واقع المرأة الغزية خلال طوفان الأقصى
أ.د. هنية مايدي/
تحية لنساء فلسطين ولنساء غزة شركاء المقاومة الصابرات المحتسبات الرائدات المجاهدات
تحية إجلال لسيدة نساء الأرض ..تحية للمدرسة التي تخرج على يديها الأبطال المقاومون، الذين تربوا على العزّة والكرامة.. تحية للأيقونة التي أنجبت المناضلين و الشهداء فما وهنت وما استكانت.
في سياق معركة طوفان الأقصى التي يواجه فيها الشعب الفلسطيني إبادة جماعية متواصلة في قطاع غزة؛ ليس غريباً أن تكون المرأة في طليعة من يقدم الأرواح في معركة طوفان الأقصى حيث فاق عدد الشهداء إلى غاية (6 أكتوبر 2024) في ظرف 366يوما (51,870 ) شهيدًا و مفقودًا. وارتكب الاحتلال خلالها 1:
(3,654)مجزرة69% من الضحايا هم من النساء والأطفال11487شهيدة من النساء95 %من الحوامل والمرضعات يعانين الفقر الغذائي (902) .عائلة فلسطينية قتل الاحتلال جميع أفرادها و مسحها من السجل المدني (60,000). سيدة حامل مُعرضة للخطر لانعدام الرعاية الصحية300% نسبة ارتفاع حالات الإجهاض بسبب الحرب183امرأة تلد يوميا دون مسكنات ألم86% نسبة الدمار في قطاع غزةهذه الإحصائيات تشير إلى صمود أسطوري مدته 371 يوماً، والمرأة لاشك شريكة أساسية في هذا الصمود فهي التي شكلت بتربيتها وتوجيهها الحاضنة الشعبية التي تصدت لكل محاولات التشكيك والزعزعة.
فرأينا المرأة في غزة وهي طبيبة تداوي الجرحى أو متطوعة تُساعد في إعانة المتضررين في حرب الإبادة والاستهداف السافر للمدنيين. ورأيناها أيضا صحفية تقف شامخة أمام العدو تنقل المشهد في أسخن بقاع الأرض وأكثرها صعوبة وتعاني خطر الاستهداف اليومي بالقتل مثل كل أبناء القطاع حاليأً.
تعجز اللغة عن وصف واقع المرأة في غزة، فحين يجتمع القهر والحرمان وشتى العراقيل الممكنة فأنت إزاء إمرأة باتت مُدركة أنّها خُلقت لأجل أن تكافح و تناضل حتى تنال إحدى الحسنيين ….
لم نسمع نداءً بإغاثة المرأة الفلسطينية التي صرخت حين مات أطفالها جميعاً جياعاً بينما تعد لهم الطعام، وأخرى حين وجدت زوجها شهيداً بين جرحى تضمد جراحهم في مستشفى الشفاء بغزة الذي يئن بشهدائه وجرحاه، وثالثة ورابعة وإلى المئات توارت أنفاسهن تحت التراب مع عائلات كاملة بنسائها وشيوخها وأطفالها2.
وبينما تستغيث نساء غزة ربها في الشوارع بالآلاف بعد إسقاط بيوتهن بأطنان من المواد الحارقة والمحرمة دولياً، لا تدري إلى أين تتجه وبأي شيء تحتمي، تصمت كافة المنظمات التي تقتات على ما يسمى بحقوق النساء في العالم، لتظهر حقيقة الأمر بأن المقصود من جملة تلك الحقوق المراد الحفاظ عليها، حقوق التعري والتخلي عن عقيدة تثبت كل يوم أنها أقوى من كل ما يراد بها.
وبناء عليه فإن هذه المنظمات الحقوقية والمنتظمات الدولية لاتخدم سوى مصالحها ولاتدافع إلا عن مايجسد أجندتها ولهذا اتسمت قراراتها بالعنصرية والتحيز.
وضمن سياق الحديث عن واقع المرأة الغزية تواصلت مع إحدى أخواتنا هناك لتطلعنا عما يحدث، فوصلتني منها تسجيلات صوتية تسمع من خلالها صوت الطائرة الزنانة كما يسمها أهل غزة وهذا جزء من واقع المرأة هناك وأهل غزة عموما، تروي أخت أخرى روايتها وقد عايشت الحرب مدة ستة أشهر فتقول «لا تتحمل الجبال ما تحملته المرأة الغزية»، فالمرأة تحملت مهام عسيرة فمن ذلك على سبيل المثال3 :
* معاناة التهجير القسري: وصعوبة الحصول على الخيم واستهداف الأماكن الآمنة.
