البصائر الجريدة التي صمدت رغم التحديات في يومها الوطني للصحافة
عبد الغني بلاش /
يحلّ اليوم الوطني للصحافة 22 أكتوبر من كل سنة، ليذكرنا بمهام السلطة الرابعة، وهو مناسبة تحمل في طياتها إشادة بالدور الحيوي الذي تلعبه الصحافة في بناء المجتمعات، وتوثيق الأحداث، ونقل الحقيقة. في هذا اليوم، يليق بنا أن نسلط الضوء على جريدة «البصائر»، إحدى أعرق الجرائد الجزائرية، والتي ما زالت، رغم تحديات الزمن والظروف المالية الصعبة، تُسهم في حمل الرسالة النبيلة التي أسست من أجلها.
تاريخ عريق وذاكرة وطنية
منذ تأسيسها في ثلاثينيات القرن الماضي، كانت جريدة «البصائر» لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهي الجريدة التي اتخذت على عاتقها الدفاع عن هوية الأمة الجزائرية في أحلك فترات الاستعمار. وقد شهدت الجريدة محطات تاريخية كثيرة منذ تأسيسها، أبرزها الدور الذي لعبته في فترة ما قبل الاستقلال، حيث كانت منبرًا للمقاومة الثقافية والدينية، تسعى لتوعية الشعب الجزائري والحفاظ على هويته الإسلامية والعربية.
وبعد الاستقلال، واصلت «البصائر» رسالتها الإعلامية، حيث سعت إلى تعزيز قيم الأصالة والمبادئ التي نادت بها جمعية العلماء المسلمين. هذا الترابط العميق بين الجريدة وتاريخ البلاد جعلها ذاكرة وطنية، تسجل الماضي وتحاكي الحاضر، وتعمل على بناء المستقبل.
دور «البصائر» في دعم الشباب وقضاياهم
منذ تأسيسها، لعبت جريدة «البصائر» دورًا حيويًا في نشر الوعي الوطني والديني، وكانت منبرًا لمناقشة قضايا المجتمع الجزائري، لا سيما قضايا الشباب. منذ عهد مؤسسها العلامة عبد الحميد بن باديس، لم تكن الصحافة مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل كانت سلاحًا يستخدمه ابن باديس لرفع مستوى الوعي بين الشباب وتوجيههم نحو النهوض بوطنهم والتمسك بثوابت دينهم.
وفي ظل هذا الإرث، استمرت «البصائر» حتى يومنا هذا في التركيز على قضايا الشباب. فقد خصصت مساحة واسعة لهم في صفحاتها، مثل صفحة «شباب ميديا»، التي أصبحت منصة تتيح لهم التعبير عن آرائهم وتطلعاتهم ومناقشة قضاياهم. لم تكن هذه الصفحات مجرد مساحة للنشر، بل كانت جسرًا يربط بين الأجيال، حيث يسهم الشباب بمقالات وتحليلات تغذي النقاشات العامة.
فريق عمل ملتزم ورسالة مستمرة
لا يمكن الحديث عن «البصائر» دون ذكر فريق العمل الذي يقف خلف هذه الجريدة. رغم التحديات والصعوبات التي تواجههم، يواصل الصحفيون والعاملون في «البصائر» رسالتهم بكل تفانٍ، حرصًا منهم على استمرار هذا المنبر الإعلامي العريق.
يتشكل هذا الفريق من مجموعة صغيرة من الأفراد الذين يحملون على عاتقهم مهمة الحفاظ على مسار الجريدة وتوجهها الفكري والإعلامي.
على رأس الجريدة يقف رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذي يكتب افتتاحية ثابتة في كل عدد، معبرًا عن رؤية الجمعية وتوجهاتها إزاء مختلف القضايا الوطنية والدولية. هذا الدور الريادي الذي يقوم به الرئيس يعكس الالتزام العميق للجمعية بدورها الإعلامي، والمبادئ التي تأسست عليها.
إلى جانب الرئيس، يساهم أعضاء المكتب الوطني للجمعية، ورؤساء المكاتب الولائية، في إثراء محتوى الجريدة، من خلال كتابة المقالات والبحوث العلمية، التي تدور حول الفكر الإسلامي، وتاريخ الجزائر، وإسهامات العلماء.
إشراف التحرير من قسنطينة
يقوم الأستاذ حسن خليفة، المكلف بالإعلام في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بدور محوري في إدارة الجريدة. من مقر عمله في ولاية قسنطينة، التي تعد مهد العلامة عبد الحميد بن باديس، يشرف على إدارة «البصائر» ويتابع صفحاتها ويوجه فريق التحرير المتواجد في العاصمة. يعمل الأستاذ خليفة بجد لضمان أن تظل الجريدة متماشية مع رسالتها الرسالية، من خلال التنسيق المستمر مع فريق التحرير.
يتعاون معه في هذه المهمة الأستاذ عبد القادر قلاتي، سكرتير التحرير، الذي يقوم بانتقاء المقالات وتصنيفها حسب أقسامها ومحاورها، لضمان تقديم محتوى ثري وهادف للقارئ.
ذاكرة الجريدة والمصمم المبدع
في زاوية أخرى من الجريدة، وبالضبط في القسم التقني، نجد الأخ مصطفى كروش، المصمم المبدع، الذي يعد من أقدم العاملين بالجريدة في عصرها الحالي. بدأ عمله منذ بداية القرن الحادي والعشرين، عندما استدعاه الشيخ عبد الرحمن شيبان، رحمه الله، رئيس الجمعية السابق، لإعادة بعث الجريدة بعد فترة توقف. يروي لنا الأخ مصطفى، بابتسامة تملؤها الذكريات، عن التحديات التي واجهها في البداية، خاصة مع قلة الأجهزة وصعوبة التصميم في ذلك الوقت. يذكر بحس فكاهي حاسوب الجريدة الأول، الكبير والثقيل، وكيف كان يستخدمه لإخراج الجريدة في شكلها الأنيق آنذاك.
