قضايا و آراء

«الأم شيدا» سيدة نفق الأمل

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/

في الأزمات والحروب، يبرز دور المرأة المسؤولة التي تشارك في صنع تاريخ البطولة في الحرب على الظلم والطغيان، فتقف جنبا إلى جنب مع المخلصين من أبناء الوطن، إذ يتحول الوطن إلى جسد واحد، كل يعمل لأجل إنقاذه والحفاظ على تماسكه. تعلمنا من أخبار من سبقونا أن كثيرا من النساء كن مجاهدات بكل الطرق للمساهمة في تحصيل الحرية أو الحفاظ عليها سواء في تاريخ المسلمين القديم أو الحديث والمعاصر.
لا يمكن لمن عاصر الحرب الصليبية على البوسنة والهرسك أن ينسى ما تعرض له المسلمون من طغيان وإبادة من قبل الصرب المسيحيين، وبخاصة مذبحة «سربرنيتسا» التي وقعت أحداثها بداية من يوم 11 جويلية 1995م، إذ في فترة وجيزة، (أقل من أسبوعين) قامت وحدات من الجيش الصربي بتصفية ممنهجة لحوالي ثمانية آلاف مسلم. والغريب أنهم قبل ذلك أعطوهم الأمان وطمأنوهم لكي لا يخافوا. وفي جو مرعب عزلوا الرجال والأطفال عن النساء وقتلوهم، واعتدوا على النساء بالاغتصاب والضرب … في ظل تلك الحروب وفي الحصار الذي فرضه الصرب على البوسنة وتمركزهم بالجبال المطلة على سراييفوا، فعلت المجاعة أفعالها بأهل المدينة، فكانت تنقل الصور على مرأى من العالم لأهل أرض لا يجدون ما يأكلون؛ يقتاتون من الأعشاب، قُتل منهم المآت بالتقنيص وبسبب الجوع، فمدينة خاوية من السيارات لعدم وجود الوقود، وجوع دائم وبرد قارس كل ذلك نذير بالفناء ..
في ظل هذا الحصار فكّر أهل المدينة في الحلول فاهتدى القادة والمهندسون إلى بناء نفق يفك عليهم الحصار. وكان بيت شيدا المكان المناسب لبداية النفق، وبكل سرور وافقت على ذلك بدون شرط أو قيد، إلا البقاء لخدمة الجنود والمساهمين في حفر النفق. وفعلا نجحت المهمة وأصبح ذلك النفق الشريان الذي يمد أهل تلك المدينة بالحياة، واستمر العمل مدة أربعة شهور ثم فتح وكان يعبره مآت الأشخاص يوميا، وتمكن الجيش من خلاله من إيصال المؤن والأدوية والسلاح لإنقاذ سكان المدينة من المرض وإصابات رصاص الصرب… بعد انتهاء المهمة أبدل الرئيس: علي عوت بيقوفيتش، السيدة البطلة بيتها بآخر وتحول منزلها إلى متحف يزوره السواح من جميع بقاع الأرض مخلدا اسمها وتضحياتها من أجل بلدها. يحتوي معلومات عن صاحبته، والأدوات البدائية التي استعملت في الحفر، والكرسي الذي كان يجلس عليه الرئيس بيقوفيتش، ولم يمحوا عن جدرانه آثار الرصاص، كما توجد بالبيت شاشة عرض تعرف الزائرين بمراحل حفر النفق.
لقد انتهت الحرب، تاركة وراءها ذكريات مأساوية، إلا أن المحكمة الجنائية الدولية حكمت على الجنرال الجزار: (راتكو ملاديتش) بالسجن المؤبد على ما ارتكبه من جرائم حرب في البوسنة والهرسك، وإن كان القبض عليه تأخر إلى سنة 2021م…
وما يحدث الآن في فلسطين من الاعتداء على السجناء والسجينات، وما تتعرض له غزة من الإبادة الجماعية والتجويع، هو صورة من صور الحرب على الإسلام التي عاشها ويعيشها المسلمون في كل بقاع الأرض. فإلى متى يبقى الوجدان المسلم يتحمل هذه الصدمات؟؟؟ إن المسلمين في حاجة إلى رجال ونساء مخلصين يحكمونهم ويسيّرون أمورهم، ولا يتواطؤون مع الأعداء على بلدانهم، إننا في حاجة إلى إحياء مفهوم الأمة عند الأجيال القادمة، ليشعروا بوحدة الجسد الإسلامي فلا يجرؤ عليهم العدو، وإعداد العدة لكل الشرور المحتملة من أعداء الإسلام، من الداخل والخارج…. والخلاصة: لقد قاد نفق شيدا إخوتنا هناك إلى النور، وبإذنه تعالى ستقود الأنفاق أهلنا في غزة إلى بر الأمان..

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com