إصدارات

مسرحية (سري للغاية) للكاتب جمال باشا طوفان الأقصى ومؤامرة خذلان غزة

متابعة: الأخضر رحموني/

(سري للغاية) هو عنوان مسرحية من توقيع الكاتب الصحفي ورجل التربية والتعليم الأستاذ جمال باشا الصادرة مؤخرا عن دار ساجد للنشر والتوزيع ببسكرة / الجزائر. يعتبر هذا العمل الأدبي آخر إصدارات المؤلف بعد سلسلة من العناوين في أجناس أدبية مختلفة منها: الوجه الأخر للتربية والتعليم ـ الصريح -بلا حدود – المنعطف السابع- ليلة كنت رئيسا للجمهورية.
تقع المسرحية في ثلاثة فصول وكل فصل يتألف من ثلاثة مشاهد. يحيل العنوان قارئ هذا العمل الإبداعي مع تيمة غلاف الكتاب الذي تدثر باللون الأسود، وتزين بصورة تمثل طاولة حولها أشخاص ملامحهم غير واضحة بسبب الظلام الخافت، جالسون في اجتماع وأمامهم أوراق تقاريرهم، وهم في لحظة صمت واستماع عميق لأحدهم مع التفكير البعيد، كأن النقاش يدور حول أحداث غاية في الخطورة على أن محتوى المسرحية جريمة بوليسية متشعبة الأذرع والمواقع، أو اكتشاف عصابة إرهابية دولية تنخر جسد الوطن، أو محاولة تسجيل أسرار دولة معتدية تسعى لضرب الاستقرار، أو حتى فصول برنامج انقلاب عسكري مخطط حدوثه قريبا. لكن ما أن يشرع في ولوج متن المسرحية و عوالمها بعد رفع الستار حتى تنكشف الحقيقة، إنها مسرحية سياسية تاريخية تتحدث عن كل هذه المخططات والمؤامرات الدنيئة بأسلوب أدبي راق، زاده جمالا الحنكة في التشويق و التركيز على وحدة الفكرة. إنها توثيق صادق لأكبر جريمة إنسانية في العصر الحديث تتناول طريقة الشروع في بيع القضية الجوهرية لأمتنا العربية والإسلامية من جديد، قضية فلسطين التي لا يزال جرحها ينزف، وأسباب طوفان الأقصى الذي جاء ليوقف مثل هذه المهازل، وإسقاط الأقنعة عن الممثلين الحقيقيين لمأساة الشعب الفلسطيني بتجويعه وتدمير بنيته التحتية في قطاع غزة.


وإذا كان كل واحد يحاول التأريخ والكتابة عن فصوله بطريقته الخاصة، كالمحللين الإعلاميين والشعراء ورجال السياسة وعلم الاجتماع والفنانين في مختلف مجالات الإبداع، فإنّ الكاتب جمال باشا فضل الاقتراب من عالم الأدب، وصنع من المعاناة نصا مسرحيا حتى يفضح علانية فوق خشبة المسرح وأمام الجمهور ما كان يبرمج في الغرف المظلمة، ويفهم الجيل القادم الحقيقة المغيبة التي أدت إلى اشتعال المنطقة لتحقيق أمنية إسرائيل الأبدية وهي السيطرة على الأراضي بالتوسع والاغتصاب بتشجيع من العالم الغربي وصمته الرهيب، وهوان العالم العربي وخذلانه برموزه ذوي الشخصية الضعيفة. وحتى لا يقع الكاتب في آفة السرد التاريخي والأسلوب التقريري والخطابي، ركز على أسلوب الحوار بمستوياته بين شخوص المسرحية – حتى و إن كانت في بعض فقراتها طويلة نسبيا -،مع توظيف الأسماء المتنوعة التي اختار لها رموزا ذات دلالات مستمدة من التاريخ العالمي، والإسقاطات من التراث العربي والإسلامي لشخصيات ومناطق يمكن تأويلها حسب السياقات بهدف الابتعاد عن كل الشبهات المحتمل وقوعها داخليا،و تحاشي السقوط في فخ المآزق الديبلوماسية بين الدول مستقبلا.
مسرحية (سري للغاية) عمل في حاجة إلى مخرج قدير لتأثيث أجوائه بحنكة فنية خاصة على مستوى الديكور والإضاءة والألبسة المتنوعة التي تقدم المعاني المقصودة للمشاهد بكل سهولة، والكاتب فكك بعض الرموز بتوضيح البيانات التاريخية – وكان الأجدر تجنب ذكرها لأن القارئ الذكي لا يحبذ المساعدة في شرح رموز الشخصيات من أجل تركه يسبح في الخيال بحثا عن متعة القبض على مدلولاتها المقصودة بنفسه، ولأنها من المهام الأساسية للناقد الحصيف الذي يستطيع بمهارة وخبرة تشريح مفصليات النص والتغلغل في أسراره الغامضة–، والإسراع لتجسيدها فوق الركح ضروري في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها القضية الفلسطينية ، فهي تمتاز في بعض المشاهد واللقطات بالسخرية الهادفة واللغة البسيطة المعبرة التي لا تشعر القارئ بالملل، إنها أفضل مساعدة يمكن تقديمها لكسر الحصار والدمار، وإسقاط مبادرات التطبيع بكل أوجهه الثقافية والسياسية. والكاتب أهدى نصه بافتخار إلى (رجال المقاومة في قطاع غزة دون غيرهم؛ لأنهم قرؤوا وفهموا وطبقوا مقولة أحد الأحرار «انهضوا أيها العبيد؛ إنكم لا ترونهم كبارا إلا لأنكم ساجدون» وبفضل ثورتهم المباغتة؛ عرف من ظل لا يعرف الوجه الآخر للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية والعربية بما فيهم مختلف المنظمات العالمية).
وكما أشار الدكتور شارف عامر من جامعة محمد خيضر في كلمة التقديم للمسرحية (إنها تهدف – بصفتها رسالة إلى الجمهور – إلى مطارحة تاريخية بإسقاطات حية على الواقع ربطت بين الشخصيات والأحداث والمكان والزمان والظروف، بلمسات فنية معتمدة على التاريخ والحكي والمقابلات، وتخيلات أديب مبدع، نسج خيوط مسرحيته بأمانة وعمق، معبرة عن قلقه).

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com