أول نوفمبر و7 أكتوبر شقيقان
أ د. عمار طالبي/
نحتفل هذه الأيام بالذكرى السبعين لثورة أول نوفبمبر 1954، ذلك اليوم من أيام الله في تاريخ الجزائر، وتاريخ الثورات في العالم.
وليست الثورة مجرد انطلاقها، إذ انطلاقها أمر سهل، وإنما المهم هو الحفاظ عليها من أن تخترق، وتنطفئ شعلتها، فصيانتها والحفاظ على استمرارها عنصر أساسي في كل ثورة، وقد حلّل مالك بن نبي مفهوم الثورة، وجعل مسألة صيانتها واستمرارها من عناصرها الجوهرية، وذكر عنصرا آخر أساسيا وهو وحدة قيادتها، وبيّن أن الشعب يمثل وقود الثورة، فإذا لم تحسن قيادتها وحدتها وصيانتها وحسن تسييرها، فإنها تفقد وجودها، وضرب لذلك مثلا، وهو أن حامل قنبلة مثلا إذا لم يكن ذا خبرة لتوجيهها للعدو فإنها تنفجر عليه، فالشعب هو الطاقة، والطاقة تحتاج في أداء وظيفتها وإصابة أهدافها إلى قيادة أي إلى تقنية في توجيه الطاقة، وإلى وحدة في القيادة.
إن نجاح أية ثورة تقوم على قوة الإرادة، وليس الأمر قائما على قوة السلاح، وإلى جيش جرار بقدْر ما تحتاج إلى قوة الإرادة، والتاريخ يبرهن على ذلك، فإن الفيتنام والفلبين، وثورة الجزائر تدل على هذه الحقيقة، فإن إرادة الثائرين في الحركات التحررية الثورية أقوى من كثرة الأسلحة، وكثرة المقاتلين.
كما أن الثورة الجزائرية كانت مستقلة عن أية إيديولوجية لدولة من الدول، فكانت تتعامل مع الدول الاشتراكية الشيوعية، كما تتعامل مع من يؤيدها من الدول اللبرالية، فلم تكن خاضعة للشيوعية، كما لم تكن تُقاد بأية إيديولوجية ليبرالية، فكانت لا تسمح للحزب الشيوعي الجزائري، ولا للحزب الشيوعي الفرنسي، أن يتدخل في الثورة لظهور عداوتهما للشعب الجزائري، وثورته، وصرح زعماؤها بتلك العداوة، كما لم تكن تنقاد للمعسكر اللبرالي، وإن ساعدتها بعض دوله سياسيا أو بغير ذلك، فكانت تطلق على عناصرها اصطلاح «المجاهدين»، وهو مصطلح قرآني إسلامي له قداسة في قلوب الأمة عبر تاريخها، ومعنى ذلك أنه من قبيل الوقود أو الطاقة الثورية الشعبية، لذلك انتصرت على نصف مليون من عناصر الجيش الفرنسي بالإضافة إلى الحلف الأطلسي.
وهكذا فإن 7 أكتوبر في فلسطين رغم قلة المجاهدين بالنسبة لجيش العدو، وقلة عتادهم، فإنهم أذلوا هذا الجيش وما يملك من أسلحة فتاكة أمريكية، وغيرها، وداسوا على رقابهم وأسروا منهم، وأفسدوا خططهم الأمنية والاستخباراتية، والالكترونية، ومعنى هذا إن أول نوفمبر أخ شقيق لـ: 7 أكتوبر في غزة سيحقق النصر، ويهزم هذا العدو الوحشي المدجج بأسلحة الغرب، وتأييده السياسي والمادي والاستخباراتي والمرتزقة.
وما يزال هؤلاء المجاهدون رغم أنهم يقاتلون تحت الأرض وفوقها، إلا أنهم يصنعون أسلحتهم بأيديهم وخبرتهم، وهذا عنصر جديد في هذه الثورة التي يقوم بها الشعب الفلسطيني، فهو طاقتها ووقودها في ثباته وصبره، واحتسابه رغم ما يصيبه من محن وهدم منازلهم على رؤوسهم، وقتل الأطفال والنساء والمسنين، وتجويع ومحاصرة، وصب الأطنان من المتفجرات عليهم وحرمانهم من الماء والغذاء والدواء والوقود، وقتل النازحين وخداعهم بالتوجه إلى أماكن مختلفة يكذبون بأنها آمنة، فيصبّون عليهم الصواريخ من الطائرات الحربية، والدبابات، والجرافات من البر والبحر والجو، إنه شعب جبار لن يغلب، وسيهزم هؤلاء المجرمين أشد الإجرام في تاريخ الحروب.