الكراهية في خطاب أمين الزاوي التربوي (الجزء الأول)

د. محمد مراح/
ونحن ندلف سنة دراسية جديدة في ظروف إقليمية وعالمية شديدة الخطورة، يحسن بنا تكثيف اليقظة والانتباه لمسالك الإيقاع بالدول الناشئة المتشبثة باستقلالها وسيادتها، وحقها في مستقبل يليق بها. ومما يقتضيه ذلك تفحص الساحة الداخلية جيدا في كل المجالات، ورصد الاتجاهات، والوسائل والأفكار التي قد توظف ببراعة وخبث ” الصراع الاستعماري” للتأثير في تلك الدول ومنها الجزائر يقينا. ومن خلال تحليلنا لخطاب الروائي الزاوي أمين في موقع “انديبندنت عربية” البريطاني، نقدم للقارئ ومن يعنيه الأمر الرقعة التربوية التي رسمها للتربية والتعليم في الجزائر، وتقييم أدائها في الجوقة المذكورة. خاصة مع إصرار وزير التربية على قطع أربطة الوصل بين مفاصل العلوم الشرعية الثانوية بالجامعية.
من أبرز الغزاوت البربرية الفاشية التي شنها التيار اللائكي بفصائله خلال العقود الثلاثة الماضية شن الحروب الضارية على التربية والتعليم مناهجا ومضامين ومؤسسات وهيئات ومعلمين، وتشريعات. يرمز لضرواتها، وحقدها وكراهيتها، واستعداد أصحابها ارتكاب أبشع الجرائم ؛جريمة بيع أسئلة البكالوريا أمام الثانويات في التسعينات خلال المأساة الوطنية، ترهيبا لمشروع المدرسة الأصيلة الذي قاده وزير التربية في سنوات اللهب وقطع الأعناق على بن محمد .وكلما واتت ظروف ما التيار الاستئصالي اللائكي المقاول لفرنسا تحديدا، شحذ خناجره الآثمة مجددا للطعن في هوية الأمة المستقرة عبر قرون منذ الفتح الإسلامي، مبتغين الثأر منه ومن منظومته الحضارية، عبر جسم التربية ومنظومتها في الجزائر .
وخطاب أمين الزاوي المستخلص من نحو مائة مقال منشور في الموقع البريطاني “أنديبندنت عربية” وصحيفة الحقد الأسود على “ريحة الجزائر”؛ “العرب” اللندنية يندرج ضمن هذه الحرب. فالحرب على المدرسة الجزائرية تتجدد كلما توفرت ظروف سياسية لإيقادها، ومهما يكن فسوف نرى الأعواد التي ألقى بها في نار الحرب هذه . وهذا ما سنقف عليه في خطاب الكراهية الشاملة لدى الروائي الجزائري الزاوي أمين.
لنبدأ بفاتحة الرسم؛ يذهب إلى أن: “تلاميذ المدارس الابتدائية مناضلون في أكبر حزب إسلامي؟ و هذا نص الزاوي الذي أعماه حقده، فوقع فيما لا يقع فيه أبعد العوام عن الفكر والثقافة والفن ؛”إن المدرسة، وحتى قبل الاعتراف بالتعددية الحزبية وجوازها، كانت الحزب الإسلامي الأكثر تأثيراً في السياسة والمجتمع وفي الفرد والجماعة، وهي الحزب الذي يجمع أكبر عدد من المنخرطين، أزيد من 10 ملايين منخرط ومتعاطف وصديق، والعدد في تصاعد مستمر”، فهذا العدد هو عدد التلاميذ الذي ارتفع الآن لنحو 12 مليونا، وليس المعلمين والأساتذة والإداريين، وغيرهم. ما هي إنجازات هذا الحزب التربوية؟ يعرضها الزاوي على أنها حرب في مستوى الحرب العالمية الثانية بطريقته السريالية رغم أنه لم يكن يوما ما أديبا سرياليا، إنما سرواليا سريريا؛يقول :” إن أعظم دمار تعرض له المجتمع ، ولا يزال مستمرا كان على يد هذه المدرسة بأيديولوجيتها النازية ! يقول ” إن المجتمع الجزائري، شأنه شأن المجتمعات العربية والمغاربية، لم يتم تطعيمه بأيديولوجيا التعصب والإسلاموية من طريق الأحزاب السياسية، فتلك أثرها محدود جداً، وإنما تم ذلك أساساً وبشكل عميق من طريق البرامج المدرسية المتطرفة والمعمّمة، فأمام ما تقوم به المدرسة من تشويه للعقول يبدو عمل الأحزاب السياسية الإسلامية على اختلافها شكلياً وبدائياً … إن المدرسة الجزائرية، وهي في ذلك لا تختلف عن مثيلاتها في الدول العربية والمغاربية، تشبه من حيث هيكلتها إلى حد ما، النظام الأيديولوجي الذي قامت عليه النازية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، لأنها مدرسة مخترقة من قبل حزب “الإخوان المسلمين” الذي يشبه حزب النازية في تراتبية”. لم يشعر المفتري بأي حرج على أنه مطالب بتوضيح هذا الإبداع في تشخيص المشكلة التربوية والتعليمية في العالم العربي. ما هي هيكلة المدرسة الجزائرية النازية ؟ : إداريا : المدير ــ المراقب العام ــ الناظر ــ المراقبون التربويون . تعليميا: المعلمون والأساتذة .أين تكمن النازية في هذين المكونين ؟ يقينا أن كاتب هذا الهذيان لم يكن في وعيه . أيضا إن استسهال تعميم الأحكام كثيرا مايجعل صاحبه موضع سخرية حينا وتحقيرا حينا آخر، وتعنيفا يناسب صفاقته ثالثة : ما هي الخبرة التربوية الأكاديمية والميدانية التي أهلته لتعميم هذا الهراء؟ لا شيء بالطبع إلا تقديم فروض الولاء الذليلة لمن يهمهم الأمر! فأنظمة التربية والتعليم في العالم العربي متباينة، نظرا لأكبر عامل مؤثر في هذا التباين ألا وهو النموذج الغربي المطبق في كل بلد؛ وهما نموذجان اثنان في الغالب : الإنجليزي في دول المشرق العربي، والخليج العربي، والفرنسي في بلاد المغرب العربي، مع فروق في خصوصيات كل بلد، فضلا عن أثر نوع النظام السياسي لكل بلد . وقد حصلت في السنوات الأخيرة في بلدان الخليج العربي على وجه التحديد تطورات كبيرة في نظم إدارة التعليم ومناهجه ووسائله، ومهاراته، إذ تستفيد من التجارب العظيمة لدول أبدعت إبداعات عبقرية في هذا الميدان : الولايات المتحدةــ اليابان ــ ألمانيا ـــ فنلندا وهكذا .
أما وصفه لهذا النظام الإداري التراتبي بالنازي، فعمّن ورثناه في بلاد المغرب العربي؟ أليس من فرنسا، إذن غباؤه وحقده على الهوية العربية الإسلامية للتعليم أردياه في ورطة عويصة؛ إذن النظام الإداري الفرنسي نازي. ثم أليس هذا النظام التعليمي الذي نقلد فيه فرنسا !والذي عملت قدوته وزيرة التربية السابقة على توريط التعليم فيه إلى عقود طويلة قادمة، مما يجعلنا رهينة التخلف الذي آلت إليه فرنسا ولغتها التي ترتعد فرائسه فزعا كلما تكلم أحد عن الانتقال إلى لغات العلم والإبداع والابتكار.
إنه حقود أعماه الحقد ؛ فصار ينظر للنظام التربوي كله من زاوية اللغة العربية والتربية الإسلامية والتاريخ أي مواد الهوية التي خاض التيار الاستئصالي اللائكي والمتفرنس أعنف المعارك والمؤامرات للإجهاز عليها، آخرها {الظاهرة الغبريطية} وقبلها لجنة بن زاغو التي اقترحت تدريس كل الديانات لأطفال مجتمع مسلم 99 بالمائة، وتدريس العامية مرحليا ريثما يقضى على العربية، ويخلو الجو لمعشوقتهم الشمطاء الفرنسية. وشهادة الأستاذ رابح خدوسي “100 يوم في اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية” أنصع شهادة على الجريمة المبيتة .
إن مداركه لا تزيد عن مدارك العوام رواد المقاهي وجلسات الثرثرة واللغو الفارغ؛ يقول: “أيديولوجياً تتولى المدرسة الطفل من سن الرابعة إلى الـ 18، من مرحلة المدرسة القرآنية مروراً بأطوار التعليم جميعها وصولاً إلى شهادة البكالوريا، وفي هذه المسيرة التربوية التي عمرها 14 سنة تقريباً، يتعرض عقل التلميذ إلى غسيل دماغي، هدفه شحن جاهزية المتعلم بأيديولوجية أعرق حزب إسلامي، وهو حزب “الإخوان المسلمين . ففي المدرسة يتعلم الطفل رفض العلمانية ويعتبرها زندقة وكفراً، وفيها يتعلم بأن الديمقراطية متعارضة مع الإسلام، وفيها يتعلم بأن حقوق الإنسان العالمية معادية لمبادئ الإسلام، وفيها يتعلم الخوف من الآخر ورفض العيش المشترك مع معتنقي الديانات الأخرى في العالم، وبهذا التكوين يصل الشاب إلى هذه الأحزاب “قنبلة” بشرية جاهزة للانفجار في أي مكان وأي وقت، ومستعداً للانتحار “الداعشي” أو “الإخواني” . “التيار الإسلامي ممثلاً في الإخوان المسلمين الذين وضعوا اليد على المدرسة أولاً، وهو التيار الذي يعتبر كل ثقافة جزائرية بغير اللغة العربية هي ثقافة “كافرة” تهدد الإسلام، وهي صوت الاستعمار الجديد “حزب فرنسا” .
