أخبار و أسرار في مشوار موكب الأبرار الاخيار مالك بن نبي، محطات في مسيرة صراع الأفكار فكرة تأسيس أول مسجد طلبة بالجامعة، وثيقة تنشر لأول مرة
أ. محمد مصطفى حابس – جنيف/سويسرا/
ذكرنا في الجزء السابق من مقالنا الموسوم: « أخبار و أسرار في مشوار موكب الأبرار الأخيار.. مالك بن نبي، محطات في مسيرة صراع الأفكار»، أنه من منجزات عبقرية مالك بن نبي، بعد الاستقلال خاصة، إنجازات جديدة في تاريخ الصحوة الإسلامية المعاصرة، نمر عليها اليوم غافلين، و ذكرنا منها على سبيل الذكر، لا الحصر خاصة، المشاريع الدعوية التالية :
1- فكرة حلقات مالك بن نبي في بيته، ومن كان يحضرها مع شهادات، بعض طلبته الذين لازالوا أحياء يرزقون.
2- فكرة تأسيس مسجد الطلبة، وثائق تنشر لأول مرة، مع شهادات جديدة لبعضهم لازالوا أحياء يرزقون.
ابن نبي في الجزائر المستقلة (1963- 1973) :
وقد ذكرنا باقتضاب المشروع الأول أي «فكرة مشروع حلقات مالك بن نبي وبعض ثمارها». لا ننسى قبل ذلك أن مالكا رحمه الله، عاد للجزائر في عام 1963م من مصر التي كان قد دخلها عام 1956، فارا من فرنسا.
أي في اليوم الذي انتُخب فيه أحمد بن بلة رئيسًا للجزائر المستقلة، كان ابن نبي ينتظر إشارة ليعود إلى وطنه الذي غاب عنه سنوات.. ومع العودة جمعه لقاء مع الرئيس الجديد، وتحدث ابن نبي عن مشكلة اللغة العربية في الجزائر وهموم أخرى وعن المطبات والعراقيل التي خلفها الاستعمار الفرنسي وراءه، واستمع إليه الرئيس بإنصات، وهكذا سار موكب ابن نبي في بدايات مسار الاستقلال، وواصل الكفاح في جبهة الفكر وفي ميدان الكلمة، فقد عُيِّن مديرًا للتعليم العالي، بطموحات عالية في التغيير، لكن أمله ما لبث أن تبدد عند أول منعطف حينما واجه إدارة الحكم والقادة الجدد، حين أقيل من منصبه عام 1967، بعذر أقبح من ذنب، كما ذكرنا ذلك في شهادة الدكتور عمار طالبي، حيث واجه ابن نبي خلال حياته التهميشَ بعد استقلال الجزائر، خصوصًا بعد انقلاب هواري بومدين على بن بلة، ليقرر بعدها المفكر مالك بن نبي التفرغ للكتابة والتأليف عن مشكلات الحضارة وهموم الأمتين العربية والإسلامية، واحتل الهمُّ الجزائري الحيز الأكبر من كتاباته؛ وفي معظم مؤلفاته التي جاوزت عشرات الكتب، كان ابن نبي يصرخ بأعلى صوته بأن أزمة العالم الإسلامي إنما هي أزمة حضارة، وأنه لا حل لها إلا ضمن مشروع إنشاء حضارة إسلامية جديدة، ذلك ما عرفناه من حلقاته في بيته.
فكرة تأسيس مسجد الطلبة، مع شهادات جديدة لبعضهم لازالوا أحياء يرزقون:
في تقديمه لمجموعة «ماذا أعرف عن الإسلام»، كتب الدكتور عمار طالبي، حفظه الله، نقلا عن شهادات مؤسسي مسجد الطلبة الأوائل، وهم السادة : عبد الوهاب حمودة وعبد العزيز بوليفة وعبد القادر حميتوومحمد جاب الله.
هؤلاء الأربعة هم من كتبوا طلب فتح أول مسجد طلابي في أول جامعة جزائرية سنة 1968، مبينين أيامها، بعض الأسباب، منها – كما يقول الدكتور محمد جاب الله في شهادته – «أنه لا يوجد حول جامعة الجزائر أي مسجد إلى ساحة الشهداء، حتى بلوزداد شرقا، وإلى بئر خادم وبئر مراد رايس جنوبا، لذلك كان الطلبة يعانون في الستينات من القرن الماضي من عدم إمكانية أداء الصلوات في أوقاتها أثناء الدراسة ونضطر لتأخيرها وأدائها جمعا بعد العودة إلى المسكن يوميا بعد العشاء، ولم يكن حينها موجودا أيّ مصلّى ولا مسجد في محيط الجامعة المركزية، وكنّا كثيرا ما تضطرّنا الدّروس للمكوث فيها حتى بعد الغروب.»
وأخذت فكرة إيجاد مصلّى للطلبة تراود أذهان جماعة من الطلبة؛ منهم : عبد الوهاب حمودة، ورشيد بن عيسى، وطلبة آخرين الذين يتردّدون على ندوة «مالك بن نبي»، وعرض هؤلاء الطلبة الموضوع على «مالك بن نبي» فأشار عليهم بالسعي للحصول على مصلّى داخل الجامعة وليس خارجها، وأخذ الأستاذ عبد الوهاب على عاتقه المسؤولية وكان موظّفا في معهد العلوم الاجتماعية بجامعة الجزائر.
