مَنْ جَمَعت شمل الأمة بالأمس مُغَيبة اليوم
الشيخ نــور الدين رزيق
الأمين العام – جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
عقب المؤتمر الاسلامي الذي إنعقد في 07 ربيع الأول 1355هـ الموافق لـ: 07 جوان 1936م بقاعة سينما الماجستيك (الأطلس حاليا) بحي باب الواد الجزائر العاصمة بدعوة من الشيخ ابن باديس (رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) والدكتور ابن جلول النائب بـ (فيدرالية المنتخبين المسلمين الجزائريين).
حضر هذا المؤتمر (الإسلامي) كل الأطياف والشخصيات السياسية حتى الشيوعين (وزعيمه عمار اوزغان) ثم التحق حزب نجم شمال إفريقيا برئاسة مصالي الحاج، وبعد تقديم مطالب المؤتمر والتفاعل السلبي معها من حكومة الجبهة الشعبية التي وصلت الى سدة الحكم في فرنسا وطرح مشروع بلوم-فيوليت الذي يدعو لدمج النخبة الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية، كتب الشيخ الرئيس عبد الحميد بن باديس مقالا مثيرا بعنوانه : [هل آن أوان اليأس من فرنسا] بعد الخيبة التي عمت الجزائر من تجاوب فرنسا مع مطالب الوفد الجزائري الذي سافر إلى باريس حاملا مطالب الجزائريين عقب هذا المؤتمر الإسلامي وبعد سنة كاملة من الانتظار كتب الإمام قائلا :”كذب رأي السياسة وساء فألها،كلا والله لا تسلمنا المماطلة إلى الضجر الذي يقعدنا عن العمل،وإنما تدفعنا إلى اليأس الذي يدفعنا إلى المغامرة والتضحية “(الآثار ج2 /365).
ان مما يلاحظ اثناء الازمة المعقدة التي مرت بها البلاد منذ صائفة 2018م (راجع جريدة البصائر) اذ سجلت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الانسداد السياسي وغياب القرار السياسي مما دعاها الى دعوة من كان بيده (زمام) الامور الى فتح باب النقاش والحوار، ولم تنتظر قيادة الجمعية المبادرة من السلطة بل فتح مكتبها الى مختلف التشكلات السياسية وبدأت فعلا مشاورات ولقاءات مع التشكيلات السياسية الاسلامية على الخصوص التي تقاسمها الكثير من المطالب والنقاط.
ومع بداية سنة2019م وبعد انعقاد جمعيتها العامة الخامسة، كان لقاء وطني جمع مكتبها الوطني والهيئة الاستشارية العليا حيث خلص هذا اللقاء الى الدعوة الى رفض العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، وتطورت بعد ذلك الاحداث وعظم أمر الحراك الشعبي وظهرت نداءت وصيحات تدعو إلى المؤتمر التاسيسي الدعوة القديمة الجديدة وهدفها واضح، كل شيء قابل للنقاش وأصبحت حالة من الغموض تكتنف المرحلة، فدعت جمعية العلماء المجتمع المدني في لقاءات مفتوحة حتى نصل إلى اقتراح وحل يخرج البلد مما وقع فيه من الانسداد السياسي وفعلا توجت هذه اللقاءات بلقاء عام بنادي الترقي، حضره اكثر من اربعين (40)جمعية وطنية عنوانه البارز المحافظة على مؤسسات الدولة فتبنت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الحل الدستوري وان كان ناقصا خير من الفوضى والمستقبل المجهول المفتوح على كل الاحتمالات، وهذا الذي كان.
تمسك جمعية العلماء بالمادة 7و8 من الدستور لايجاد المخرج لهذه الازمة جعلها في خط المساهمة في الحفاظ على سير المؤسسات فاختارت المشاركة في اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات.
وها هي تتصدر اليوم الحياة الثقافية وإحياء المناسبات الدينية والوطنية في كل أسبوع بنشاط أوأكثر، بالإضافة إلى العمل الدبلوماسي بمفهوم الإنسانية الإغاثي حيث يكمل ما تقوم به الدبلوماسية السياسية في الهيئات والمؤسسات الدولية في قضية الأمة فلسطين والجارة المقهورة الصحراء الغربية بالمخيمات.
كل ذلك خدمة لبقاء الدولة والحفاظ على مقومات هذا الشعب. ولكن رغم كل هذا كان بقية مطالب جمعية العلماء غير مستجاب لها ولكن نقول ان العمل الوطني المستمد من شخصيتها وما يمليه عليها ضميرها وايمانها بالقيم والمبادئ التي ضحىت من أجلها أجيال.
ولكننا نُذكر بمقولة عبدالرحمن الثعالبي عليه رحمة الله:
إن الجزائر في أحوالها عجب *** ولا يدوم بها للناس مكروه
ما حل عسر بها أوضاق متسع *** إلا ويسر من الرحمان يتلوه.