ما قل و دل

أُمِّي حَكِيم/ محمد الصالح الصديق

زرت قريتي الأصلية (إبسكرين) في صائفة 1999م، وقلت الأصلية، لأن القرية التي ولدت فيها هي (أبزار) التي انتقل إليها والدي وأقام فيها كل عمره، أما قريتي الأصلية (إبسكرين) فإنها توجد على بعد ستة أميال من مدينة عزازقة، وفي الغرب من جبل (ثامقوط) الشامخ الذي يمتاز بين جبال جرجرة برأسه الأصلع الذي يلبس عمامة بيضاء كلما اشتد البرد في فصل الشتاء.

كما يميز هذه القرية أنها أنجبت صنفين من الناس لهما مكانتهما في الجزائر.

الصنف الأول العلماء، نذكر منهم مفتي الجزائر الشيخ محمد السعيد بن زكري، وابنه الخطيب المصقع الشيخ أحمد بن زكري مدير المدرسة الثعالبية.

أما الصنف الثاني فأبطال سجلوا أروع الصفحات في تاريخ الثورة التحريرية، نذكر منهم البطلين ديدوش مراد وسي عبد الله.

والقرية تحيط بها الجبال من كل جهة، والجبال تغطيها الغابة الكثيفة، ويخترقها واد لا تنضب فيه المياه لا صيفا ولا شتاء، وفي أحد جوانبه ميزاب مشهور بمائه العذب البارد صيفا الفاتر شتاء.

وعندما نزلت من سيارتي شعرت بالحياة تتدفق من حوالي، وجمال الطبيعة يتألق هنا وهناك على مد البصر.

وأينما اتجهت وقلبت بصري رأيت وجوها تهش، وثغورا تبتسمن وعيونا تعبر، ورأيت شيوخا تجاوزت أعمارهم الثمانين يقبلون في خفة ونشاط كأنهم في غرة الشباب.

وبعد أن انتهوا من عبارات الترحيب، رأيت أن ألقي عليهم هذا السؤال:

يبدو أنكم في هذه المنطقة لا تكبرون، ولا تشيخون، وقد زرتكم منذ بضعة أعوام، فما تزالون كما كنتم، فما سر هذا؟

فانبرى للجواب أحدهم وهو مجاهد معروف بشجاعته ومواقفه، وأخذ يقول:

الشباب والشيخوخة في القلب، فإذا كان القلب شابا كان الجسم شابا،  وإذا كان القلب شيخا كان الجسم كذلك، وواصل يقول:

إن قلوبنا في هذه الجبال تتجاوب مع الطبيعة تنتضر مع الأغصان، وتنفتح مع الأزهار، وتتموج مع النسيم، وتمرح مع الطيور، وتزدان مع الخمائل والرياض(1).

(1) أو هذا مؤدى كلامه بالأمازيغية.

ومن هنا –يقول الشيخ- فنحن إنما شباب نرى الحياة من حولنا قوية شابة جميلة، ونجد من كل عمل نمارسه لذة، وأين اتجهنا جمالا وسحرا، وكل هذا يمده شعورنا بالحرية من حولنا في بلدنا الجزائر أملا فسيحا، ورغبة في الحياة قوية.

فهممت أن أقاطعه ولكن الرجل استرسل قائلا: وليس هذا فحسب، بل هناك أمر بالغ الأهمية وهو أن إيماننا أقوى من إيمان أهل الحضر المقيمين في المدن المختلفة، لسبب بسيط وهو أننا نفتح أعيننا كل وقت على ما يغذي إيماننا ويقويه ويرسخه، هذه الطبيعة الفاتنة، هذه الجبال الشامخة، وهذه المياه الجارية، وهذه الطيور المغردة، وهذه النباتات المختلفة، وهذه الورود المفتحة العطرة.

اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. صدقت أيها الرجل الحكيم فهذا النوع من الحياة لا يستشعره أي كان و امنا اصحاب القلوب الذواقة التي تعرف معنى ما هو حولها حتى وان كان حجر او شجر فكيف لا تملأ نفوسها جمالا و هي تستمتع بكل ما هو جميل وبديع الا و هو خلق الله

زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com