يعمل معه في نفس المهمة الأخ إسماعيل سلمان، الذي التحق بالجريدة كمساعد في التصميم والإخراج، وهو ينوب عن مصطفى أثناء غيابه، ويشارك في تصميم بعض الصفحات.
الأقلام الصحفية المميزة
تتميز «البصائر» أيضًا بأقلامها الصحفية التي تساهم بشكل فعال في إثراء المحتوى. من بين هذه الأقلام الصحفية فاطمة طاهي، المعروفة بتغطياتها الصحفية النوعية وحواراتها الفكرية العميقة. فاطمة تعد من الصحفيين الذين يحبون التنقل والمشاركة في التغطيات الخارجية، خاصة الملتقيات العلمية والثقافية، حيث تسعى دائمًا للحصول على اتصالات جديدة مع مثقفين وعلماء.
حفظ التراث والتوزيع
في زاوية أخرى من مقر الجريدة، يعمل الشيخ الخير، المعروف بـ «عمي الخير»، الذي يشرف على مكتب التوزيع والأرشيف. يعد عمي الخير من قدماء العاملين في «البصائر»، وهو الذي يحرص على الحفاظ على أرشيف الجريدة، حيث يقوم بتجميع الأعداد القديمة وتغليفها للحفاظ عليها للأجيال القادمة. بالإضافة إلى ذلك، يشرف على توزيع الجريدة نحو مختلف الولايات.
يساعده في هذه المهمة الأخ سفيان يمي، الذي يساهم في ضمان وصول الجريدة إلى كل المناطق.
اللمسات الأخيرة قبل الصدور
كل يوم سبت، وقبل صدور الجريدة يوم الأحد، يأتي الأستاذ فؤاد مليت، المدقق اللغوي، الذي يقوم بتصحيح الأخطاء اللغوية وتدقيق النصوص لضمان أن تخرج الجريدة بشكل صحيح ومهني.
التحديات المالية.. البصائر تصمد رغم الصعاب
رغم التاريخ الطويل والدور المهم الذي تلعبه «البصائر»، تواجه الجريدة اليوم تحديات مالية كبيرة. فبعد قرار رفع الإشهار العمومي عنها قبل 3 سنوات ، تعيش الجريدة في ظروف صعبة، حيث تأثرت مواردها المالية التي كانت تعتمد عليها في تمويل عمليات الطباعة والنشر.
هذا القرار جعل الأمور أكثر تعقيدًا، لكن «البصائر» لم تستسلم. رغم كل شيء، تواصل الجريدة الصدور بانتظام، حاملة شعلة الإعلام الهادف، بفضل جهود فريق عملها وحرصهم على استمرارية هذا المشروع الإعلامي الذي يحمل قيمة كبيرة في المشهد الصحفي الجزائري.
نداء إلى السلطات: إعادة النظر في قرار رفع الإشهار
لا يمكن الحديث عن هذه التحديات دون توجيه رسالة إلى السلطات الجزائرية لإعادة النظر في قرار رفع الإشهار العمومي عن جريدة «البصائر». فهي ليست جريدة عادية، بل تمثل رمزًا وطنيًا وتاريخيًا وإعلاميًا يعبر عن صوت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. إن «البصائر» كانت ولا تزال لسان حال الأمة، ومنبرًا للدفاع عن القيم والمبادئ التي أرساها رواد الحركة الإصلاحية في الجزائر.
الجريدة، التي خدمت الشعب الجزائري على مدار عقود، بحاجة اليوم إلى الدعم والمساندة، وليس إلى المزيد من القيود. إن استمرار «البصائر» لا يعني فقط استمرار جريدة، بل يعني استمرار جزء من تاريخ الجزائر وحضارتها وهويتها.
إننا نوجه نداءً للسلطات، بل نداءً الى رئيس الجمهورية المحترم ، بأن يعاد النظر في هذا القرار، وأن يدرك أن دعم «البصائر» هو دعم للثقافة، للتاريخ، وللمستقبل. الجريدة كانت ولا تزال جزءًا أساسيًا من المشهد الإعلامي الوطني، ومن واجبنا جميعًا أن نحافظ عليها ونضمن استمرارها.
رسالة إلى الشباب: أنتم الأمل والمستقبل
وفي ختام هذا المقال، لا بد من توجيه رسالة إلى الشباب الجزائري، الذين كانوا دومًا جزءًا أساسيًا من جمهور «البصائر». أنتم اليوم، كما كان الجيل السابق، أمام مسؤولية كبيرة. الصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي رسالة ومسؤولية تجاه المجتمع.
على الشباب أن يدركوا أن دورهم في بناء مجتمع قوي ومثقف لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مشاركة فعالة في مختلف المجالات، بما في ذلك الإعلام. نحثكم على الاستفادة من الفرص التي تتيحها الجريدة للتعبير عن آرائكم، وللتعلم من تاريخها العريق، والمساهمة في استمرارية هذا المنبر الذي يخدم المجتمع بأسره.
ختامًا، تبقى «البصائر» رمزًا للأصالة والمبادئ، وصوتًا للشباب والطموحات. ورغم كل التحديات، فإنها مستمرة في الصدور، محافظة على رسالتها النبيلة، بفضل دعم القراء وفريق العمل المخلص.