هذا البرنامج اهتمام نقاد الأدب، كما أنه قدم عدة حلقات عن الأدب الجزائري في قناة BBC «هيئة الإذاعة البريطانية في لندن»، كما أجرى عدة مقابلات مع كتاب عرب في العاصمة البريطانية خلال وجوده كطالب في معهد اللغات الأجنبية لدراسة الانجليزية، ويتحدث في كتابه عن المدن التي زارها قبل لندن، إلا أنه قال: «من المدن التي تعاطفت معها مدينة لندن فقد زُرت مدنا غربية كثيرة، ولكنني أحسست بجاذبيتي نحو هذه المدينة، ولهذا خصص لها كتابا كاملا بعنوان: «في مدينة الضباب ومدن أخرى- سياحة أدبية»، تولى «اتحاد الكتاب الجزائريين» نشره، كما أن د.ركيبي توج إقامته في لندن بإعداد كتاب قيّم بعنوان: «الجزائر في عيون الرحالة الانجليز»، وقد تطلب منه البحث في عدة مكتبات، وقراءة عشرات الكتب بالانجليزية التي تعلمها في «مدينة الضباب»، وقد شده ما كتبه بعض الرحالة الانجليز وأنصفوا فيه الشعب الجزائري، عكس بعض الرحالة الفرنسيين الذين أمعنوا في التزوير والتزييف.

تصفية الحساب مع اللغة الانجليزية
حصل ذات يوم وهو في وفد ممثلا لاتحاد الكتاب الجزائريين، ضمن الوفود العربية، وهو بالإضافة إلى ذلك أستاذ جامعي، أن نزل في إحدى المدن الآسيوية التي لا تتكلم إلا بالانجليزية، ووجد نفسه غير قادر على طلب مفتاح غرفته بالانجليزية التي لا يعرفها، ورئيس مصلحة الاستقبال لا يعرف العربية ولا الفرنسية، واضطر ركيبي إلى الالتجاء إلى أحد أعضاء الوفد السوري ليترجم عنه، من أجل طلب مفتاح غرفته، وهذا ما جعله يتحين الفرصة للالتحاق ببريطانيا لدراسة الانجليزية، وهي لغة العالم اليوم، ومن خلالها اطلع على عشرات الكتب حول الرحالة البريطانيين في الجزائر.
وهو كما ذكرت اغتنم فرصة وجوده في العاصمة البريطانية للاتصال مع المثقفين والأدباء العرب، والإعلاميين، فكان أهم لقاء له، وهو اللقاء مع صديقه فاروق منيب الذي درس معه في القاهرة، وكان يشغل منصب رئيس القسم الأدبي في جريدة «المساء» القاهرية، ونشر للركيبي عدة قصص، والتقى به في لندن وهو يعالج من مرض الفشل الكلوي الذي أنهى حياته بعد معاناة، وكان ركيبي يزوره باستمرار، وتأسف كثيرا لرحيله، مشيدا بدور حرمه التي بقيت تقاوم، تكتب وتتعاون مع عدة صحف ومجلات، وتربي أبناءها، وتكسب قوتها وقوت أولادها.

د.ركيبي ولقاؤه بالناقد والأديب العراقي صلاح نيازي، رئيس القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية BBC:
واستضافه أكثر من مرة ليتحدث عن الأدب الجزائري لمستمعي (ب.ب.سي)، وليعرّف بالأدب والأدباء الجزائريين، وقارن ركيبي المعاملة الرائعة التي يلقاها من صلاح نيازي، عكس ماكان يلقاه من التلفزة الجزائرية عندما كان يقدم برنامجه المشهور «أقلام على الطريق»، الذي عبّد الطريق أمام جيل من الأدباء الشباب من الجزائريين، ليغدوا فيما بعد روائيين، ونقادا، وشعراء، وأدباء، وأخيرا جمعت بعض أعماله في عدة مجلدات، ولا زال الكثير من أعماله من محاضرات، ودراسات، وأحاديث إعلامية، لم تُجمع، كما أن نشاطه كملحق ثقافي، ثم سفير في دمشق لم يُدوّن، بحيث ألقى عدة محاضرات في جامعتي دمشق، وحلب، وحضر مناقشة عدة رسائل جامعية لطلبة جزائريين في دمشق، مخلفا وراءه 3 شباب أحدهم مهندس خريج «جامعة برلين» ومعيد فيها.

