في فهم أدب الفنطازيا السحرية (من هاري بوتر الى بستان عربستان)
د.عبد الحفيظ احمد بورديم*/
توطئة
من حسنات مواقع التواصل انها اصبحت منابر لتقديم المعلومة وتلقيها وتحليلها، ولولاها لما علم الناس كثيرا من اخبار الادب والادباء. ومن ذلك الحديث المتداول عن الصخب الذي صاحب حضور الروائي السعودي (اسامة المسلم) بمعرض الكتاب في الجزائر بعد الرياض والقاهرة والرباط.
فما هي خصوصيته؟
وما هي المتغيرات التي ابرزته؟
ولماذا يقبل عليه المراهقون؟
وكيف سيتعامل معه الاكاديميون؟
الفرضية
سنفترض أنه لا يستمد مكانته من الجمالية الادبية بقدر ما يستمدها من كونه أدبا سحريا فنطازيا يستجيب للحاجات النفسية للمراهقين وتدعمه شبكة لوجيستية اعلامية ومالية تقوم بالترويج والإشهار.
ولذلك ارى من اللائق ضرورة تحليل الجهاز المفاهيمي وتبيين التعالقات الوظيفية بين الادب والسحر لانهما مكونان للفانطازيا.
السحر
السحر في ذاته محاولة لتفسير العالم والوجود بالخروج عن المألوف، وادعاء معرفة الخفي من العلوم، وتجاوز للعقل السببي… ولذلك فإن الحضارات الاولى _خصوصا البدائية_اعتمدت السحر مطلبا لاستغفال المستضعفين واستعبادهم بادعاء الكهانة والاستعانة بالشيطانية.
وقد كانت رسالة (موسى عليه السلام) مقاومة للفرعونية ومشروعها القائم على دعم السحرة له وتحكمهم في المدائن.
ثم جاءت رسالة (سليمان عليه السلام) لتبين الصلة الوثيقة بين السحر وبين الشياطين.
ولذلك حرص ( ابن خلدون) على الجمع بين العمران وبين المعرفة فجعل السحر وهو من العلوم غير النافعة من مقتضيات البداوة(التخلف)، بينما جعل العلم السببي من مقتضيات استقرار العمران(الحضارة).
ولما استفاقت اوربا من ظلمات العصور الوسطى، جعل (اوجست كونت) تاريخ الافكار الانسانية في ثلاث محطات هي: السحرية ثم الدينية ثم العلمية.
وانبنت النهضة الاوربية على العقلانية الديكارتية في فرنسا وعلى الوضعية المنطقية في انجلترا التي حاكم اصحابهما التراث العربي بدعوى لامعقوليته.
ثم انصرفت الحداثة باعتبارها تثبيتا للمركزية الاوربية عن المعنى واهتمت بالشكلانيات والعلائق الداخلية فوقعت في العبثية والعدمية.
ولما فقدت مبرراتها غلبتها دعوى نهاية التاريخ وتفسيرها بالعولمة الامريكية، التي ارتكزت الى سيميولوجيا (الايقونات) فمكنت من استعادة الدارك الرومانسيس dark romanssis ممثلا في الاستحضار التوراتي لتعاويذ السحر الاسود في معبد الشيطان.
وهكذا اسقطت العولمة الامريكية العقلانية الاوربية لتستعيد السحرية التوراتية والبدائية.
الادب والسحر
ياتي التعالق بينهما على ضربين:
* احدهما سحر الادب ليدل على التأثير الجمالي والدلالي الذي يكون للادب على المتلقي فيكون له مفعول الاعجاب فيوصف بالسحر وهذا وصف مجازي.
*والآخر ادب السحر ليدل على ميل الادب للتعبير عن موضوع السحر باعتباره متنا معرفيا وسلوكيا لتفسير الظواهر الكونية بديلا عن التفسير العلمي والتفسير الديني، فيكون التعالق بينهما حقيقيا وليس مجازيا..
ويستند الانثربولوجيون الى الضرب الثاني في تفسير اولية الشعر بالسجع وقد كان مرتبطا بالكهانة، كما استندت حكايات الف ليلة وليلة الى توظيف الجن والغيلان والسحر في متنها لاثارة المتلقي وتنويع الطرائق السردية، ثم استند الرومانسيون الى اطلاق ابليس من قيده واتخاذه رمزا للتحرر والتمرد، وحقق ابراهيم الكوني صعودا في الكتابة الروائية العربية لما وظف الطقوس الاسطورية والمعتقدات الخرافية عند طوارق الصحراء…
ولكن مثل هذا الخطاب ظل جماليا متعاليا عن المراهقين الذين كانوا يجدون لذتهم في القصص المصورة لطارزان والاقزام السبعة وجحا.
