ولا يوم الطين ؟
أ.د حجيبة أحمد شيدخ/
هذه الحياة أوجدها الله تبارك وتعالى للابتلاء ليميز الخبيث من الطيب. ومن مظاهر هذا الابتلاء؛ ابتلاء الإنسان بأخيه الإنسان: بالأزواج وبالأبناء وبالجيران وبالأرحام، والابتلاء يكون في حالات الخير وحالات الشر … ولتجاوز أسباب الخلافات حين وقوعها وضع الشرع ضوابط وقوانين لترشيد هذه العلاقات وجَعلِها تصب في المقصد من الوجود الإنساني: الخلافة، إذ الخلافة تقتضي التعاون والتآزر لتعمير الأرض؛ فالعمارة لا تتحقق بالتنافر والتشاجر ونصب المكائد، إذ كل ذلك يؤدي إلى خراب العمران.
بنى القرآن العلاقات الإنسانية للتعارف والتناغم الوظيفي، وحتى علاقة الإنسان بالكون بناها على أساس التعايش والاشتراك في مقاصد الوجود… فعن العلاقات الإنسانية يقول سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات /13]. وعن العلاقات الزوجية يقول تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم / 21].
فانجذاب الرجل والمرأة إلى بعضهما من أكبر آيات الله في خلقه، والقارئ للآية يلاحظ ذلك في بدايتها ونهايتها، ودعا الإسلام الطرفين إلى اتخاذ التدابير الكثيرة للحفاظ على هذه الحياة الزوجية وعدم نسيان الفضل بين الزوجين حتى في حالات الطلاق …
ولا يوم الطين؟
هذه مقولة «المعتمد بن عباد» أحد ملوك الأندلس لزوجته «اعتماد الرميكية»، اشتهرت هذه المرأة بالجمال والذكاء وقول الشعر الحسن، أحبها الملك حبا جما وكان لا يرد لها طلبا . اشتهت يوما أن تلعب مع الجواري في الطين، فأشفق عليها من ذلك لكنه حقق أمنيتها بأن أمر بصنع طين خاص من مكونات كثيرة كانت تفوح عطرا، وخرجت فلعبت وصويحباتها .. حين أدبرت الأيام على الملك ونفي إلى مدينة أغمات بالمغرب وتغيرت عليهما الأوضاع، حدث بينهما خلاف فقالت بغضب ناسية فضائله: والله لم أر منك خيرا قط …وبحسرة أجابها وفي عينيه عتاب وفي قلبه ألم: ولا يوم الطين؟ فسكتت السيدة ورجعت إلى نفسها، ثم اعتذرت من زوجها الحزين….
بقيت هذه العبارة تتناقلها الأجيال للتعبير على نكران العشير. والنكران في الواقع لا يقتصر على المرأة فقط فيشترك فيه الإنسان (رجلا وامرأة) حين يسيطر عليه الغضب وينسى قوله تعالى:
﴿ولا تنسوا الفضل بينكم﴾، ولكنه عند النساء أكثر، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم النساء من ذلك، فأخبر أن أغلب أهل النار النساء، وذلك بسبب كفران العشير فورد في البخاري عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط». وإعادة قراءة الحديث والحوادث فرصة للنساء لمراجعة علاقاتهن بالأزواج وخطورة ما نتلفظ به في حياتنا اليومية علنا ننجو …
ومن أجمل ما قيل في الحادثة، قصيدة أحمد علي سليمان عبد الرحيم، وهذه بعض الأبيات منها:
كفرُ العشير يضاعفُ الأوجاعا *** وبشؤمِه صرْحُ الإخا يتداعى
والأمرُ مُطردٌ على طول المَدى *** وحوادث التاريخ أطولُ باعا
كم من حليل مُخلص مُتفضل *** أعطى وأبدع في العطا إبداعا
لم يألُ جهداً في السخاء يسوقه *** لحليلةٍ عكستْ له الأوضاعا
قلبتْ له ظهرَ المِجَنّ جهالة *** ثم استباحتْ كيدَها الخدّاعا