الحركة الإصلاحية والتربوية بمنطقة عزابة/ د-وليد بوعديلة*
تعتبر دائرة عزابة من أكبر دوائر ولاية سكيكدة، وقد عرفت الكثير من المحطات التاريخية في تاريخ الجزائر القديم والجديد، ولا يمكن تجاهل الوقفات التاريخية الثورية للمنطقة في الفترة الاستعمارية، كما لا يمكن للباحث في التاريخ الثقافي أن لا يفتح صفحات النشاط الإصلاحي والتربوي الكبير، وقد كتبت حروفه أسماء كثيرة، منها من توفي رحم الله، ومنها من مازال يواصل العمل الدعوي والتربوي.
عن الإصلاح وتاريخه
وتتوفر مدينة عزابة على مجموعة من المساجد، أبرزها مسجد دار الهجرة بحي ألف مسكن والمسجد العتيق بقلب المدينة وهو مقابل للأقواس، والمسجد الجديد مقابل ساحة الشهداء ومقر البلدية، ومسجد الفرقان وهو أكبر مسجد في المدينة يتواجد ضمن المركب الثقافي الإسلامي علي منجلي مع مدرج كبير للمحاضرات ومكتبة تراثية ضخمة أهداها الشيخ مبروك عوادي للمسجد.
وإذا بحثنا في التاريخ الثقافي لعزابة فلن ننسى العالم الكبير الشيخ عبد الرحمن العايب وهو إمام فقيه أديب وبليغ، ورغم أنه –رحمه الله- كان ضريرا إلا أن دروسه كانت تجمع كل سكان المنطقة، وفيها الفصاحة والدعابة والفائدة النحوية والفقهية، ومقصورته ضمت نخبة عزابة في المجالات العلمية والتربوية والإعلامية، لأنه يقدم دروسا تشرح الأصول في النحو والبلاغة والتفسير والفقه…وقد نال الاعتراف الوطني والعربي بعلمه وأدبه، وعرف بوطنيته وموسوعيته العملية والشرعية إلى جانب نظم الشعر، وقد أنجز الأستاذ حسين منصوري مذكرة جامعية عن أدبه بجامعة عنابة.
ولا يمكن للتاريخ الدعوي بعزابة أن لا يذكر الشيخ الراحل عبد الحميد لعدايسية الذي كان مربيا معروفا، وقد توفي قبل سنوات، وكان أستاذا للغة العربية بثانوية مالكي عز الدين، قبل أن يتقلد منصب الناظر فيها، وقدم الشيخ الإمام لعدايسية الكثير للعمل التربوي والإصلاحي بدروسه التي تتميز بالمزج بين الهدوء والحماسة، وإعطاء الأفكار حقها من التعبير اللغوي المناسب والاستدلال بالآيات والأحاديث في خطب منبرية دعوية، تجمع ولا تفرق وتوحد ولا تشتت، كما كان حريصا على الوسطية والاعتدال في الخطاب الديني. وقد جمعت جنازته كل أهل عزابة بمختلف أطيافهم المجتمعية والحزبية والفكرية، لأنه كان مثالا للمربي الجامع والوطني الموحّد.
ويعتبر الشيخ المتواضع أبو بكر حداد من رموز الإصلاح والدعوة بعزابة، وهو أستاذ سابق في التعليم الابتدائي، تخرجت على يديه الكثير من الإطارات التي تسير الوطن الآن، يدعو ويربي ويحرص على تقديم صورة الإسلام الوسطي البعيد عن التطرف والغلو، وقد خطب ودرّس في كثير من المساجد، ليستقر منذ سنوات بمسجد دار الهجرة، ورسالته الأساسية هي التعريف بقيم الإسلام الذي يحترم الآخر ويوحد الوطن في أمن وسلام، وتتميز دروسه المسجدية بأسلوبها البسيط المفهوم للعامة، مع توظيف النصوص القرآنية والنبوية واستثمار الموروث الشعبي لإقناع المتلقي والمستمع، ورغم السنوات الطوال في الميدان الإصلاحي فإن الشيخ حداد يواصل النشاط التربوي.
وقد خصص الشيخ حداد كل وقته لتتبع مشروع بناء وإنجاز مسجد دار الهجرة وكل مرافقه، مثل المنارة والمدرسة القرآنية وغيرهما، فهذا المسجد من أحسن مساجد الولاية وأنظفها وأنشطها بالأمسيات القرآنية والإنشادية، التي يشارك فيها كبار القراء في الجزائر والعالم العربي وتركيا، وهندسة المسجد تجمع بين العمارة المغاربية والشامية، فمن يدخل يتذكر المساجد في بلاد الشام وتركيا.