حتى ظهرت الروايات السبعة للكاتبة الانجليزية (جوانا رولينغ) والتي شغلت الناشرين والقراء المراهقين سنوات طوالا، ومدارها على صراع السحرة وقتالهم، ونجاة الصبي (هاري بوتر) الذي سيقتل قاتل أبويه.
وتنبني الرواية على برنامج سردي من الغرائبيات والعجائبيات، جعلها تتفوق على (النوبليين) لا من حيث الكفاءة السردية، ولكن منح حيث المبيعات.
ونجاحها لا يفسر الا ب(البسيكو تيرابي) عند الانسان المعاصر الذي فقد المقدس وفقد العقلانية، فاستدرجه الفراغ الى العجائبية لانها لذة يستانس بها الخائف من المصير، كما يجد متعاطي المخدرات راحة ولذة في التخلص من الوعي بالعالم ومشكلاته.
السيرة السحرية لاسامة المسلم
اسامة سعودي من الاحساء عاش طفولته في امريكا، ذو تكوين بالانجليزية، نشر اول رواياته في 2015 وفي رصيده الى الآن 26 رواية وهو دون الخمسين، ينشر بمعدل 3 روايات في السنة، في شكل سلاسل او منفردات، مولع بتصوير مشاهد الخوف والرعب والسحر، ويقول انها منشورات من سيرته، ويجعل اكثر نهاياتها مفتوحة.
وفي ثلاثيتيه (بستان عربستان) يصور صراعا ملحميا في الجاهلية بين امرأتين فارسية (أفسار) وعربية (دعجاء) تستعينان بالساحرات.
وبذلك استقطب فئة المراهقين في العالم العربي الى ما يكتبه، فهم يطلبونها في المواقع ويطلبونه في المعارض والندوات.
ولوعرضت عليهم روايات نجيب محفوظ او الغيطاني او الواسيني لتركوها، ولو عرضت عليهم الهوارية او الحوريات لاستصغروها.
فاي تفاوت بين اجيال الروائيين واجيال المتلقين؟!
كان التلقي مؤسسا بتحقيق الجماليات، مهما يكن الاختلاف التنظيري، ولا يرتفع الا من يرفعه النقد والنقاد، كذلك كان شأن الشاعر ابراهيم ناجي الذي اسكتته كلمة من طه حسين سنين خمسا كانت عجافا على الشاعر الموهوب.
ولما تامرك العالم تعولم التلقي، واصبح الادب بضاعة في السوق الليبرالية تحكمها الاعلانات والاشهارات، فانكسر قيد النقد بكل مناهجه الجمالية والايديولوجية والاخلاقية.
خلاصات
1/لم تعد الرواية ملحمة البورجوازية منذ سقوط حداثة المركزية الاوربية.
2/رواية الفانطازية السحرية هي ملحمة نهاية التاريخ وتثبيت ليبرالية المركزية الامريكية.
3/تقوم روايات الحداثة على التفسير الحسي للعالم فتنغمس في تعرية الجسد وتفكيك الثوابت وتجريب الشكل السردي.
4/تنتزع رواية الفانطازيا مقوماتها من توظيفها للعجائبيات المتولدة من التفسير السحري للعالم والوجود باثارة الدهشة والخوف.
5/رواية الحداثة تستقطب البالغين نفسيا وعقليا ليمارسوا القراءة التأويلية.
6/رواية الفانطازيا السحرية تستقطب المراهقين ليقرؤوها في غرف مظلمة وأجواء ساكنة ليرفعوا من منسوب الرعب.
7/رواية (هاري بوتر) تمثل الانسان الذي يولد مشبعا بالعولمة التي تنبني على ذرائعية البضاعة في السوق، فيغرق في تقبل العوالم الغامضة.
8/روايات (اسامة المسلم) توظيف للفانطازيا السحرية من منظور الادب العولمي المتأمرك انثربولوجيا وذرائعيا.
9/مسؤولية النقد الثقافي ان يكشف الاصول المتحكمة في صعود روايات الفانطازيا السحرية.
10/اول تلك الاصول هو تخدير المراهق بأن السحر الاسود وعبادة الشيطان هي المرتكزات لتفسير العالم والوجود.
وللحديث بقايا…