ويبقى الأمل…/كمال أبوسنة
واقع الأمة اليوم يرسم لنا صورة سوداوية لا يبيضها إلا الأمل في الله رب العالمين الذي بشر الصالحين من عباده المخلصين بميراث الأرض حين قال:﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾[سورة الأنبياء:105].
وبشارات رسولنا –صلى الله عليه وسلم- الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، الذي قال فيما رواه عنه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-:” تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكاً عاضًّا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبريًّا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة” رواه أحمد:(4/273)، وقال الهيثمي في “الـمَجْمَع”: (5/189): رواه أحمد، والبزار أتمَّ منه، والطبراني ببعضه في الأوسط ورجاله ثقات.
لقد مرت الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل بمحن عظيمة، وفتن كبيرة، ولكنها استطاعت رغم ذلك أن تنهض من جديد، وترفع التحدي، وتجابه المشكلات، وتنتصر على الأزمات التي لو أصابت أمة أخرى لهدمت أركانها، وجعلتها نسيا منسيا…
إنها أمة كتب الله لها أن تعيش ولا تموت، ويستمر وجودها، ولا ينقطع ذكرها، ولا تقف حركتها، لأنها أمة محفوظة بالفئة الصالحة، والجماعة الطاهرة التي رغم غربتها فإنها لا تهادن الفساد، ولا تترك دورها المنوط بها في مسيرة الإصلاح الشامل في الشدة والرخاء، وفي السراء وحين البأس، فعن معاوية -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:” لا تزال طائفةٌ من أمتي قائمةً بأمر الله، لا يضرُّهم من خَذَلَهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس” رواه أحمد والشيخان.
هناك لغة غريبة يحاول أصحابها نشرها بين أفراد الأمة…إنها لغة غير بريئة، لأناس غير بريئين يسعون إلى “صناعة اليأس”…هذا المرض الخبيث الذي يقتل المجتمعات، ويحطم الأمم، ويجعل الأفراد انهزاميين وفاشلين ومتواكلين، أمواتا على شكل أحياء، لا يعرفون إلا البكاء، وإلقاء المرثيات على الأشلاء، وينتظرون “الـمخلص” ليأتيهم من مكان بعيد فينقذهم من كل آلامهم، ويقودهم إلى النصر المنشود، وقد لانت لهم السنن الكونية، وحابتهم من دون خلق الله أجمعين..!
إن الوصول إلى أي نقطة لابد من خطوات أولى يسيرها مبتغي الوصول إلى الهدف، ولن يصل إلا من ملك الإيمان المتجدد، والقدرة على الاستمرار في الحركة في كل الظروف، والشجاعة على ورود ساحات الوغى إذا كان ذلك حتما لا مفر منه، ويجمل كل هذا بالأمل وتصديق موعود الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وصدق الشيخ محمد الغزالي-رحمه الله-حين قال:” ما ساد المسلمون إلا يوم أن قهروا نوازع الخوف، وقتلوا بواعث القعود، وعرفتهم ميادين الموت أبطالا يردون الغمرات، ويركبون الصعاب، وما طمع الطامعون فيهم إلا يوم أن أخلدوا إلى الأرض، وأحبوا معيشة السلم، وكرهوا أن يدفعوا ضرائب الدم والمال” [تأملات في الدين والحياة].
هناك من خصوم الأمة الإسلامية من أبناء جلدتها، ومن غير أبناء جلدتها، من له القدرة على قتل “الفعل” من الخطوة الأولى، وإسقاط الجنين قبل تشكله الكامل في بطن أمه…
وفي الجهة الأخرى هناك من أبناء الأمة المخلصين من ينهزمون في الساعات الأولى من بدء المعركة، فيتأخر بسببهم الركب عن المسير، خاصة إذا كانوا على رأس التوجيه والقيادة، وكم من معركة فاصلة كان الانتصار فيها حليف العدد القليل الثابت أمام الفئة الكثيرة ذات العدة الرهيبة، وكم من رجل ثابت لا يعرف اليأس طريقا إليه كان سببا –بإذن الله- في صمود جيش قوامه مئات الآلاف من الرجال، ووصوله إلى هدفه، وكانت المؤشرات كلها تأبى ذلك..!
إن اليأس عدو النجاح، وما وصل المسلمون الأوائل إلى ما وصلوا إليه من نصر عزيز، ورقي كبير، ونهضة مشهود لها بالعبقرية، شرقا وغربا، إلا حينما كان الأمل مفتاح الفرج، والإيمان بالذات عنوان كل تحرك وعنفوانه، والالتزام بتوجيهات السماء أمر محقق في القادة والجند على حد سواء، وهذا ما جعل الخصوم غير قادرين على مواجهة تلك الأنفس التي تستلهم طاقتها من نظرة مشرقة إلى المستقبل الذي تتحكم فيه أقدار الله وتصنعه الأيدي المتوضئة التي يؤمن أصحابها بأنهم خلقوا ليكونوا شهداء الله في أرضه بعد أن يقيموا “أمة الشهادة”..!