قمة الرد بالتهديدات والقصف بالكلمات !
أ. عبد الحميد عبدوس/
في ظرف يتميز بمغادرة إدارة أمريكية قديمة غير مأسوف عليها، وقدوم إدارة أمريكية جديدة غير مرغوب فيها، انعقدت في الرياض ـ بدعوة من المملكة العربية السعودية وبرئاستها ـ القمة العربية الإسلامية المشتركة الثانية يوم الاثنين 11نوفمبر2024. تأتي هذه القمة بعد القمة الإسلامية الخامسة عشر التي انعقدت في دولة غامبيا في 4 ماي2024م ، والقمة العربية الثالثة والثلاثين، التي انعقدت في البحرين في 16 ماي 2024 م. لعل ما يؤكد مقولة إن القمم العربية والإسلامية أصبحت مجرد ظاهرة صوتية، أن قمة الرياض الثانية لم تتأخر ـ على عادة القمم العربية والإسلامية السابقة ـ عن قصف إسرائيل وشركائها في جرائم الإبادة ببيان شديد اللهجة مرصوص بعبارات الشجب والاستنكار والإدانة.
بعد عام كامل على انعقاد القمة العربية الإسلامية غير العادية، في نوفمبر 2023 بالرياض، وبعد 402 يوما من الغزو الإسرائيلي الوحشي لقطاع غزة، وبعد 50 يوما من المحاولات الإسرائيلية المتعثرة للتوغل في جنوب لبنان،لم يتغير الموقف العربي والإسلامي في جوهره من العدوان الإسرائيلي على الدول العربية، ولم تخرج القمة العربية الإسلامية الأخيرة ( 2024) عن إصدار الإدانات والتهديدات ، دون القدرة أو الرغبة في تفعيلها لردع العدوان الإسرائيلي ووضع حد لمعاناة المدنيين في غزة ولبنان ومآسيهم التي تفوق الوصف. أبرز مستجدات الساحة العربية منذ انعقاد القمة الأولى (2023)، هو توسع العدوان الإسرائيلي وتصعيد توحشه وامتداده إلى دولة عربية جديدة هي لبنان،لذلك اشتمل البيان الختامي لقمة الرياض الجديدة على بنود إضافية. فبينما اقتصر بيان القمة الأولى على31 بندا ، صدر بيان القمة الثاني في 38 بندا.باستثناء تغير التاريخ الزمني من بيان قمة الرياض الأولى إلى بيان القمة الثانية،يمكن القول أن أغلب بنود البيانين ظلت في لهجتها وصياغتها مكررة وثابتة، وكأنها ملامح مومياء محنطة غير متأثرة بتغير المكان وتقلب الزمان.مع ذلك يمكن الإشارة إلى أن محتوى البيان لم يخل ـ بقصد أو بدون قصد ـ من روح الفكاهة أو المزاح، إذ لا يمكن الاقتناع بأنه من باب الجدية، والتحلي بروح المسؤولية والمصداقية أن يدعو قادة الأمة العربية والإسلامية دول العالم إلى: «حظر تصدير أو نقل الأسلحة والذخائر» إلى إسرائيل، في حين تقوم بعض الدول العربية المشاركة في القمة باستقبال السفن الإسرائيلية المحملة بأسلحة الدمار والقتل الهمجي في موانئها ولا تستنكف من تقديم المساعدة والخدمات لها، رغم معرفتها المسبقة بأن تلك السفن توجه لاقتراف جرائم ضد الإنسانية في مناطق عربية، فبينما رفضت مملكة إسبانياـ على سبيل المثال ـ دخول سفينة إسرائيلية محملة بالسلاح إلى موانئها، استقبلتها في المقابل موانئ المملكة المغربية بكل أريحية وترحاب، ورفض ملك المغرب الذي يرأس لجنة القدس الاستجابة لمطالب فئات واسعة من الشعب المغربي التي طالبت برفض استقبال السفينة الإسرائيلية. وكذلك الحال مع دولة مصر العربية ـ قلب العروبة ـ التي سمحت لسفينة حربية إسرائيلية بعبور قناة السويس الخاضعة لسيادتها. وللرد على الغضب الشعبي والجدل الكبير الذي أثاره هذا التصرف المصري الرسمي ،راحت الهيئة العامة لقناة السويس تبحث في وثائق الأرشيف وملفات الماضي لتخرج على الناس ببيان تقول فيه : «إن مصر ملتزمة بتنفيذ بنود اتفاقية القسطنطينية الموقعة عام 1888 التي تكفل حرية الملاحة للسفن العابرة من قناة السويس في وقت السلم والحرب دون تمييز لجنسيتها أو لحمولتها.» للتذكير فقد أدرجت قمة الرياض الأولى سنة 2023 بند المطالبة بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل في بيانها الختامي. فضلا عن أن الدول العربية والإسلامية المشاركة في القمتين والمساهمة في إصدار البيانين، لم تبادر بإعطاء المثل العملي والقدوة المحترمة باستخدام سلاح النفط وقطع البترول عن إسرائيل والدول الداعمة لها بالمال والسلاح والدبلوماسية والإعلام.
