وراء الأحداث

فرسان الشر الأسود في البيت الأبيض !

أ. عبد الحميد عبدوس/

استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية يوم الأربعاء الماضي 20 نوفمبر 2024، حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار في غزة، وبذلك تثبت الولايات المتحدة الأمريكية، مرة أخرى، أنها شريكة أساسية في حرب الإبادة المتواصلة منذ أكثر من عام على قطاع غزة، وأنها هي الداعمة الأولى لدولة الإرهاب الإسرائيلية التي يحكمها مجرم حرب، بنيامين نتنياهو،الذي أصدرت ضده محكمة الجنايات الدولية أمرا بالقبض عليه.كانت هذه هي المرة الرابعة، خلال عام واحد، التي تستخدم فيها إدارة الرئيس المنتهية عهدته جو بايدن حق النقض لعرقلة وقف إطلاق النار في غزة لاستمرار جرائم القتل والتجويع والتهجير والتدميرالتي تمارسها حكومة المجرم نتنياهو في فلسطين. كان هذا الفيتو هو التاسع والأربعين الذي تستخدمه الإدارات المختلفة للولايات المتحدة الأمريكية لحماية دولة الإرهاب الإسرائيلية، وتجنيبها الخضوع للمحاسبة القانونية الدولية، وتمكينها من الإفلات من العقاب.
كل أعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين ـ باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية ـ صوتوا لصالح مشروع قرار قدمه ممثل الجزائر في الأمم المتحدة السفير عمار بن جامع نيابة عن مجموعة الدول العربية، لذلك اعتبر ممثل الجزائر استخدام الفيتو الأمريكي ضد مشروع القرار ألأممي بأنه: «يوم حزين». قائلا: «رسالة اليوم واضحة إلى قوة الاحتلال الإسرائيلية، أولا، يمكنكم الاستمرار في الإبادة الجماعية. يمكنكم الاستمرار في عقابكم الجماعي للشعب الفلسطيني مع إفلات تام من العقاب، فأنتم تتمتعون بالحصانة. «نفس شعور الغضب والاستياء والإدانة للموقف الأمريكي عبر عنه العديد من مندوبي الدول، حيث اعتبر نائب السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، ماجد بامية، أنه: «لا يوجد أي مبرر على الإطلاق لاستخدام حق النقض ضد مشروع قرار يحاول وقف الفظائع».. أما السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، فاعتبر: «المعارضة الباردة والساخرة من جانب الولايات المتحدة للمطالبة البسيطة نيابة عن المجلس بإنقاذ الأرواح البشرية هي عمل غير أخلاقي وغير إنساني». من جهته، قال السفير الصيني لدى الأمم المتحدة فو كونغ: «44ألف قتلوا في غزة ومع ذلك لم تتردد الولايات المتحدة في استخدام حق الفيتو ضد وقف إطلاق النار»، كما عبر مندوبا بريطانيا وفرنسا عن خيبة أملهما من عدم اعتماد قرار وقف إطلاق النار في غزة. الذي كان يطالب: «بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار يجب أن تحترمه كل الأطراف، والإفراج الفوري وغير المشروط عن كل الرهائن».
نائب المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة روبرت وود، برر استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض (الفيتو) بالقول إن حماس هي التي ترفض وقف إطلاق النار وليس إسرائيل، وأن الموافقة على مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة هو: «رسالة خطيرة توجه إلى حماس مفادها أنه لا داعي للعودة إلى طاولة المفاوضات».. المعلق في صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، نيكولاس كريستوف، كتب: «مع أن حلفاء الولايات المتحدة دعموا القرار، إلا أن واشنطن وقفت ضده. وعندما تتورط أسلحتنا في جرائم حرب، ربما حان الوقت لإعادة التفكير في السياسة». قبل أسبوع من استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض، دعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن إلى إنهاء القتال لأن إسرائيل: «حققت أهدافها الإستراتيجية من الحرب في قطاع غزة». بعد تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بليكن عن حقيقة الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية كتب الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، اسحاق بيرك، في صحيفة «هآ رتس» العبرية: «لو جاء كائن من الفضاء الخارجي ونظر إلينا من أعلى، ماذا سيرى؟ سيرى حرباً تستمر منذ أكثر من سنة، ولا نهاية لها. سيرى بأنه لم يتحقق أي هدف من أهداف الحرب، سواء تحرير المخطوفين، أو عودة المخلين من الشمال إلى بيوتهم، أو تدمير حماس أو حزب الله، أو إبعاد إيران عن وكلائها. سيرى أن اقتصاد إسرائيل في حالة انهيار، والمناعة الاجتماعية في حالة تفكك، وعلى شفا الحرب الأهلية، والعالم المتنور ينفصل عن إسرائيل، والجيش البري يتآكل إلى أقصى درجة».