من رجال عزابة ومربيها..
ومن الأعلام البارزين في تاريخ التربية والعمل الدعوي والإصلاحي بعزابة نذكر: الشيخ عمر بن جلواح (رحمه الله)، الشيخ بن سعود إبراهيم (رحمه الله)، الأستاذ علي بن ذيب (اهتم كثيرا بالنشاط الفني ودوره في التربية)، الشيخ علي بوسطحة، الأستاذ سعيد منصوري (يتميز بفصاحته وتنوع ثقافته وتواضعه ووطنيته الكبيرة)، الشيخ عبد الله نميري (إمام المسجد العتيق رحمه الله)، أحمد سائحي(الناشط الجمعوي والداعية المثقف والوطني الجامع بين الأصالة والمعاصرة)، عمار بوعزيز(رحمه الله)، الأستاذ والكاتب حميد لعدايسية، الأستاذ عمار لعجيمي، الشيخ مرجة رابح (المعروف بقراءته المغاربية في صلاة التراويح في المسجد العتيق)، الأستاذ الطيب لعدايسية،..كما ساهمت في الأعمال الاجتماعية والتربوية والخيرية أسماء من عائلات عزابية كثيرة، مثل رجال عائلات برنوس، مدبو، العوفي، مجذوب، فاضل، معطي، بوعلاق…
ثم جاء جيل آخر من الأئمة والمربين والمصلحين، مثل الشيخ عبد الله مطلاوي خطيب المسجد العتيق، الشيخ محمد لكحل إمام مسجد دار الهجرة، الشيخ عدنان شابي صاحب الصوت الجميل في القراءة القرآنية والدارس بجامعة الأزهر بمصر، الشيخ شعيب إمام المسجد الجديد، الشيخ أحسن إمام مسجد الفرقان…وغيرهم من الدعاة والأئمة والمعلمين والمربين بمدينة عزابة وضواحيها دون أن نغفل الدور الكبير للمربيات والمرشدات عبر مساجد وجمعيات عزابة، بخاصة في تحفيظ القرآن وتعليم ترتيله وتجويده للأطفال.
ولا نغفل الدور الكبير للكشافة الإسلامية وفوج العزم بعزابة بقيادة الشاب الطموح والنشط صالح حجاج، وكذلك الدور التربوي والخيري والتعليمي والاجتماعي المتميز لجمعية الترشيد الثقافي والإصلاح الاجتماعي برئاسة الأستاذ أحمد، ولا نغفل فرع عين شرشار لجمعية العلماء المسلمين ودوره التعليمي والبيداغوجي والفكري لإحياء تراث ابن باديس وعمله الثقافي والتربوي…
في الختام
لقد حاولنا أن نشير لبعض الأسماء وليعذرنا من لم نستحضره ونحن نخط هذه الأسطر، لأن القائمة طويلة وتحتاج الذاكرة الإصلاحية والثقافية بعزابة وسكيكدة لوقفات كثيرة، وقد بادر فرع جمعية العلماء بسكيدة بتنظيم ندوة أكرمت بعض الدعاة والأئمة في انتظار مبادرات جمعوية أخرى تتذكر من رحلوا من المصلحين (نسأل لهم الجنة بإذن الله) ومن مازالوا في الحقل الدعوي والتربوي المسجدي أو الجمعوي، ولم يتلوثوا بالعمل الحزبي السياسوي، ونأمل – في الختام- أن تلتفت السلطات المحلية بعزابة وسكيكدة لرجال الإصلاح والتربية فيها، بمبادرات تكريمية لعلمائها ومصلحيها ومربيها، دعما لهم في نشاطهم المتعدد لصون المرجعية الدينية والثقافية للمجتمع والدولة، وصيانة للشباب من والانحرافات التي تهدده من كل جانب، والجمعيات تحتاج لدعم مادي وسند معنوي لتواصل نشاطاتها، لأجل الدفاع عن المرجعية الدينية والوطنية، في سياق دولي فيه الفتن والتطرف والصراعات الفكرية والدموية، وصيانة المجتمع والدولة لا يكون بالشعارات وإنما بالأفعال، وبشكر من يضحي ويتطوع لأجل الدين و الوطن.
*د-وليد بوعديلة/ كاتب أكاديمي جزائري
مسجد دار الهجرة بعزابة (سكيكدة)