رحم الله وحدة المسلمين..! / كمال أبوسنة
من قرون قرر إمام علم الاجتماع ابن خلدون أن العرب لا يقوم لهم ملك إلا على أساس الدين، وتظهر صحة هذه القاعدة من قراءتنا للتاريخ الإسلامي الذي صنعه رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه…
يقول العلامة المرحوم الشيخ محمد الغزالي في كتابه “الحق المر”:
” إن الصحابة والتابعين – وهم مثلنا الأعلى – وثبوا على بحر الروم فغيّروا اسمه ، سموه البحر الأبيض، كانوا قبل الإسلام لا يحسنون إلا قيادة القوافل أما بعدما أسلموا وارتفع بالإسلام مستواهم العقلي فقد قادوا السفن والدول والحضارات ، فهل نعود إلى كتابنا لنداوي به عللنا، ونسترد به صحتنا ووحدتنا، ونقدمه إلى العالم كتاب حقائق تشفي وتكفي”.
فالدين الإسلامي الحنيف استطاع أن يوحد كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها رغم اختلاف ألوانهم وألسنتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وجعل منهم كتلة واحدة يشترك أفرادها معا في الأفراح والأتراح، والإحن والمنح كأنهم بنيان مرصوص يشد بعضه بعضا..
لكن عندما انتشر التدين المغشوش، واختلت المفاهيم، واعتلت النيات، انقسم المسلمون إلى أحزاب وشيع ينكر بعضها بعضا، ويضرب بعض أفرادها رقاب بعضهم باسم الطائفية والمذهب والانتماء القطري والتحزب للشرق تارة والتحزب للغرب تارة أخرى..!
لقد عرف خصوم الإسلام والمسلمين أن الأمة الإسلامية لن تقوم لها قائمة إلا إذا توحدت واجتمعت كلمتها تحت ظلال الإسلام كسابق عهدها الزاهر، ولهذا أُشبعت مخططاتهم – كما تدل العديد من الوثائق القديمة والحديثة – بمؤامرات التشتيت والتقسيم، ونشر بذور الخلاف والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق في أقطارنا الإسلامية فكانت النتيجة أن ضعفنا فانهزمنا، وهم ازدادوا قوة إلى قوتهم فانتصروا…
أذكر أنني قرأت تصريحا لأحد كبار القادة العسكريين سُئل عن سبب انهزام العرب في كثير من معاركهم مع إسرائيل رغم أنهم 22 دولة وهي دولة صغيرة واحدة.فأجاب قائلا:” لهذا انهزم العرب وانتصرت إسرائيل لأنها دولة واحدة، وهم 22 دولة “…!
لقد فُتحت الأندلس قلعة الإسلام في أرض أوروبا بعد تضحيات جسام قدمها المسلمون الأوائل، وما تم لهم ذلك إلا عندما اعتصمت يد العربي بيد أخيه الأمازيغي باسم الله، وتحت راية الإسلام، وتوحدت القلوب والأجساد على الحب الرباني السرمدي، إيمانا بقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ ﴾، وكأن لسان حالهم يقول ما قاله الشاعر المعاصر:
يا أخي في السند أو في المغرب
أنت مني أنا منـك أنـت بي
لا تسأل عن عنصري عن نسبي
إنـه الإسـلام أمـي وأبـي
إخـوة نـحن به مؤتلفـون
بيد أنه خلف من بعدهم خلوف أضاعوا هذه الحقيقة الخالدة فتفرق شملهم وساروا في الأرض طرائق قددا، وطوائف مختلفة متحاربة على مصالح ذاتية أنهكتهم وجعلتهم لقمة سائغة في فم الصليبية الحاقدة- راعية الصهيونية العالمية فيما بعد – التي ضربت بعضهم ببعض، حتى أضعفتهم، ثم أجهزت عليهم جميعا، ورحم الله الشاعر الباكي الذي قال يرثي بمرارة حال أندلس الحضارة التي انهارت بعد عمارة:
مما يزهدني في أرض أندلس
ألقاب معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
مشكلتنا نحن المسلمين هي أننا لا نقرأ التاريخ، وإذا قرأناه نقرؤه بأعين موتى، ونسرد أحداثه ووقائعه بألسنة هجاءة أو مداحة، ولهذا فهو يُعيد نفسه في أكثر من أرض إسلامية ..!