هكذا يتضح أن مسؤولي الولايات المتحدة الأمريكية يشنون ضد الفلسطينيين حربا نفسية وإعلامية ودبلوماسية، بموازاة المشاركة في الحرب العسكرية. فعندما يريدون التقليل من شأن المقاومة والتأثير على معنويات المجاهدين ينشرون الدعايات المسمومة عن تحقيق إسرائيل لانتصار مزعوم وتمكنها من تحقيق أهدافها وهزيمة حماس، وعندما يريدون توفير الغطاء لاستمرار حرب الإبادة الإسرائيلية يستخدمون حق النقض في مجلس الأمن ضد وقف إطلاق النار، وعندما يريدون توسيع نطاق العدوان الإسرائيلي على الدول العربية يقدمون المزيد من الأسلحة والدعم المالي لحكومة الإجرام الإسرائيلية.
في ظل هذا الوضع، يبدو حال العرب والمسلمين مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تتصرف في شؤون العالم، كحال الأيتام في مأدبة اللئام ،فحتى عندما أراد الكثير منهم الانتقام من إدارة جو بايدن المتصهينة، والثأر من دورها في تغذية حرب الإبادة الجماعية في غزة ولبنان، لم يجدوا أمامهم سوى الملياردير المقامر دونالد ترامب للتصويت له في الانتخابات الرئاسية للتخلص من إدارة بايدن . لكنهم كانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار. فإذا كانت إدارة الرئيس جو بايدن والديمقراطيون مصيبة داهية، بالنسبة لهم، فإن إدارة دونالد ترامب والجمهوريين المقبلة هي أشبه بجهنم حارقة. سرعان ما كشف الرئيس المنتخب الجديد، دونالد ترامب، عن اختيار فريق حكومي أعتبره الإسرائيليون بمثابة «فريق الأحلام»، وشبهته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية بأنه “وجبة أكسجين” داعمة لحكومة نتنياهو في مساعيها لاحتلال قطاع غزة، وربما تكريس احتلال شريط جغرافي من جنوب لبنان. لم يكن مقياس اختيار فريق ترامب الحكومي الجديد هي الكفاءة العلمية أو الخبرة المهنية أو السمعة الأخلاقية، ولكنها كانت ـ مع استثناءات قليلةـ الوفاء لولي النعمة، دونالد ترامب، والانحياز الكامل للكيان ألإسرائيلي. أصبحت السمة البارزة للإدارة الأمريكية المقبلة هي تأييد سياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في إسرائيل، والسعي لإنهاء الوجود السياسي للفلسطينيين وإلغاء حق «حل الدولتين». أغلب الظن أنه لو أشرف المجرم بنيامين نتياهو بنفسه على اختيار هذا الفريق الحكومي من عتاة اليمينين المتطرفين والعنصريين المعادين للفلسطينيين، لما وجد أحسن من السيناتور جي دي فانس الذي اختاره ترامب ليكون نائبا للرئيس، والسيناتور جون ثون الذي تم اختياره ليكون زعيما للأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ،ليعتلي منصب رئيس مجلس الشيوخ، والسيناتور ماركو روبيو الذي رشح ليكون وزيرا للخارجية، و عضو مجلس النواب مايكل والتز ليكون مستشارا للأمن القومي، وجون راتكليف ليكون مديرا لوكالة المخابرات المركزية (سي.آي. إي)، وحاكمة ولاية داكوتا الجنوبية كريستي نويم لتولي وزارة الأمن الداخلي، وداغ بورغوم ليكون وزيرا للداخلية، والنائبة إليز ستيفانيك لتكون مندوبة لأمريكا لدى الأمم المتحدة: والقس البروتستانتي السابق مايك هاكابي ليكون السفير الأمريكي لدى إسرائيل. والمستثمر العقاري اليهودي ستيفن ويتكوف ليكون مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط.
لقد وعد دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية ،لاستقطاب أصوات الأمريكيين من ذوي الأصول العربية والإسلامية، والفوز برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بتوقيف الحرب في الشرق الأوسط، لكن السفير الأمريكي الأسبق في إسرائيل، دانيال كورتز اعتبر تشكيلة هذه الحكومة الترامبية المقترحة، بأنها: «لن تؤدي إلا لخلق المشاكل في الشرق الأوسط».

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com