المدن التي أحبها د.ركيبي، ويقول بهذا الصدد:
«فقد أحببت مدنا مثل الجزائر العاصمة لأنها رمز وطني ولأنني اخترت أن أسكن فيها بعد الاستقلال، وأقضي فيها حياتي كلها بإذن الله، ثم مدينة القاهرة التي درست فيها وتخرجت من جامعتها حتى شهادة الدكتوراه، وشاء الله أن تكون شريكة حياتي منها التي أنجبت لي أبناء الثلاثة، ووقفت معي طوال مراحلي العلمية والعملية، ثم مدينة دمشق التي عملت فيها مستشارا ثقافيا وسفيرا، وحاضرت بجامعاتها، كما ناقشت رسائل علمية في مدرجاتها، وكسبت صداقات غالية تبقى محل اعتزازي وتقديري ما حييت، وهناك مدن أخرى مثل تونس الخضراء التي درست فيها سبع سنوات كما عشت فيها عامين إبان الثورة، وأيضا بسكرة وهي عاصمة الولاية التي أنتمي إليها «جمورة»، وأحمل لها حبا كبيرا وشوقا دائما، إن هاتين المدينتين تستحقان كتابا كاملا مع قرية جمورة مسقط رأسي، وقد كتبت عنها في كتابي: «ذكرياتي من الثورة الجزائرية»، وربما يأتي الوقت لأحقق هذا الأمل الذي لا يفارقني»، رحمه الله، فارق الدنيا قبل أن يحقق ما ينوي تحقيقه.
هكذا الدنيا لقاء وافتراق، ساعة تحلو وأخرى لا تطاق، وما كل ما يتمنى المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
هل فكرت الجامعة الجزائرية في إطلاق اسم أحد مدرجاتها على اسم د.عبد الله ركيبي على غرار ما فعلته مع د.عبود عليوش رحمه الله، وهذا أضعف الإيمان، وعبود عليوش بالمناسبة درس في القاهرة، وقام بالتدريس في جامعة الجزائر، ودرس معنا في معهد بن باديس، كما عملنا سويا في جريدة «الشعب» سنة 1964 كمحرر، وفي السنوات الأخيرة كمصحح لغوي مع المرحوم محمد قارح صاحب ركن «خطأ وصواب»، و»قل ولا تقل»، وكم كنت أحثه على جمعها ونشرها في كتاب، ولم يفعل، ومن يقوم بها اليوم، وهي تشكل أكثر من كتاب: رحمهم الله جميعا، ورحم جميع جنود الكلمة المكتوبة.
د.عبد الله ركيبي، سيرة وومسيرة وما أصدره من كتب خلال مسيرته الأدبية والجامعية:
لعب د.عبد الله ركيبي رحمه الله دورا هاما في تخريج مئات من الطلبة، كما خلف وراءه أكثر من 10 أعمال ثقافية وأدبية، أبرزها:
– قضايا عربية في الشعر الجزائري المعاصر
– الأوراس في الشعر العربي ودراسات أخرى
– تطور النثر الجزائري الحديث
– أحاديث في الأدب والثقافة
– نفوس ثائرة
– مصرع الطغاة
– عروبة الفكر والثقافة أولا
– ذكرياتي عن الثورة الجزائرية وأعمال أخرى
– الشاعر جلواح من التمرد إلى الانتحار
– الفرنكوفونية مشرقا ومغربا
– الجزائر في عيون الرحالة الانجليز
– أشرف على عشرات الرسائل الجامعية
– ألقى سلسلة من المحاضرات على طلبة الدراسات الجامعية في القاهرة، وبالضبط في «معهد الدراسات العربية» التابع لجامعة الدول العربية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com