* رحلة البحث عن طعام إبنها: في رحلة البحث عن طعام الأطفال لسد رمقهم تمشي المرأة الغزية المسافات الطويلة، وتقف بالساعات الطويلة في طابور المساعدات لتحصل على كيس الطحين والمعلبات، ومع هذه الصُعوبات تظل تقنع أبناءها وتصبرهم بقولها (إنّ هذا في سبيل الله وهي ضريبة الدفاع عن المقدسات)، فتستمر في تربية الأبناء على التحمل والصبر والدفاع عن الأرض.
* معاناة المياه الملوثة: وفي هذا الصدد تحكى عن تجربتها مع ابنها4 عندما أصيب بنزلة معوية بسبب المياه، فكانت رحلة البحث عن مياه معدنية هي الأخرى رحلة شاقة ويزيد الأمر تعقيداً غلاء زجاجة الماء التي تباع بأكثر من 10 دولار ما يعادل (1400دج) .
* معاناة الحروق: تعاني 80% من النساء من حروق بسبب إشعال النار لأغراض الطهي. في ظل غياب الغاز و الكهرباء.
* معاناة الترمل: أكثر من 1000 أرملة مضطرة لأن تعيل أسرتها فتتضاعف بذلك المعاناة.
* معاناة المرأة الحامل: تحرم المرأة في ظل التهجير القسري والإبادة الجماعية من الرعاية و العناية المطلوبة، و في خيام النازحين تفقد المرأة عنصر الخصوصية فالخيم مشتركة و الحمامات مشتركة وغير صالحة للاستعمال الآدمي.
* معاناة العقد النفسية و الخوف الدائم : نتيجة القصف المستمر والعنجهية البغيضة يصل حال بعض النساء إلى الانهيار العصبي نتيجة لما يرونه من مشاهد مروعة كاللحم السائح و العظم المفتت والجلد الذائب نتيجة استعمال الجيش لأسلحة محظورة وخطيرة، و يظل صوت صرخات المصاب مسموعا في كل مكان نظرًا الغياب المسكنات .
كما أن شعورها بالخوف الدائم من السمات البارزة نظرًا لظروف النزوح المستمر والقصف المتكرر تخاف المرأة كغيرها من أوامر الإخلاء، ومن فقد الأطفال، وفقد العائلة، والاستهداف بالرصاص الحي، واجتياح المناطق وارتكاب الجرائم. إضافة إلى الشعور بالعجز في حماية الأطفال من حر الشمس أو هطول المطر أيام الشتاء الباردة.
كل ماسبق لم يكن إلاّ بعض ملامح واقع مؤلم تتزاحم صوره ومشاهده، غير أن الصمت بات سيد الموقف، وهذا الصمت لايهزمه إلاّ صمود الفلسطينية في غزة الأبية .
فرغم كل ماسبق تخرج المرأة الغزية من تحت الركام لتسطر أروع ملاحم الصبر والتحمل لتصبح القدوة التي يُحتذى بها فاصطفاء الله لها لتكون في مقدمة الصفوف لم يكن عبثًا .
ففي الجانب الايماني يندر أن تجد إمرأة غزية بائسة أو غير واثقة بالمقاومة و هذا ماأكدته جل المقاطع المصورة التي تناقلها النشطاء كل لحظة على مواقع التواصل الاجتماعي، فما إن تعلم باستشهاد ابنها أو زوجها أو أخيها أو أبيها أو أحد من ذويها حتى يعلو صوتها بالحمد و التأكيد على الرضا بقضاء الله سبحانه، ووسط الكم الهائل من الركام والدمار والقصف المتواصل لم تتخل المرأة الغزية عن تمسكها بحجابها حتى إذا ماتعرضت للقصف كانت بحجابها سواء في حال نجاتها أو استشهادها . وهو سلوك مطرد يعكس تربية إيمانية عميقة تجسدت في مشاهد تطلعنا بها الأسرة الغزية و من ذلك:
* مشهد موائد القرآن ومشاريعه التي أخرجت آلاف الحافظات حتى في ظرف الحرب (مشروع صفوة القرآن)
* ومن ذلك أيضا مشهد التربية على فهم الشهادة باعتبارها وساما وليست مصيبة وهذا الفهم مرتبط بالتوجيه القرآني في قوله تعالى: {ولاَ تَحْسَبّن الذين قُتِلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون}آل عمران 169،
هذا الفهم كان له الدور الكبير في رباطة جأش المقاومة وفي صناعة حاضنة شعبية صامدة نحسبه مفتاحًا لتغيير تربوي في حالنا وسلوكنا إذا مارمنا الـــعــــــزة و النـصـــــر .
الهوامش:
1 . إسماعيل الثوابتة ،المكتب الإعلامي لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
2 . عزة مختار. أين حقوق المرأة في غزة؟!، مجلة المجتمع الكويتية، https://mugtama.com/05/311840/
3 . شهادة حية للدكتورة نعيمة عبد الله البرش عضو رابطة علماء فلسطين (غزة) و الأستاذة شهد الرنتيسي .
4 .شهادة الأستاذة شهد الرنتيسي .