الرسالة التاريخية التي شجع عليها مالك طلبته:
في يوم 24 أفريل 1968 كتب أربعة طلبة رسالة إلى السيد وزير التربية الدكتور أحمد طالب الابراهيمي حفظه الله، من أجل أن يأذن بفتح مصلى في الجامعة كما أشرنا من قبل على هذا الترتيب:
محمد جاب الله، طالب في كلية الطب، بوليفة عبد العزيز، من كلية الصيدلة، حميتوعبد القادر، من كلية العلوم، عبد الوهاب حمودة، من كلية الآداب.
فالثلاثة الأوائل ما يزالون على قيد الحياة، والأستاذ حميتوعين وزيرا بعد ذلك وهوحاليا مريض جدا، شفاه الله، ومحمد جاب الله يمتهن طب العيون اليوم في وادي سوف وقد شارك معنا الأسبوع الماضي في ندوة عن أستاذه بن نبي، ويبدوأن الأستاذ بوليفة متقاعد وقيل لنا إنه مريض، أما الأستاذ عبد الوهاب حمودة فقد توفي رحمه الله تعالى، ليلة 10 أكتوبر 2017 ، بعد أن كان أمينا عاما لوزارة الشؤون الدينية لسنوات.
وهذا نص الرسالة التي حررها السيد عبد القادر حميتو، وقرئت أمام «مالك بن نبي» لتصحيحها والموافقة عليها، وقال: «ليس لي ما أضيفه ولا ما أحذفه».
وهذا نصها بالفرنسية :
Alger le 24 avril 1968
Monsieur le ministre,
A la demande d’un certain nombre de camarades étudiants de l’université d’Alger, nous, soussignés,
Venons solliciter de votre haute bienveillance l’octroi, dans l’enceinte de l’université, d’un local susceptible d’affectation à usage cultuel, comme mosquée, pour nous et nos camarades.
Il va sans dire qu’en prenant sous notre égide la vie de cette mosquée, nous entendons respecter et faire respecter le double caractère de mosquée d’université. Nous voulons dire par cela:
1. Que cette mosquée ne sera jamais utilisée comme tribune politique par quiconque et pour quoi que ce soit.
2. Nous entendons également qu’elle soit un des aspects caractéristiques de la vie de notre université avec tout le respect dû à une pareille institution en dehors et au dedans de la mosquée.
Veuillez agréer; monsieur le Ministre, l’assurance de nos sentiments profondément respectueux.
M. Djaballah Mohamed, Faculté de Médecine. M. Boulifa Abdelaziz, Faculté de pharmacie. M. Hamitou Abdelkader, Faculté des Sciences. M. Hamouda Abdelwahab, Faculté des Lettres.
Lettre rédigée par M. Abdelkader Hamitou
Relue devant M. Bennabi pour Correction éventuelle.»Je n’ai rien à ajouter ni soustraire» me dit-il.
وقد قامت الصلاة لأول مرة بفضل الله في تلك القاعة داخل الجامعة، كما يحكي عن ذلك الدكتور جاب الله، وتداول فيها على الخطابة كل من عبد الوهاب حمودة ورشيد بن عيسى ثم التحق بهما من بعد الدكتورعبد الحميد بن تشيكووآخرون ..
وانطلق نشاط المسجد في مجالات عدة، مثل: الدروس والمحاضرات والرحلات ومعارض الكتاب الإسلامي والمؤتمرات المحلية ثم الدولية وإصدار مجلة «ماذا أعرف عن الإسلام؟»، وكل ذلك كان بإرشادات أستاذنا مالك بن نبي، رحمه الله.
وتجدر الإشارة إلى أن خصوم الصحوة، لما سمعوا بفتح المسجد، ثارت ثائرتهم وحاولوا عدة مرات منع الجيل الأول من أداء الصلاة وغلق المصلى، كما حاولوا حرق المصلى بما فيه من مصاحف وكتب، كما يذكر ذلك بعض مشايخنا، هذا باختصار عن ظروف فتح مسجد الطلبة التاريخي وكان ذلك مخاضا عسيرا تولد عنه فتح كبير، حسب طلبة ذلك الزمان الجميل.
وقد أتيحت لكاتب هذه السطور الفرصة، في عهد التعددية، أن نشط في مسجد الطلبة وألقى أيضا دروسا عند غياب كبار القوم يضيق المجال لذكر أسمائهم وفضلهم، كما أنني بدأت صلاة الجمعة في مسجد الطلبة في عهد الإمام الدكتور عبد الحميد بن شيكو- حفظه الله – ، وهوالآن أستاذ الفيزياء في المدرسة العليا للأساتذة في القبة بالعاصمة، أومتقاعد نظرا لكبر سنه، وهومتخرج من الولايات المتحدة من إحدى جامعاتها، وأصبح صوفيا في الطريقة الهبرية الآن، ولما توفي شيخ الطريقة وخلفه ابنه، انفرد بهذه الطريقة في منزله.