الظاهرة القيادية … !! بعض ما يجب على أهل الصلاح والإصلاح/ حسن خليفة
أرغب في هذه المساحة لمقال “شعاع ” لهذا الأسبوع التعريف بكتيب صغير، ولكنه بالغ الأهمية ـ في تقديري ـ للكثير من الإخوة والأخوات من أعضاء الجمعية من الرجال والنساء، لما فيه من أفكار رائدة قائدة محفّزة ودافعة نحو الأفضل في مجال العمل الإصلاحي والتغييري والدعوي. وهذا الكتيب هو”الظاهرة القيادية”(*)، ضمن سلسلة طيبة تحمل عنوان “سلسلة استراتيجيات الحركة الحيوية ” يركز فيه على طروحات تتصل بالقيادة والتأهيل القيادي نفسيا وفكريا ودعويا وإصلاحيا لأحداث الفارق المطلوب، وهو الانتقال من الواقع البائس المزدحم بالمعاصي والذنوب والتأخر والفقر، والذي يعيشه المسلمون اليوم في معظم أقطارهم…، إلى واقع أفضل وأمثل..وسأشير على سبيل التأكيد إلى بعض الأفكار الهامة، من وجهة نظري، في أرقام وسطور محدودة، والتي لا تغني عن قراءة الكتيب وفهمه ومدارسته، بل الاستفادة من السلسلة كلها..ولنعرض لهذه الأفكار الثلاثة أولا بأول:
- المؤمن..كائن بائن.. أو المؤمن بين تزكية نفسه وإصلاح مجتمعه
ـوالمؤمن يحب السكينة وهدوء القلب، ويعاف الازدحام، وذلك طبعُه، وتأنس نفسُه بالعزلة عن الصخب، ويسعى لتضييع شخصه في ركن مسجد، ولكن واجب الإصلاح هو الذي يحرّكه، فيبتكر له الجريري الزاهد حلّا ونوعا من العُزلة الصحيحة، يصفها له ويقول:”هي الدخول في الزحام وتمنع سرّك” بمعنى: أن تحضر الميدان وتكون ـ أيها المؤمن ـ من جملة مظاهر الحياة في المهن، والسياسة، والأسواق، مشاركا متعاطيا، لكن تكون لك مجموعة معان إيمانية واستنتاجات فكرية ومشاعر نفسية عليا، والتلذذ بالعبادة تتحول إلى استئناس قلبي وفرح، فينضم بعض ذلك على بعض لتتشكل “كتلة” من الفقه والوعي والزكاء الروحي متداخلة مندمجة، وهذه الكتلة الثمينة هي التي تعمل بها في الميدان، دون أن تفقد تميّزك ونقاءك..وأخصّ ما ينبغي أن يحرص عليه المؤمن ـ حينئذ وهو في الزحام- أن يرعى النجباء ويعينهم على المواصلة، ويمدّهم بالمدد بعد المدد: توجيها وتربية وتزكية وتكوينا.فإذا تمّ ذلك كان هذا المؤمن بمثابة “الكائن البائن” أي كائن مع الناس مخالط، بائن عنهم، مختلف باهتمامه وهمومه في الدعوة والإصلاح واهتمامه أيضا بقلبه.وهكذا يتمّ الجمع بين الأمرين المتناقضين، كما يبدوان، ولكنهما متكاملان متعاضدان، ولا سبيل إليهما إلا بفهم سديد لوظيفة المؤمن الداعي المصلح. ويمكن النظر إلى أعضاء الجمعية والعاملين في الحقل الإصلاحي كلهم على أنهم ذلك المؤمن الكائن/البائن. النتيجة الجميلة كما يشرحها أنه “إذا تواصل الإمداد لكل نجيب مولع بالإصلاح …يكون حينئذ تكتيل المنظومات الإصلاحية من أجل “صناعة الازدحام ” الذي يتعاظم فيه الزخم فيولد واقع جديد.
- كان صلى الله عليه وسلم إذا “تعوطيّ الحق: لم يعرفه أحد”
الأمر الثاني الذي أكد عليه المؤلف أنه إذا كان سمت المؤمن وهيئته هو الهدوء الذي يعلوه دوما، لكن النبيّ صلى الله عليه وسلم علّم المسلمين والمؤمنين أن يتحركوا بحركة “الحر” الذي لا يقبل الضيم، ففي صفته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما جاء في الحديث الطويل المعروف بحديث هند بن أبي هالة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يحسُن بكل مسلم ومسلمة أن يفقهه على الوجه السليم الكافي، ليعزز صفات النبيّ الأكرم ويقوّي التأسي به، في حياته ونفسه ومنهجه في العمل فقد جاء في جزء من الحديث:..كان ـ صلى الله عليه وسلم (….)متواصل الأحزان، دائم الفكرة.، ليست له راحة، لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فصل، لا فضول ولا تقصير، دمث، ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئا، لا يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، لا لغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فيضرب بباطن راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام”…
والذي يعنينا في سياق هذه الكلمة، هذا المقطع، مما جاء في وصفه “إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد“. فقد كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقا مع أصحابه، ما لم يرَ حقا يُتعرض له بإهمال أو إبطال، أو فساد، فإذا رأى ذلك شمّر وتغيّر، حتى أنكره من عرفه، كل ذلك لنصرة الحق(ص 5 من الكتيب). ويقول المؤلف:”هذا التشمير هو عين التحريك وبداية التغيير، ومن العدوان أن يذهب متأوّل إلى حصر الأمر بحقوق المال، ولكنها النصرة في عمومها، والعمل الإصلاحي الدعوي في كل حقوله من أجل تعريف المعروف وتأكيده، وإنكار المنكر وتغييره، فالواجب يقتضي من كل مؤمن ومؤمنة استصحاب هذه القناعات والعمل على تحقيق المرادات من عمل الإصلاح والدعوة، وتجنّب الوقوف في صفوف المتفرجين والمتأرجحين والساكتين والفارغين من أي شغل وعمل وبذل جهد. وأولى من ذلك تجاوز الاهتمام بالشؤون الخاصة، بل الأصل هو الاهتمام بالشأن العام، في منهجية وعمل صائب ودأب وجهد واجتهاد.
- الاستجابة للتحدي العالمي/ العولمي
يطرح المؤلف فكرة جسّدها أحد الشعراء بقوله:
ويغمرُني الموج..لكنني
أعانده بالشراع الكسير
مبرزا أن محاولات الإنسان المؤمن الحرّ الحيّ الإيجابي النافع لنفسه ومجتمعه يحرّكها التحدي دائما، حتى ولو لم يملك الوسيلة الكافية، أو كان الشراع محطما، فإن الدأب وبذل الوسع منه قريب، يحدوه الأمر وثواب الله قبل ذلك.
ويرى المؤلف: أن البيئة العالمية اليوم تشكل تحديا سيوقظ كوامن الطاقات، وبالتالي فإن السعي الدعوي في إيضاح الفكر، ونشر العلوم، وإشاعة الوعي الحضاري/السياسي وتنظيم طاقات الناس وإبراز قيادات مخلصة..كل ذلك يعدّ استجابة للتحدي ومحاولة مرشّحة لنجاح جولة جديدة للحضارة الإسلامية/الإنسانية، بشرط أن تتوفر هذه المحاولة على: ردم الفجوة العلمية، الإدارية، المنهجية، التنظيمية، القائمة بين المسلمين وبين الغرب حاليا. والنجاح ممكن ومُتصور إن تضامت الجهود، وتداعت الإرادات، وتحقق الوعي الحادّ والفهم السليم ..