ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية بين سيدة القاهرة وسيدة مراكش
أ.د حجيبة أحمد شيدخ/
ربما كان الأجدر بدء الحديث عن سيدة مراكش أولا لأنها الأقدم، ولكن الاهتمام بالأحياء أولى، إلى جانب كون ترجمة سيدة القاهرة هي الأصح بحسب المطلعين على الترجمتين.
كان توجه زينب عبد العزيز (ولدت عام: 1935م) إلى الترجمة ناتجا عن تمرسها باللغة الفرنسية، التي أتقنتها وأنجزت رسالتها للماجستير بواسطتها، والتي كانت عن «يوميات أوچين دي لاكروا» Eugène Delacroix (ت: 1863م)، وكذلك رسالتها للدكتوراه التي عنونتها بـ : «النزعة الإنسانية عند فان جوخ van Gogh (ت:1890)، ثم ترجمتهما إلى العربية فيما بعد، كما ترجمت مجموعة من الكتب الفرنسية إلى العربية منها: الإسلام وحضارته لأندريه ميكال، والتعسف في استخدام الحق رسالة دكتوراه في القانون الإسلامي لمحمود فتحي، ورواية الريح لكلود سيمون، وكتاب هيجل والمسيحية لجاستون فيسار .والإسلام الراديكالي لإيتين برونو.
كما ألفت مجموعة من الكتب بالفرنسية، ثم ترجَمَتها إلى العربية ومنها: فولتير رومانسيا، ولعبة الفن الحديث، ولعبة الفن الحديث بين الصهيونية وأمريكا، والنزعة الإنسانية عند فولتير …لم يكن من السهل على امرأة متدينة تجيد اللغة الفرنسية أن تسكت على الأخطاء التي وقع فيها مترجمو القرآن الكريم إلى الفرنسية، فدفعتها غيرتها على القرآن إلى التفرغ لترجمة معانيه، متبعة لمنهج قويم اكتسبته من خبرتها بالترجمة ووقوفها على أخطاء المترجمين السابقين لها. لقد اطلعت زينب عبد العزيز على أغلب الترجمات إلى الفرنسية التي قام بها فئتان من المترجمين: فئة المستشرقين وفئة المسلمين الذين أجادوا الفرنسية، فوجدت أن الفئة الأولى وقعت في الأخطاء في أغلب الأحيان عن سوء نية، وذلك للتشكيك في الوحي، ونسبته إلى تأليف الرسول صلى الله عليه وسلم، أما الفئة الثانية فإنها وإن كانت تحمل نية حسنة في ترجمة معاني القرآن الكريم، إلا أنها كذلك وقعت في كثير من أخطاء المستشرقين لأنها كانت من مصادر ترجماتها.
لقد لقيت ترجمة زينب عبد العزيز استحسانا كبيرا، وأشرفت على طباعتها جمعية الدعوة الإسلامية العالمية مشيدة بها: «لقد انتقت الجمعية هذه الترجمة لما تتميز به من دقة في تصوير المضمون وتقريب المعنى لآي القرآن الكريم، ولاستدراكها الملاحظات المثارة حول الترجمات السابقة ولتزكيتها من عدد كبير من العلماء المختصين، ولتطور أسلوبها بما يتواكب مع تطور اللغة ولوفائه بمقتضيات العصر».
أما المترجمة الفرنسية «دونيز ماسونDenise Masson 1901-1994م» والتي كانت تلقب بسيدة مراكش، فلم تكن تحلم بأن تكمل ترجمتها للقرآن الكريم، ذلك لأنها لم تكن من العلماء باللغة العربية والدراسات الإسلامية، لكن حياتها بالمغرب واهتمامها بثقافة شعبه ورغبتها في التعرف على أسرار الدين الذي تدين به شعوب المغرب العربي، دفع بها إلى الحرص على إتقان لغتهم، والالتحاق بمعهد الدراسات العليا المغربية بالرباط، والاهتمام فيما بعد بترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية والعمل على محاولة التقريب بين الأديان، فترجمت القرآن مستغرقة في ذلك ثلاثين سنة، وألفت من الكتب: القرآن والديانة اليهودية والمسيحية: دراسات مقارنة، وكتاب التوحيد في القرآن والتوراة: نظريات مقارنة. وكتاب: الماء والنار والنور، وفق الإنجيل والقرآن والسنن التوحيدية.
لم تكتب دونيز ماسون اسمها كاملا في ترجمتها لمعاني القرآن الكريم وإنما كانت تكتب: Masson. D، مما جعل القراء لها لا يعتقدون أنها امرأة. وربما كان السبب في عدم كتابة اسمها كاملا تخوفها من كونها المرأة الوحيدة حينها التي قامت بهذه المهمة. حين طبعت ترجمتها سنة: 1967م بفرنسا، اعتبرها المستشرقون من الترجمات القيّمة ومنهم: أندريه شوراكي. ولكن الدارسين المسلمين رأوا أنها اقتفت سبيل السابقين لها من المترجمين الغربيين في موقفهم من القرآن الكريم ومن هؤلاء زينب عبد العزيز.
كانت دونيز ماسون ذات نزعة إنسانية، جعلتها تبحث عن التقريب بين الأديان، وربما الذي أوجد ذلك الإحساس عندها ارتباطها بأرض الجزائر والمغرب وتونس. وتعاطفها مع النزعة إلى الحرية عند أبناء هذه البلدان، قبل أن ترتبط ارتباطا وثيقا بالمغرب باتخاذها قرار الاستقرار هناك إلى غاية وفاتها سنة :1994 م. لقد أهدت لها والدتها بيتا «رياضا» (نسبة إلى مالكه الأصلي: رياض الحفظي) بدرب زمران المدينة العتيقة لمراكش أقامت به أكثر من ستين سنة، وأصبح من الفضاءات الثقافية المشهورة هناك.
أحبت دونيز ماسون المغرب العربي، وترجمت القرآن الكريم إلى الفرنسية، لكنها بقيت متمسكة بدينها المسيحي، ووفائها لبلدها الأصلي فرنسا.