فهل هذا تقييم يصدره من يُوَقِّع كل مقال من مقالاته بالكاتب والمفكر؟ إن نقلنا الهراء إلى هذا الحيز لكشف المخطط الذي تعمل ضمن هيئاته وتنظيماته السرية والعلنية، مدعاة للخجل؛ سفاسف القول، وأكاذيب التهم، وحمق الاستحماق . لكن ناقل التعهر ليس عاهرا بالضرورة؛ يقول : ففي الجزائر مثلاً، كما هو في كثير من دول شمال أفريقيا والمشرق، تمكن الإخوان المسلمون من مفاصل المدرسة منذ السبعينيات، فأسسوا شيئاً فشيئاً جبهة معادية للثقافة والفن ولكل ما يمكنه أن يجعل المتعلم إنساناً متوازناً وقادراً على التفكير والإبداع ” . نراه أيضا لم يحدد بالضبط ما هي{ كثير من الدول } هذه، و راح يعمم تاريخ ما يعتبره ظاهرة تسببت في أعظم مشكلة تربوية على بلاد العربية قاطبة، رغم أن عاملا واحدا من بين عوامل كثيرة يركل صفاقته إلى وادى الأوباش السحيق ، ألا وهو استقلال كل دولة، وتاريخ التعليم المعاصر فيها، وتباين أنظمتها السياسية .فمثلا هل كان العراق وسوريا البعثيان يسمحان للإخوان بوضع اليد على التعليم؟ هل كان بورقيبة يسمح بذلك في تونس؟ هل كان المغرب يسمح به، وهو المحافظ على خصوصياته التعليمية، وأطره التربوية، هل كل لبنان المسيحي الإسلامي يأذن بهذا؟، بل هل كان اليمن الاشتراكي الشيوعي يفعل ما يدعى،بل حتى مصر معقل الإخوان المسلمين الأصلي كان معلموها وأساتذتها من مختلف المشارب الثقافية والفكرية والسياسية والعقائدية ، حتى الذين درّسوا في الجزائر منهم الغالبية الساحقة لا صلة لهم بالإخوان بل ربما كانوا من أشد أعدائهم، وقد كانت السلطة الجزائرية في ذلك الزمن متشددة في انتقاء الأساتذة من الناحية السياسية والأيديولوجية، فكل الأساتذة والمعلمين المصريين فضلا عن السوريين الذين درّسوا في مدينتي تبسة منذ السبعينيات حتى الإكتفاء بالأستاذة الجزائريين لم أعرف أستاذا واحدا ينتمى إلى جماعة الإخوان، عدا ربما متعاطفين معهم فيما يقع عليهم خلال الصدام في عهد عبد الناصر. لست أدرى أحُمْقٌ هذا منه أم استحماق ؟ ، أوجه الزاوي وشيعته الشهادة :”، من الدكتور عثمان سعدي رحمه الله : ” أما عن المعلمين المصريين، فقد طلب سنة 1962 حبيبُ اللغة العربية أحمد بن بلة من جمال عبد الناصر مدَّ الجزائر بمعلّمين مصريين للمساهمة في تعريب التعليم في الجزائر، فأمر عبد الناصر بأن يُختار خيرةُ المعلمين لإرسالهم إلى الجزائر، وبأن يستمرّوا في تناول مرتّباتهم في مصر حتى يتركوا عائلاتهم بها تجنُّبا لتكليف الدولة الجزائرية بأعباء السكن العائلي، وأدى هؤلاء المعلمون دورهم مع إخوانهم من سائر الأقطار العربية التي هبّت نتيجة لاجتماع اتحاد المعلمين العرب في بيروت سنة 1963 من أجل مساعدة الجزائر في التعريب، وقد ترأس وفدَ الجزائر المرحوم علي مفتاحي من وهران .الذي طلب باسم الجزائر معلمين لمساعدتها على تعليم اللغة العربية في المدارس الجزائرية، وهبّ المعلمون من سائر الأقطار العربية من الكويت مثلا، ومن العراق ومن سوريا ومن السعودية ومن اليمن وغيرها من البلدان العربية، وأذكر أن رئيس جمهورية العراق أحمد حسن البكر كان يفتخر بأن ابنته ساهمت في عملية التعريب في الجزائر. إنّ العديد من المعلمين العرب المسيحيين ساهموا في عملية التعريب بالجزائر. هؤلاء المعلمون العرب أطّروا آلاف المعلمين الجزائريين الذين كوّنتهم مدارسُ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي علّمت أربعين ألف طفل وطفلة العربية بين 1931 و1962″.
لم أر كاتبا من كتاب الرأي في الصحيفتين اللتين فتحتا للكذاب الباب ليهذي عبرهما بهذا المستوى الفظيع من الجهل والكذب والسطحية؛ أحيانا يذهب ظني أنهم لا يغيب عنهم شيئ من الحقائق، إنما ونظرا لموقفهم المعادى الحاقد على الجزائر خاصة العرب اللندنية، والتي تضم مجموعة من كتاب الرأي يهاجمون الجزائر بضراوة لم نشهدها حتى مع الكيان أو عدو الخليج الأول إيران، إذن هم فيما يبدو يريدون أن يجعلوا الزاوي أمثولة لمستوى التفكير والثقافة والصحافة في الجزائر، فيكتمل مشهد النكاية بالجزائر الذي يعملون له .
*الاقتباسات موثقة بدقة في :
https://mohamedmrah.com