وأيضا يمكن اعتبار، أنه من قبيل الهزل، والضحك على ذقون الطيبين من خلق الله، تأكيد القادة المشاركين في القمة أنه لا سلام مع إسرائيل قبل انسحابها من كل الأراضي العربية المحتلة حتى خط الرابع من جوان 1967. فقد أكدوا في بيانهم أن: «السلام العادل والشامل في المنطقة والذي يضمن الأمن والاستقرار لجميع دولها، لا يمكن تحقيقه دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية المحتلة حتى خط الرابع من حزيران/يونيو 1967 وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية لعام 2002 التي تنص على الانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية مقابل تطبيع العلاقات». من بين الدول المشاركة في إصدار هذا البيان هناك على الأقل 6 عربية هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب والسودان، تقيم علاقات رسمية مع الكيان الإسرائيلي، وتلتزم معها بسياسة التطبيع في المجالات السياسية والدبلوماسية والأمنية والاقتصادية والسياحية والثقافية. ولم نسمع أن دولة من هذه الدول قطعت علاقاتها أو جمدت سياسة التطبيع مع إسرائيل قبل أو بعد انعقاد قمة الرياض، ولم يصل إلى علمنا أن هذه الدول المطبعة قامت قبل انعقاد قمتي الرياض الأولى والثانية، أو أثناء انعقادهما أو بعد انعقادهما، باستدعاء سفرائهم المعتمدين في تل أبيب، أو الطلب من سفراء الكيان الصهيوني مغادرة بلدانهم، ولا حتى منع الطائرات الإسرائيلية من عبور أجواء بلدانهم ،بل إن هناك مؤشرات قوية تدل على أن دولا عربية أخرى تتحين الفرصة المناسبة للالتحاق بقطار التطبيع دون التزام بقرارات الأمم المتحدة، أو اعتبار لمبادرة السلام العربية.
الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أكد في كلمته، أن: «عجز وسلبیة المجتمع الدولي أثارا شھیة الاحتلال المتعطشة للدم، فانطلقت دائرة النار من غزة ووصلت إلى لبنان، مُعرضة استقرار المنطقة كلھا للخطر البالغ».من المدهش ألا يعير أبو الغيط عجز وسلبية الدول العربية والإسلامية أي اهتمام أو يلقي على عاتقها أية مسؤولية في تغول الاحتلال الإسرائيلي،وارتفاع وتيرة مجازره الوحشية ضد المدنيين في قطاع غزة ولبنان.،قبل عام كامل طالبت الدول العربية والإسلامية في قمة الرياض الأولى بكسر الحصار على غزة، وفرض إدخال قوافل المساعدات الإنسانية، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ولكنهم لم يتخذوا أية وسيلة فعالة لكسر الحصار وإدخال المساعدات، وظل الفلسطينيون المحاصرون في قطاع غزة يموتون جوعا بسبب نقص أو انعدام المساعدات، وظل المرضى والجرحى في مستشفيات غزة يموتون بسبب نقص الدواء ونفاذ الوقود الذي منعه الكيان الصهيوني، ووصلت لامبالاة الكيان الصهيوني ببيانات القمم العربية إلى حد تصنيف الوكالة الأممية لإغاثة اللاجئين في خانة المنظمات الإرهابية، ومنعها من العمل في الأراضي المحتلة.
كان يمكن لاجتماع القمة الصوري الذي تداعى إليه في الرياض، قادة الدول العربية والإسلامية ،أن يكون نافعا لقضية المقاومة البطولية في قطاع غزة وجنوب لبنان، لو أن الدولة الداعية للاجتماع (المملكة العربية السعودية) والحاضرين في الاجتماع ( قادة الدول ومرافقيهم من السياسيين والموظفين والصحفيين) اتفقوا على التبرع بمبلغ كلفة الاجتماع من أكل وشرب وإقامة وتنقل وغيرها من مصاريف وفود 57 دولة عربية وإسلامية، لتمكين المقاومة من اقتناء الأسلحة أو الأدوية التي هي في أمس الحاجة إليها، والتي تشكل العامل المؤثر في كسر موجة العدوان الإسرائيلي الوحشي، وإلحاق الهزيمة بجيشه الباحث منذ أكثر من سنة عن نصر مستحيل.